رأي في الاحتفال برأس السنة الميلادية
يقول الله تعالى في محكم كتابه المبين ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون )
يخاطب الله سبحانه في هذه الآية الكريمة محمدا صلى الله عليه وسلم بأمر اتباع شريعة الإسلام التي فرضها الله عز وجل وبأن لا يتبع غيرها من أهواء الذين لا يعلمون سواء كانوا عربا أو عجما أو يهودا أو نصارى ، وقد تمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بحق فاتبع شريعة الله وخالف غيرها ، وبقي على الأمة أن تعمل بما عمل به نبيها ورسولها فتتبع شريعة الإسلام وتخالف غيرها من الأهواء .
وفي الآية عدة إشارات مهمة نذكر منها :
– أولا : قوله سبحانه وتعالى ( جعلناك ) مخاطبا به محمدا صلى الله عليه وسلم ليبين له أن الذي هداه لهذا الأمر وجعله عليه هو الله سبحانه وتعالى وبالتالي فلن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الشرع الرباني القويم ، وقد بين هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حينما ساومته قريش بالمال والملك فقال : »والله لو وضعوا الشمس عن يمني والقمر عن يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته » .
– ثانيا : أن الله سبحانه جعل ( الأهواء ) مقابل ( الشريعة ) ليبين لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ما يتبعه الضالون والمنحرفون هي عبارة عن أهواء لا أساس لها ولا مبادئ وقيم تحكمها وإنما هي محض أهواء وشهوات ونزوات اتخذها الذين لا يعلمون شريعة فأصبحوا يتحاكمون إليها ويعتبرونها دينا يعتنقونه ، بمقابل أن الله جعل محمدا صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر لها ضوابط وأحكام وغايات ومبادئ وقيم ونظم عليها تسير البشرية إلى السعادة في الدنيا والآخرة . وأن جميع ما يصدر عن الذين يخالفون شريعة الإسلام هي عبارة عن أهواء ولو زينوا فيها ما زينوا ولو أعطوها ما استطاعوا من صور الجد والاتزان فإنها تبقى مجرد أهواء لا أساس لها من الصحة .
– ثالثا : أن الله سبحانه وصف هؤلاء الذين يتبعون أهواءهم بالجهل فهم لا يعلمون فهم يجهلون ما كانوا عليه وما هم عليه وما سيكونون عليه فهم لا يعلمون لا ماضيا ولا حاضرا ولا مستقبلا ، فتجد العديد من الأقوام الذين اتخذوا أهواءهم دينا يعتنقونه لا يعلمون إلى أين مصيرهم ولا كيفية وضعهم فهم يعيشون في ظلام وجهل روحي كبير ، بينما الإسلام يجعلك على حقيقة من الأمر ويعطيك أجوبة عن كل استفساراتك وأسئلتك وتعلم ماضيك وحاضرك ومستقبلك .
وفي الآية الكريمة منة على أمة الإسلام فقد بين الله لهم في الآية حقيقة الأمر :
فأولا : بيان شريعة الإسلام .
وثانيا : اتباع هذه الشريعة .
وثالثا : مخالفة غيرها من الأهواء .
أولا : بيان شريعة الإسلام : فعلى الإنسان أولا أن يبحث عن شريعة الإسلام الحقة الصافية من الخرافات والبدع والكذب والتدليس والمغالاة والتنطع ، الإسلام الحق الذي لا مزايدة فيه على أحد .
ثانيا : اتباع هذه الشريعة : حينذاك على الإنسان اتباع هذه الشريعة واعتناقها والعمل على وفق أحكامها وضوابطها واتباع أوامرها واجتناب نواهيها .
ثالثا : مخالفة غيرها من الأهواء : فإذا اتبع الإنسان شريعة الإسلام واعتنقها فعليه مخالفة كل ما يخالف هذه الشريعة من الأهواء والشهوات والنزوات والشبهات ، فإذا جاءه أمر يخالف ما هو عليه من الإسلام فما عليه إلا التخلي عنه والابتعاد منه واتباع شريعة الإسلام الحقة ، وإن اي شيء يصادف المسلم في حياته عليه أن يعرضه على مبادئ الإسلام وأحكامه وضوابطه فإن وافقها أخذ به وإن خالفه تركه فلا يجب على المسلم أن يصدر أحكاما جاهزة بالحل والتحريم دون عرض على أحكام الإسلام وضوابطه على أي أمر من الأمور ، من ذلك مثلا : الاحتفال برأس السنة الميلادية فالكثير من العلماء من يحكم عليه بالتحريم وقد خالفوا في ذلك الصواب ، والكثير من العلماء من يحكم عليه بالحل وقد خالفوا في ذلك الصواب ، والقليل من العلماء من تروى في الأمر ونظر فيه ثم اصدر بذلك حكم الإسلام فيه .
فالبنسبة للذين يقولون : هو حرام : لأنه احتفال بالسيد المسيح ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حكم استباقي فيه نظر ، لأن الاحتفال برأس السنة الميلادية لا يقوم به النصارى فقط بل يقوم به العالم كل بشكل عام فيحتفل به اليهود والنصارى والروم والفرس والوثنيون واللادينيون والملحدون وغيرهم ، والكثير يحتفل بذلك لمرور سنة وهم على وجه الأرض لم يخسف بهم ولم يندثروا منها وليس للمسيح أي علاقة بالأمر باستثناء النصارى فهم القائلون بذلك وهم على خطأ فيه لأن المسيح عليه السلام لا يعلم له تاريخ ولادة حتى يحتفل به .
وبالنسبة للذين يقولون : هو حلال : لأنه لا يقع فيه شيء وهو مجرد احتفال عادي ، فهذا حكم استباقي فيه نظر ، لأنه يقع فيه من المحرمات الشيء الكثير في الجانب الاعتقادي والجانب العملي والجانب القولي .
ففي جانب الاعتقاد : فغير المسلمين يحتفلون به اعتقادا لا طبعا وفطرةً فإما يحتفلون به لأنه ميلاد السيد المسيح كما عند النصارى وإما لأنه ميلاد الشمس كما عند وثني الروم .
وفي جانب العمل : كشرب الخمر والقمار والزنا وانتهاك المحرمات وغيرها .
وفي جانب القول : كالتبادل في التهاني والتبريكات .
والذي يجب أن يكون عليه المسلمون :
– أولا : عدم المبالاة به واعتباره أمرا عاديا : فلا يجب على المسلمين أن يهتموا به أو يعطوا فيه أموالهم وأنفسهم وأوقاتهم ، لأنه لا يعدوا أن يكون أمرا عاديا .
– ثانيا : عدم التقليد الأعمى للغرب : فأصبح المسلمون كلما دخلت عليه سنة جديدة إلا وقامت عندهم القيامة فيحتفلون ويلعبون ويلهون ويأتون أطفالهم بالهدايا والألعاب ، والمشكلة أنهم يقلدون الغرب في كل شيء اعتقادا وعملا وقولا ، وهذا هو الأمر الذي حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال : »لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب دخلتموه » قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ؟ قال : »فمن؟ »
– حكم الاحتفال يأخذ حكم ما يقع فيه : فإن كان يقع فيه الحرام فهو حرام وإن كان يقع فيه الحلال فهو حلال ، والمشكلة في الاحتفال برأس السنة الميلادية إضافة إلى أنه ينم عن أمر اعتقادي محض ، وانتهاك الأعراض والحرمات ، إضافة إلى ترويع الناس الآمنين بالألعاب النارية الخطيرة وتبذير الأموال فيها ما يحتاجه فقراء المسلمين ومحاويجهم .
Aucun commentaire