انشغال الشعوب العربية بربيعها عن شتاء الأراضي المحتلة في فلسطين وما حولها غفلة خطيرة العواقب
انشغال الشعوب العربية بربيعها عن شتاء الأراضي المحتلة في فلسطين وما حولها غفلة خطيرة العواقب
محمد شركي
من المعلوم أن شتاء الأراضي المحتلة في فلسطين وما حولها هو الذي جاء بربيع الشعوب العربية التي ثارت ضد الفساد والمفسدين . وعلى رأس الفساد الذي ثارت عليه الشعوب العربية فساد الأنظمة التي أهملت الأراضي المحتلة ، واشتغلت بالعلاقات السرية والجهرية والمباشرة ، وغير المباشرة مع الكيان الصهيوني في عملية تطبيع معه غير مسبوقة ، وفي عملية انبطاح غير مألوفة. وكان الربيع العربي نتيجة الشعور بالنكسات بسبب الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية التي لم تسترجع بعد ، والتي صار الكيان الصهيوني يلوح بأنه صاحب الحق المشروع فيها لمجرد مرور عقود من السنين على احتلاله لها. والشعوب العربية ما ثارت على الأنظمة الفاسدة المفسدة إلا من أجل الوصول إلى الهدف من وراء ربيعها، وهو مواجهة الكيان الصهيوني ، وتحرير الأراضي العربية المحتلة كاملة . والمؤسف أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الراعية الأولى لمصالح الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ، ومعها دول أوروبا الغربية تحاول إجهاض الربيع العربي من خلال التآمر مع الطوابير الخامسة المبثوثة في طول وعرض الوطن العربي من أجل إعادة الأنظمة الفاسدة النافقة في نسخة جديدة معدلة ، ومخادعة للشعوب العربية وملتفة عليها تحت شعارات زائفة . فالتلكؤ في محاكمة الرئيس المصري المخلوع ، والسكوت عن فرار الرئيس التونسي ، وغض الطرف عن محاكمة الرئيس اليمني ، والتظاهر بشجب مذابح الرئيس السوري ضد شعبه كلها أدلة قاطعة على المؤامرة الغربية ضد الربيع العربي ، خصوصا بعدما شهد الغرب كيف تعاملت الثورة الليبية مع رئيسها الفاسد ، فخشي من تكرار نفس الأسلوب المهدد لأنظمة كانت دائما في بيت الطاعة وراعية لمصالح الغرب الذي ترتبط مصالحه بمصالح الكيان الصهيوني الغاصب . ولهذا السبب يحرص الغرب على المحافظة على الأوضاع كما كانت في البلاد العربية التي أزهر ربيعها، وذلك من خلال الاحتفاظ برموز الأنظمة الفاسدة من أجل إعادة إدماجها من جديد لتعلب أدوار الفساد والإفساد. والسماح باللعبة الديمقراطية التي جاءت بالحكومات الأصولية في نظر الغرب ما هو إلا التفاف على الثورات العربية من أجل إجهاضها بطريقة ذكية .
وبعدما تأكد الغرب من فتور فوران هذه الثورات ، بدأ يناور من أجل الكشف بصراحة عن نواياه الخبيثة . فخلاف المؤسسة العسكرية مع حزب الإخوان المسلمين عبارة عن طبخة غربية من أجل ضمان استمرار النظام المصري النافق الذي كان يوفر الحماية للكيان الصهيوني في أخطر جبهة عسكرية عليه في الوطن العربي . وتحركات الطوابير الخامسة الليبرالية والعلمانية وأنشطتها المحمومة في دول الحراك العربي المختلفة أيضا عبارة عن طبخة غربية لها نفس الأهداف الخبيثة. ولقد كانت في بعض البلاد العربية عمليات استباق الربيع العربي من خلال تعزيز ترسانة الأنظمة الفاسدة برموز رفضتها الثورات العربية ولفظتها ولكنها خرجت من الباب وعادت من النافذة لشرعنة وجودها . ولعبت الأنظمة العربية التي لم يزهر فيها الربيع العربي دورا كبيرا في تطويع الثورات العربية وفق التصور الغربي من أجل إجهاضها. وإجهاض الثورات العربية عبارة عن ضربة قاضية للقضية الفلسطينية التي ظلت تنتظر لعقود من السنين أنظمة صالحة وغيورة لتحرير الأراضي المحتلة ، والتي كرست احتلالها الأنظمة الفاسدة النافقة ، والأنظمة الساكتة والمطبعة مع الكيان الغاصب . والمؤسف جدا هو أن تنشغل الشعوب العربية بربيعها عن شتاء الأراضي المحتلة حيث اختزلت الثورات في مجرد المطالبة بتحسين الأحوال المعيشية التي كان وراء تدهورها المخطط الغربي الرهيب من أجل خلق أجواء التطبيع والانبطاح للعدو الصهيوني. ولئن تجوع الشعوب العربية خير لها من أن تشبع ، وهي منبطحة ومطبعة مع عدوها. والأشد أسفا هو أن تصير القضية العربية القومية الأولى موضوع سمسرة لدى بعض الجهات من أجل أغراض سياسية وطائفية .
والملاحظ أن التظاهرات المخصصة للقضية الفلسطينية ، وقضية الأراضي المحتلة صارت مطية لتصفية الحسابات بين الأنظمة وبعض الطوائف المعارضة لها ، والمرتزقة بالقضية الفلسطينية من أجل مكاسبها الحزبية والطائفية المكشوفة . والشعوب العربية المشغولة بربيعها ، وبالإضرابات من أجل الخبز لا تعير اهتماما للجهات المرتزقة بقضيتها القومية. وقد تنخرط الشعوب العربية في المسيرات المنظمة تحت شعار نصرة القضية الفلسطينية بحسن نية ، وهي مخدوعة ، وقد ركبتها جهات مغرضة تريد خدمة مصالحها المكشوفة ليس غير . فعلى الأمة العربية أن تعي حقيقة ربيعها ، وألا تنسى أنه نتيجة منطقية للنكسات والنكبات المتتالية التي كرستها الأنظمة الفاسدة والمنبطحة والمهرولة من أجل سلام مع عدو غاصب ومحتل آثم . وعلى النخبة العربية النظيفة أن تعمل كل ما في وسعها لتوعية الشعوب العربية بالمؤامرة الغربية الكبرى المتمثلة في إعادة استنساخ نماذج الأنظمة العربية الفاسدة النافقة ،حرصا على ضمان الوجود والسلام والاستقرار للكيان الصهيوني المستنبت في قلب الأمة العربية . فتوعية الشعوب العربية فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخر وإلا أثم الجميع بتركه.
Aucun commentaire