مؤسسات نيابة تاوريرت تحتفي بمتقاعديها
تعرف المؤسسات التعليمية بنيابة تاوريرت نوعا من الدينامكية جعلت منها فضاءات مفعمة بالحياة وذلك من خلال تنفيذ برامجها السنوية المسطرة سلفا من قبل مجالسها التدبيرية والتربوية ويتعلق الأمر بالاحتفاء بالأيام العالمية والوطنية ، وإذا كانت هذه المناسبات تعد تكسيرا وتجاوزا للروتين الذي يمكن أن تعرفه عادة الممارسة الصفية والفصول الدراسية فإنها ولا شك تعتبر محطة أساسية للوقوف على أهم المكتسبات التي تتحقق ، خاصة وأن جل الأنشطة المنجزة تساهم إلى حد بعيد في الارتقاء بالعلاقات الانسانية إلى مراتب أفضل فأفضل ، كما تنمي علاقات التحاور والتشارك والتشاور والتعاون بين أعضاء هيئة التدريس فيما بينهم من جهة وبين الفريق التربوي وهيئة الإدارة من جهة أخرى ، الشيء الذي يعمل على خلق جو تربوي مفعم بالحب والطمأنينة والأمان وهي قيم عظيمة عظمة سؤال الرسالة الإنسانية الحضارية والتربوية ، نتيجة لهذه الوضعية فإن تمثلات كل فرد من أفراد المجتمع المدرسي تجاه المؤسسة التعليمية التي يعمل بها لا تعدو أن تشكل جزءا من بيته من ذاته من كيانه وبالتالي فإن الجواب عن سؤال الكينونة لديه مرتبط بها على الرغم من كون مهنة التعليم يجمع الكل أنها مهنة المصاعب والمتاعب ، التي لا يمكن أن يدركها إلا من متعه الله بحس تربوي ووطني يمكنه من تقدير حجمها ، حدودها وأسبابها وهو اعتراف يعمل على شحذ الهمم للتوفر على ما يكفي من وعي وإرادة ومسؤولية وروح وطنية لتخطي الصعوبات ومعالجتها .
لعل القاسم المشترك بين هذه الأنشطة هو الاحتفالات المنظمة بمناسبة إحالة بعض الأساتذة على التقاعد ، أساتذة أنهوا مشوارهم المهني بعدما أفنوا زهرة شبابهم خدمة للناشئة والصالح العام وتمكنوا من إنهاء مسيرتهم التربوية والوصول بها إلى شط الأمان لفتح صفحة جديدة من صفحات تاريخ حياتهم وهي لحظة يفسح فيها المجال للضمير الحي لطرح تساؤلاته حول نوعية العلاقات التي جمعته سواء بالرؤساء أو الزملاء ، حول طبيعة عمل عقود من الزمن ومدى نفعيته وجدواه ، فلا يطمئن إلى أي جواب مهما حاول تفسيره وإيجاد مبرراته إلا بعد أن يتنفس الصعداء حيث يتردد رنين الشهادات التي تجد لها وقعا في أذنه ، في نفسيته وبالتالي على شخصيته والصادرة عن رؤسائه ، زملائه بل وتلاميذه أحيانا . تصدر ها هذه الشهادات المتضمنة لعبارات ممتزجة بمشاعر الفرح تارة والحزن تارة أخرى ، يتم هذا في حفل بسيط دون تصنع ، في قاعة متواضعة اعتبارا للإمكانات المتوفرة ، لكن يبقى مغزى الحدث عميقا جدا من شتى زواياه .
وهكذا أصبح هذا النشاط تقليدا في مؤسساتنا التعليمية بتاوريرت وبهذا الصدد فإن السيد النائب الإقليمي بتاوريرت الذي لا يتوانى في حضور مثل هذه التظاهرات التربويةحيث ما فتئ يدعو إلى ترسيخ هذا التقليد . نعم واعون بأن المسئول الأول عن النيابة له انشغالات متعددة مرتبطة بمختلف الجهات التي من الواجب أو المفروض التعامل معها ، لكن تبقى ألالتفاته التي يقوم بها تجاه أسرة التعليم بالإقليم لا يمكن وصفها إلا بالحميدة إذ تخلف ارتياحا عميقا وسط نساء ورجال التعليم بمختلف فئاتهم حيث يستغلها فرصة لتقاسم مجموعة من الأحاسيس النبيلة تجاه مهنة المربي فضلا عن استشرافه لمستقبل المنظومة التربوية بتحدي الصعوبات والإكراهات المطروحة . فإذا كانت فئة الإدارة التربوية بالتعليم الابتدائي تخوض معركة من أجل المطالبة بما هو مشروع من الناحية المبدئية ( على رأسها الإطار ) فإنها ليست ذا طابع محلي أو جهوي بقدر ما تتجاوز هذه المواقع إلى هو أبعد من ذلك ولا نريدها قطيعة ، فهذه المحطة تجلت في مقاطعة البريد من وإلى …. لكن ما يثلج الصدر هو تفهم الطاقم التربوي لهذا الأمر، ما جعلهم يضاعفون جهودهم حفاظا على سمعة الإدارة التي وجدت نفسها فجأة بدون حقيبة ( الجلوس في المكتب من أجل الجلوس ) وحفاظا أيضا على السير العادي للمؤسسة .
فبعد أن نظمت مدرسة مولاي علي الشريف يوم الجمعة 07/10/2011 حفل تكريم للأستاذة خديجة قبس بمناسبة إحالتها على التقاعد وإحياء لليوم العالمي للمدرس تلتها مدرسة المختار السوسي للاحتفاء بالأستاذ امحمد السبيع الذي أنهى مسيرته المهنية بنجاح ليأتي الدور على مدرسة الرازي يوم الاثنين 09/1/2012 لتنظيم يوم احتفالي احتفاء بأستاذتين أحيلتا على المعاش بعد مشوار مهني طويل ناهز أربعة عقود حيث ألقى رئيس المؤسسة كلمة جد مؤثرة كادت أن تجعل مسحة الحزن تطغى على الجو الاحتفالي لولا بعض الفقرات التنشيطية من أداء براعم المؤسسة التي تخللت برنامج الحفل ، وموقف من هذا القبيل إن دل على شيء فإنما يدل على كون جميع مكونات الجسم التعليمي تعيش نوعا من التلاحم وبالتالي تعتبر كلها في خندق واحد وإن اختلفت المهام ، إذ تكمن مسؤولية الجميع كل من موقعه في النهوض بالمنظومة التربوية من خلال الرفع من جودة المؤسسة والارتقاء بأدائها وجعلها أحد المداخل الرئيسية لتحقيق الإرادة في بناء مجتمع ديموقراطي حداثي يسوده الانفتاح والتسامح .
ومعلوم أن السيد النائب الإقليمي كان يستغل هذه الفرص من خلال إلقاء كلمة معبرة يشيد فيها بالجهود والتضحيات التي تبذلها كل من هيئة التدريس والإدارة من أجل ترسيخ المعرفة والعلم والقيم الإنسانية النبيلة ، وبعد أن يذكر بأن المنظومة التربوية قطعت أشواطا إصلاحية ذات أهمية كبرى يتطرق إلى صورة رجل التعليم التي اهتزت أبعادها وجعلته لم يعد يحتل المكانة اللائقة به ضمن سلم القيم الاجتماعية ويعزي ذلك إلى وجهة نظر المجتمع تجاه المؤسسة التعليمية ووظائفها بشكل عام وتجاه رجل التعليم بشكل خاص والتي تغيرت ولم تعد كما كانت عليه على الأقل في الفترة الممتدة من بداية الاستقلال وإلى حدود بداية الثمانينات وذلك راجع لعدة عوامل قد لا يمكن حصرها نظرا لتشعبها بين ماهو سياسي ، اقتصادي ، اجتماعي ، وهنا يعطي السيد النائب نموذجا على سبيل المثال لا الحصر والمتجلي في كون محيط المؤسسة لم يعد يتمكن من التتمييز بين غياب الأساتذة المبرر منه وغير المبرر أو الإضرابات حيث لا يفوته الأمر في ختام كلمته أن يدعو الجميع إلى المساهمة بكل نكران للذات من أجل تحسين ملامح هذه الصورة ، وطبعا لابد أن نشير إلى أن السيد النائب الإقليمي يكون مرفوقا خلال زيارته للمؤسسات بهذه المناسبات بوفد هام من موظفي النيابة الذين نعتبرهم بحق جنود الخفاء .
وبخصوص صورة رجل التعليم التي أصبحت مهزوزة لا من الإشارة إلى كونها ظاهرة عالمية ، فلو أجرينا مقارنة بين مهنة التعليم ومهن أخرى أضحى بوسعنا القول أن المحامي مثلا الذي لا يمتاز بموهبة خاصة يتمتع مع ذلك بالاعتبار والتقدير المرتبطين بدراسة الحقوق ، بما لهذه الدراسة من مهابة وقوالب جامعية تجعلها محترمة ، والطبيب ولو لم يوفق في العلاج يمثل علما راسخا ، طويل الدرب وصعب المنال والمهندس يمثل على غرار الطبيب يمثل علما وتقنية قائمي الذات و و و و
لكن في المقابل نجد الأستاذ لا يعتبره الآخرون عموما بل قد لايعتبر هو الآخر نفسه اختصاصي من حيث امتلاك التقنيات والإبداع العلمي وإنما هو مجرد مبلغ لمعرفة في متناول الجميع . إذ حتي منظري التربية لم يكونوا من محترفيها ، فنتحدث عن كومينوس الذي أسس المدارس وسيرها كان لاهوتيا وفيلسوفا ، روسو صاحب كتاب إميل الذي أحدث ثورة كوبيرنيكية في المجال التربوي والسياسي لم يسبق له أن درس بالقسم بل لم ينشغل حتى بالأطفال الذين أنجبهم إلا قليلا ، فروبل كان كيميائيا وفيلسوفا ، هربت كان عالما سيكولوجيا وفيلسوفا ، جون ديوي كان فيلسوفا ، مونتيسوري و دوكرولي و كلاباريد كانوا أطباء دوركايم كان عالم اجتماع ، بياجي كان سيكولوجيا ….وإذا كانت اختصاصات أخرى تنهل من إلهامات رجال غير أهلها ، نذكر هنا أن الكل يعلم حجم الخدمة التي أسداها باستور لمجال الطب علما أنه لم يكن طبيبا ، لكن يبقى الطب في خطواته العامة من إنتاج أهله وكذلك الشأن بالنسبة للإخصاصات الأخرى ليبقى الإشكال مطروحا في المجال التربوي البيداغوجي أذ لم يكن هذا المجال من إنتاج المربين إلا بالحظ القليل يمكن الإشارة هنا إلى نموذج بيستالوزي . إشكال عرفته أوربا في بداية اثلاثينات من القرن الماضي ، أما بالنسبة للمسألة التعليمية بالمغرب ، فغذاة الاستقلال كانت الدولة بجميع إداراتها في حاجة ماسة للأطر ، هذا فضلا عن هاجس مغربة الأطر الشيء الذي جعل المجتمع وقتئد ينظر إلى وظيفة المؤسسة التعليمية من زاوية محددة جعلت من رجل التعليم آنذاك يحظي بالتقدير والاعتبار ، اما اليوم بعد أن أصبح اكتفاء من حيث الأطر وأصبحت المناهج الدراسية لا تستجيب لمتطلبات سوق الشغل نتيجة إصلاحات كانت تعد عبارة عن ردود فعل تترجم حدة الصراع السياسي ، بالتالي من الطبيعي جدا أن تتغير نظرة المجتمع للمدرسة ولرجل التعليم ولتحسين الصورة يحتاج الأمر إلى إرادة سياسية إذ كيف يعقل أن نجد حاملا لدبلوم عال في العلوم الفيزيائية أو البيولوجية أو … ( إجازة أوغيرها ) يشتغل موظفا بمكتب الحالة المدنية إن وجد بعيدا عن مجال تخصصه .
ختاما لهذه المقالة أود أن أشير إلى أمر هام راعني وأنا أتتبع فقرات البرنامج الاحتفالي بمدرسة الرازي حين تم توظيف مفهوم (إسدال الستار ) من قبل إحدى الأستاذات المحتفى بها والمعروفة بجديتها ، فخيل إلي أن التمثل العام هو إلإحساس بإعلان القطيعة بالفهم الباشلاري بين المؤسسة بشكل خاص والقطاع بشكل عام وموظفيها ولي عودة للموضوع مستقبلا .
Aucun commentaire