إسقاط الفسلد بين الخطاب والممارسة
إسقاط الفساد بين الخطاب والممارسة : بقلم عمر حيمري
الفساد ، هو التحول من حالة صحية إلى حالة مرضية أو من حالة وجود ، إلى عدم وتلف ، بسبب عناصر ملوثة ضارة ، طارئة عليه. وقد تعني مفردة الفساد في اللغة العربية البطلان والاضمحلال والتلف والتحلل . كما قد تفيد معاني أخرى بحسب الموقع الذي تحتله في سياق الكلام . أما معجم أوكسفورد الإنجليزي فيعرف الفساد بأنه » انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة ، من خلال الرشوة والمحاباة » . و في متداولنا الشعبي ، يرتبط مصطلح الفساد والفاسد والفاسدة في الغالب بمعنى واحد هو الزنا . أما الفساد بمعناه الاقتصادي والسياسي والأخلاقي ، فيعرفه المتداول اليومي ، بجملة من التعابير منها : » كروش لحرام ، لكروش لكبيرة ، الرؤوس الكبيرة ، أصحاب لأكتاف ، الشفارة أولاد الحرام …. وتقنية تحليل المضمون تنبئك بما تخفي هذه الكلمات من مرارة وحقد وشعور بالغيض والاحتقان على المفسدين ….
إلا أن مفهوم الفساد في القرآن الكريم جاء على عدة صور ومعان متباينة ومفاهيم مختلفة ومتغايرة ، شملت كافة جوانب مجالات الحياة البشرية الدينية منها والدنيوية . أذكر منها : الشرك بالله عز وجل ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ) [ النحل 88] – النفاق ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )[ البقرة 11-12] الغش في الكيل والميزان وتبخيس الناس أشياءهم ( فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلك خير لكم إن كنتم مومنين ) [ الأعراف 85] الإيقاع بين الناس وإشعال الفتن والحروب ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) [المائدة 64] السرقة وأكل أموال الناس بالباطل ( قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين ) [ يوسف 73-75] قتل النفس بغير حق ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) [ النمل 48- 51] اللواط والسحاق والزنا والعري وسائر الفواحش والمنكرات ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أينكم لتاتون الرجال وتقطعون السبيل وتاتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا إيتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين ) [ العنكبوت 28- 30 ] الحرابة : الخروج على الناس وقطع الطريق عليهم بالسلاح وسرقتهم ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) [ المائدة 33 ] الحكم بغير ما أنزل الله ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ المائدة 44 ] ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف و الأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [ المائدة 45 ] ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [ المائدة 47 ]
إغلاق مساجد الله ومنع الناس عنها ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) [ القرة 114 ] السحر والشعوذة ( … فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ) [ يونس 81 ] .
إن الربا والرشوة و القمار والخمر والمخدرات وشهادة الزور- وأعظمها تغيير إرادة الشعب وقراراته – والظلم والطغيان والاستبداد والكذب والحسد والنميمة وخيانة الأمانة وكل عصيان لأوامر الله وإتيان لنواهيه ، فساد وفسق وكفر والآيات الكريمة الواردة بهذا المعاني أكثر من أن تذكر في هذا المقال .
إن الفساد بكل المعاني السالفة الذكر استشرى في بلادنا، تحت مرأى ومسمع ، كل الحكومات اليمينية منها و اليسارية ، التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال، وكلما قيل لهم اتقوا الله ولا تفسدوا في الأرض ، قالوا بلسان بني يهود إنما نحن مصلحون . (- ألا إنهم هم المفسدون -) فكانت النتيجة أن أطاح الشعب بهم وسحب ثقته انتقاما منهم ، في أول فرصة ديمقراطية أتيحت له ، رافعا شعار » الشعب يريد إسقاط الفساد » لا » للفساد ولا للمفسدين » » صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد « . ولو لم تفح رائحة الفساد الناتئة من الحكام الاشتراكيين والعلمانيين لما زحزحوا عن الحكم ، ولكنهم فسدوا وأفسدوا فأسقطوا . لم يرض حكام الأمس (التقدميون ) بالهزيمة ، ولم يقدروا رأي الشعب ولا احترموا إرادته واختياره ، ولم يخجلوا من أنفسهم ، بل بدأوا يتآمرون ويكيدون من جديد للشعب وضده رافعين نفس الشعار الذي كان السبب في الإطاحة بهم ألا وهو » محاربة الفساد » وكأنهم لم يكونوا حماة ولا أربابا له ، لمدة ستين سنة تقريبا . فمن كان يمنعهم ، من محاربة هذا الفساد الذي أكل لحم الشعب ولم يترك عظمه ، طيلة هذه المدة ؟ لماذا لم يتهموا أنفسهم ويعترفوا بفشل منظومتهم السياسية ، ذات التوجه العلماني الاشتراكي ، التي أغرقت البلاد والعباد في الفساد بكل ألوانه ؟ وكان على الأقل ألا يكونوا أقل عقلا وفكرا وشهامة ورجولة ، من قوم إبراهيم عليه السلام ، فيرجعوا إلى أنفسهم ويعودوا إلى صوابهم ويقولوا ما قاله قوم إبراهيم عليه السلام أتباع النمرود » إنكم أنتم الظالمون » .
وبعد أن استلم حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة ، وبتفويض من الشعب ، فعليه أن لا يكتفي بفضح الفساد والمفسدين ، وإن كان هذا الفضح ، في حد ذاته في تصوري ، إنجازا عظيما وعملا وسلوكا ينم عن شجاعة وجرأة منقطعة النظلير ولكن على حزب العدالة والتنمية أن يتجاوز مرحلة الكشف والفضح للفساد والمفسدين وبالسرعة أللازمة وينتقل فورا إلى مرحلة الفعل :
على حكومة حزب العدالة والتنمية مأسسة المأذونيات ، والصيد البحري ، وفتح استثمار مقالع الرمال ،والرخام ،والأحجار، والأتربة … في وجه كل المواطنين شريطة تطبيق ما تنص عليه دفاتر التحملات .عليها أيضا ، أن تعمل على توزيع الثروات توزيعا عادلا بين كل المواطنين و سن القوانين التي تنظم استغلال الأراضي العرشية والجموع والجيش وتنهي النزاعات تحدث بين الأفراد والقبائل بسببها . أما بالنسبة للزيادة في ضريبة الخمر والسجائر فالشعب لا يرضى بأقل من إراقتها في الشوارع وتدمير مصانعها ، وإن كنتم في ريب من هذا فصناديق الاقتراع بيننا وبينكم . واتقوا الله في ضرب المكوس على الناس ( الضرائب ) فإنها سبب غلاء المعيشة والأسعار وإفساد الأسواق. زيادة على أنها سبب في الظلم والتراتب الاجتماعي ،لأن البعض يعفى من الضرائب أو يتهرب منها ، فيغتني والبعض الآخر تفرض عليه نسب وأقساط أكبر مما ينبغي وفوق ما يستطيع فيفتقر . يقول صلى الله عليه وسلم [ لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ] ( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان رقم 5492 وأخرجه أيضا : في السنن الكبرى رقم 11325 وصححه الألباني / الإرواء 1459 ) ومقابل ذلك اجمعوا الأموال بالوسائل المشروعة ، كزكاة الأموال ، والثمار، والزرع ، والنبات ،والحيوان والتركات التي لا وارث لها ، والركاز ، وإرجاع المال العام المسروق والمنهوب ، وهذا أطهر للنفوس وأزكى للمال وأبقى له .ثم شجعوا على الصدقات ، فإنها أسلم وأفضل نهج ووسيلة للتكافل الاجتماعي . فإذا لم يكف كل هذا، لإنجاز مصالح الناس ومشاريع الدولة ، فعند ذاك يمكن أن تفرض ضريبة بقدر الحاجة فقط .
وأخير ، فلقد أخذتم على عاتقكم مهمة إصلاح القضاء ، فلا تقصوا الشريعة ولا تتهاونوا في تطبيقها ، فلا خيار لكم في ذلك ، وإلا عرضتم أنفسكم لغضب الله ولغضب منتخبيكم، وكان لكم مصير الاتحاد الاشتراكي . [ فلا وربي لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ] ( النساء 65 ).
صحيح ليس سهلا ، ولكن المهمات الصعاب لا تكون إلا للرجال الصالحين ، وأن المرجفين والمشككين في البلاد كثر ، وهم لكم بالمرصاد ، ولكن لن يضروكم إلا أذى بألسنتهم ، وطعنا في مبادئكم ، وكذبا وزورا وادعاء على أعمالكم ومنجزاتكم … وصدق وزير التجهيز والنقل عزيز رباح إذ قال : ( إنه لا يحس بوجود مساندة من المعارضة بقدر ما يرصد تشويشا على مسيرة الإصلاح التي أعلنتها الحكومة ، وأضاف بأن قوى الإصلاح حاضرة رغما عن جيوب المقاومة .)( هسبريس محمد بن الطيب 30 ماي 2012
وعلينا أن لا ننسى أن صناديق الاقتراع تظل هي الحكم بيننا وبينهم عند كل إصلاح . عمر حيمري
Aucun commentaire