أي مستقبل لحزب العدالة و التنمية بعد دخوله الحكومي؟؟؟؟
العدالة و التنمية حزب ذو مرجعية إسلامية ، حاز على نسبة كبيرة من مقاعد مجلس النواب، أوصلته إلى رئاسة الحكومة ، في سياق ظروف إقليمية و وطنية. فتداعيات الربيع الديمقراطي المقرون بخريف الأنظمة التوتاليتارية، حركت المياه الراكدة، و دفعت بالشباب للمطالبة بالتغيير، في وقت فشلت كل التنبؤات الغربية، و معاهد الدراسات، التي وصفت المجتمعات العربية بالثابتة.
لقد خرج الشباب في حركة 20 فبراير ، مطالبا بإصلاحات دستورية و سياسية، و ربط المسئولية بالمحاسبة، و نزع ثوب القداسة عن كل ممارسة سياسية، و خلق توازن بين السلط و الفصل بينها، و الفصل بين سلطة المال و السلطة السياسية.
هذه العوامل كلها، بالإضافة إلى عوامل أخرى من قبيل فشل الأحزاب التاريخية في قلب موازين القوة السياسية و الإجتماعية لصالح قوى التغيير، هيأت الظروف ليحصد حزب المصباح 107 من المقاعد، و يعين السيد بن كيران رئيسا للحكومة، تنزيلا لمقتضيات الدستور الجديد.
إن الكتلة الناخبة المصوتة على حزب الدكتور الخطيب، متكونة من البورجوازية الصغرى، التي استاءت من ممارسات أحزاب اليسار الديمقراطي كما يسميها الفرنسيون « Gauche Caviar »، خاصة الإتحاد الإشتراكي، وذلك داخل المدن الكبرى و الساحلية الأطلسية بالخصوص، مما يوضح أن الطبقة الوسطى المغربية، لا تحمل قيما واضحة، فهي بالتالي متذبذبة.
لقد دفع حزب العدالة و التنمية إبان صياغة الدستور، للعب دور المدافع عن القيم الأخلاقية و الدينية للمملكة. و تنافس، بشكل مثير، مع الأصالة والمعاصرة للعب دور المحاماة.
فالمتتبع للشأن السياسي المغربي، يلحظ أن أغلبية الكوادر السياسية الكبرى داخل الحزب، قد دخلت إلى الحكومة،اللهم بعض الأصوات القليلة كعبد العالي حامي الدين، و بلال التليدي…. و أن المسافة بين الحزب و الحكومة غير بعيدة،عكس التيار الدعوي « الإصلاح و التوحيد » الذي يعبر عن استقلاليته تجاه الحزب، و أصبح يضغط عليه بشكل قوي للدفع بجيل الإصلاحات التي أعلن عليها إبان الحملة الإنتخابية.
كثيرة هي العراقيل، التي تواجه حكومة بن كيران، فالأزمة الإقتصادية تلقي بضلالها، و نسبة النمو، حسب بنك المغرب، و المندوبية السامية للتخطيط، لا تزيد عن 2.4./. سنة 2012، و نسبة البطالة جد مرتفعة، و الزيادة في ثمن المحروقات ألهبت الشارع المغربي، و النقابات خرجت للشارع للتنديد بهذه الزيادة، التي يتحملها الفقير، كأضعف حلقة في سلسلة إصلاح صندوق المقاصة.لأنه يبدو أن الحكومة الملتحية لم تستطع ملامسة مصالح الأغنياء، من خلال إحداث ضريبة على الثروة.
إذن في سياق كل هذه التداعيات،يجد حزب المصباح نفسه في نفق مظلم لا يمكن أن يخرج منه بسلام.فشعبيته في الميزان، و الإنتخابات الجماعية ستشكل بالون اختبار عاكس لمدى هذه الشعبية.فتأخيرها كان رهانا للأحزاب المشكلة للإتلاف الحكومي مع حزب المصباح، حتى لا يستفيد هذا الأخير من الكعكعة ، مباشرة بعد الإنتخابات التشريعية.
وفي سياق متصل،يلاحظ العارفون بالشأن السياسي المغربي، أن الإتلاف الحكومي غير متجانس، و هذا ما لوحظ في تدبير عدة ملفات،كإصلاح منظومة الحقل السمعي البصري، و الإعلان عن المستفيدين من مأذونيات النقل، و التصريحات،و التصريحات المضادة، التي تسمع من طرف الوزراء، تعبر كلها، عن غياب مشروع مجتمعي موحد، متبلور في تصور هذه الأحزاب. فالجامع بينهم ميثاق شرف، لا يمكن أن يصمد لوقت طويل، و أنه متآكل لامحالة. زيادة على هذا كله، نلاحظ أن البرنامج السياسي لحزب الراحل الدكتور الخطيب،متخندق في مصاف التوجهات اليمينية بامتياز، اللهم إصباغه بثوب خطاب أخلاقي، يتعاطف معه المغاربة، لكنه لا ينتج فرصا للشغل، ولا يوفر سكنا للمغاربة. فالفساد الذي اعتمد على محاربته الحزب إبان الحملة الإنتخابية، من خلال الرفع من نسبة النمو ب 2./. ما زال يراوح مكانه، و مفاهيم جديدة من قبيل الحكامة، و المقاربة التشاركية التي يستعملها وزراء الحزب اصبحت محط انتقادات لاذعة من طرف أطياف عديدة من المعارضة السياسية.فالخطابات التي تنضح توفير الكرامة للمغاربة، و تطفح بمعاني التحدي، لابد من إيجاد آليات تكريسها على أرض الواقع، المليء بالإكراهات، و المطبات، و وضع العصى في دواليب عربة التغيير. لقد لاحظنا مؤخرا، عبر وسائل الإعلام، عزم قيادات سلفية، إحداث أحزاب سياسية ، من قبيل السيد المغراوي، و السيد الفيزاري، مما قد يفسر أنه عملية استباقية لفشل حزب المصباح، و تعويضه بأحزاب أخرى تنهل من المرجعية الإسلامية. فهبات الإحتجاج العربى، أوصلت الحركات الإسلامية إلى السلطة كتونس و مصر، و حزب العدالة و التنمية التركي، يعتبر نموذج هذه التعبيرات، لأنه يجسد تعايش الإسلام السياسي مع الديمقراطية، أو ما أصبح يسمى في الأدبيات السياسية ب » العلمانية المؤمنة ».
إن مستقبل حزب المصباح فوق صفيح ساخن، فهو شبيه بما عاشه الإتحاد الإشتراكي، الذي بذل مجهودات جمة، و تحمل مسؤولية التسيير الحكومي، و قام بإصلاحات على مستوى القوانين و التشريعات، لكن الخصاص كان كبيرا، مما جر عليه ويلات السخط، و بوأه مكانة في الإنتخابات التشريعية السابقة، لا تليق بماضيه و برمزيته التاريخية ، و ما شكله كمشتل من إنتاج نخب فكرية و سياسية. فالخوف كل الخوف،أن يحشر العدالة و التنمية في زمرة الأحزاب المغربية المغضوب عليها، من طرف الشارع المغربي، مما سيشكل- لا قدر الله – ردة سياسية ستكون لها تداعيات خطيرة على المشهد السياسي المغربي المترهل أصلا. و يخشى أيضا من انشقاقات محتلمة بين التيار المنخرط في الحكومة، و التيار الراديكالي الموجود في الحركة الدعوية » الإصلاح و التوحيد ». فهل سيصل الحزب الملتحي بسفينة التغيير إلى بر الأمان، أم ستتلاطمها الأمواج، و تصطدم بصخور تفقدها توازنها، و تغرقها في شنآن سياسي لا يحمد عقباه.و نعود بعد ذلك نسمع عن جيوب المقاومة، و أن الحكومة لم تملك سوى 30./. من السلطة، كما ساقها ذات يوم عبد الرحمان اليوسفي من بروكسيل،بعد خروجه من الوزارة الأولى.و هذا ما لا نحبذه.
Aucun commentaire