Home»Correspondants»مسرح الملاحم الحديثة

مسرح الملاحم الحديثة

0
Shares
PinterestGoogle+

مسرح الملاحم الحديثة:

بعد أيام من العمل المضني في دهاليز الحياة حدثتني نفسي بالترويح عنها قليلا حتى لا تصدأ كما يصدأ الحديد، خيرتها بين فنون الدنيا السبع، فاختارت الثامنة، لم أسمع قبل بالفن الثامن، ما شكله؟، ما مواصفاته؟، ما حدود حاضنته؟، سألتها كيف السبيل إليه؟، أجابت إنها أرض الملاحم الحديثة، قلت أتتخذيني هزؤا؟، قالت أعوذ بالله أن أكذبك القول وأنت مالكي، هو مسرح هزلي، أبطاله ينفقون البلايين لحجز المقاعد الأولى، بل الركح، لا قوانين تنظم حركتهم، ولا سيناريوهات محددة المعالم يمثلونها،  كلما عنَّ لهم فعل يبذون به غيرهم على صفحات غنيس قاموا به ولم يبالوا، يلقون الأطنان من غضبهم على جمهور مكتوف الأيدي، فلا يتقي شظايا ذلك الغضب، مكممة أفواههم فلا يصدرون أنين الألم، يسري في عروقهم دم لا لون له، إذا أهرق لا يثير لونه الأسى على ساكبيه، كلما أظلم المسرح أو خفت نوره، سلط مالكه من جحيم عينيه لهبا يضيئ قصور كسرى، فيكفي هؤلاء الأبطال مؤونة إلقاء غضبهم في حلكة الظلام، يقوم الجمهور بين الفينة والأخرى بجمع أطرافه المبتورة ليعيد إصلاحها     يربط العصب بالعصب، والعظم بالعظم، واللحم باللحم، فلا تتناسب أجزاؤه، يعيد ترتيبها مرات ومرات فلا تلتئم، يتركها وهو يضحك ملء فيه لأنه اكتشف أنها أبت أن تعود إلى أصولها وترضى بأديم الأرض تداس وتسقى بمزيد من ذلك الدم الذي لا لون له وهي تأمل أن تقوم في هيئة غير هيئتها الأولى.

كان أكلة القصعة ثلاثة ينتظرون أهلها يسمنون، واليوم أصبحوا أربعة، ناهيك عن الأكلة الصغار من الضباء والذئاب وعقبان الموت التي لم تعد تقتات من فتات القتلة الكبار، بل أصبحوا يمهدون الطريق لهم حتى لا يبقى للجثة عرق ينبض.

الذي حيرني، تحدثني نفسي، هو الأكول الرابع وشجاعته المتناهية في اقتحام بساط مسرح الملاحم الحديثة، ضيف ثقيل لم ولن يكون مرحبا به، طوى الزمن ذكره لأن عقيدته شذت عن كل العقائد، لكن يبدو أن نار حقده لم تخمد بالكامل، بل ظلت جذوتها تستمد استمرار لهيب فتيلها من بين حطام الكراهية والحقد الدفينين.

اقتحم السيناريو ولم يعط الدور بعد، ألقى حزما من نفثات غضبه، خلط الأوراق ولما تستقر بعد، جعل غارب الأمر سافله، فلم نعد نتبين الآكل من المأكول، ولا المتفرج من الممثل، هناك من يمشي على أربع وهناك من يمشي على ثلاث، أما السائرون على اثنتين فحدث ولا حرج.

زاد عجبي، واكتنزت غرابتي، سألت نفسي أأستطيع أن أخرج طائرتي الورقية وأخط عليها شعارا كيف ما اتفق، وأطير بها في وضح النهار وأمام أعين رواد مسرح الملاحم، وأحط بها على بساطه لأحظى بفرصة تعلم التمثيل في أرض العجائب، أطأ ما أشاء، وأصيد ما أشاء، وأهادن من أشاء، وأعادي من أشاء، علي أبيع قليلا من أدوات الصيد هذه، وأجد لنفسي موطئ قدم بين أولئك الأكلة الكبار، فيخشاني الصغار والكبار، لأني لا أتقن إلا فن التحليق، ولا أملك إلا براميل الغضب، أزاحم طيور الموت في سمائها، وأتحامى أسود الأرض في أدغالها، يروقني لحم الغزال فأظفر به، وأأنف لحوم الحمير والبغال وحمر الوحش والذئاب والأفاعي فأقبرها، أليست هذه بلاد العجائب والكل فيها سائغ للشراب؟.

تعجبت مني نفسي، كيف انقلبت وأنا الخانع إلى وحش كاسر، ولما أبلغ بعد أرض الملاحم الحديثة؟ وقالت في استسلام لماذا ،إذا، نلوم أولئك الذين وطئوا مسرح الملاحم الحديثة ، ولماذا نستغرب من تبدل أقنعتهم كلما بدا لهم دور جديد ؟

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *