في غياب المعايير الضابطة للفن اللائق بالثقافة المغربية قد تسقط عين العفن فيصير فنا
في غياب المعايير الضابطة للفن اللائق بالثقافة المغربية قد تسقط عين العفن فيصير فنا
محمد شركي
من المعلوم أن العقلاء لا يطلقون الأسماء على المسميات اعتباطا ، لأن الاعتباطي عند النحاة العرب هو ما كان لغير علة ، وفي العربية أعبط الموت فلانا إذا أخذه شابا لا علة فيه ، وأعبط الرجل غيره إذا قتله ظلما لا عن قصاص . وبناء على هذا لست أدري هل الذين أطلقوا عبارة : » مهرجان موازين » قد استحضروا على الأقل دلالتها قبل توظيفها لقصد غير القصد الأصلي . فالمعروف أن لفظة » مهرجان » فارسية مركبة من » مهر » و » جان » تبعا لطبيعة اللغة الفارسية التركيبة نظرا لانتمائها إلى عائلة اللغات الهندوأوروبية خلاف اللغات السامية الاشتقاقية . ولفظة » مهر » الفارسية تعني المحبة ، وتطلق أيضا على معبد النار عند المجوس ، وعلى الشمس ، وعلى ملاك موكل بالمحبة في نفس العقيدة ، وبيده الثواب والعقاب ، بينما لفظة » جان » أو » كان » ـ بكاف معجمة بثلاث نقط ، والتي تنطق كالجيم المصرية ـ تعني الروح أو النفس أو حتى الحياة . ولفظة » كان » في الفارسية تعني أيضا الجماع . وبهذا يكون معنى » مهرجان » محبة الروح أو النفس أو الحياة أو الجماع . ولفظة مهرجان المركبة تطلق على ثاني أكبر أعياد المجوس بعد عيد النوروز أو النيروز إلا أن هذا الأخير يكون في فصل الربيع ، بينما المهرجان يكون في فصل الخريف . وعليه فالذين يطلقون على عموم الاجتماع للاحتفال بشيء ما يسقطون من حسابهم دلالة لفظة مهرجان الفارسية التي لا يمكن أن تفهم خارج سياق العقيدة المجوسية حيث كانت طقوس الاحتفال تدور حول عبادة النار أو الشمس وما يلابس ذلك من حرارة الجنس أو الجماع . وأما لفظة موازين العربية ، فهي جمع ميزان ، وهو آلة توزن بها الأشياء لمعرفة مقاديرها ، وهي من فعل وزن ـ بفتح الواو والزاي ـ يزن وزنا وزنة إذا راز ثقل الشيء وخفته وامتحنه لمعرفة وزنه وما يعدله أو يساويه في المقابل . وأما وزن ـ بفتح الواو وضم الزاي ـ يوزن وزانة إذا ثقل وكان وازنا ، ومنه وزن الرجل إذا كان أصيل الرأي وراجحه ، ورجاحة الوزن هي كمال العقل والرأي . وما أظن أصحاب مهرجان موازين دار بذهنهم شيء من رجاحة عقل أو رأي ، بل كل ما في الأمر خفة عقل ورأي وهي السفاهة ، لأن رجاحة العقل في ظرف الربيع المغربي كانت تتطلب تنكب معاكسة إرادة عموم الشعب الذي يعد المهرجانات ومنها مهرجان موازين من المفاسد التي جاء الربيع لدرئها .
وإصرار أصحاب مهرجان موازين على إقامته رغما عن إرادة غالبية الشعب إمعان في تكريس مفسدة ، وتجاسر على إرادة الأمة ذات الهوية الأصيلة . وأصحاب مهرجان موازين راهنوا على الأغرار الذين يستهويهم مجرد التجمع لغرض العبث والصخب والاختلاط والفارغ من الكلام . ومما تستضمره لفظة مهرجان الهرج وهو الفتنة والاختلاط والقتل ، ومنه هرج الرجل في الحديث إذا أفاض فيه وأكثر وخلط فيه . فجمع الأغرار الذين لم يغادرهم السفه إنما يكون لهرج في الحديث . وإذا كان قصد أصحاب مهرجان موازين زنة تشبث الأمة بقيمها فأظن أنهم قد رازوا الروز الدقيق ذلك عندما جمعوا حولهم الأغرار الذين ساقهم المهرجون سوق الأنعام ، وأرقصوهم كما شاءوا . وأتحدى أصحاب المهرجان أن يستجيب لعبثهم أصحاب رجاحة عقل ورأي . أما كثرة من لم يسلموا من السفاهة من الأغرار الذين يعتبرهم أصحاب المهرجان دليلا على نجاح عبثهم فلا تعني شيئا ، ولا يعتد بها ، لأن الله تعالى لم يمتدح الكثرة كما امتدح القلة ، فهو القائل سبحانه : (( وإن كثيرا من الناس لفاسقون )) كما قال : (( وأكثرهم لا يعقلون )) كما قال : (( ولكن أكثرهم يجهلون )) في حين قال : (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم )) كما قال : (( وقليل من عبادي الشكور )) . فالكثرة لا تعني بالضرورة المشروعية ،بل تعني في الغالب الغثائية عندما يكون التجمع من أجل التهريج والعبث .فالتخطيط لمهرجان موازين أسقط من حسابه اعتبار هوية الأمة الإسلامية وثقافتها في غياب معايير ضابطة للفن اللائق بثقافتنا وهويتنا وقيمنا الأخلاقية والروحية . وفي حالة غياب هذه المعايير يمكن للعفن أن تسقط عينه فيصير فنا . ولقد نقلت محطاتنا التلفزية صورا من هذا العفن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والدارع بالحاسر ، وكانت تسمية مهرجان بالدلالة المجوسية أنسب لهذا اللقاء حيث كانت الإثارة الجنسية السمة الغالبة في حركات الرقص الخليع الذي يعكس النهم الجنسي في أغرار ينتسبون إلى أمة مهذبة الغرائز بدين جعلها خير أمة أخرجت للناس ،ولكنهم لما يدركوا بعد حقيقة انتمائهم وهم في سن السفه لأن المفسدين في الأرض يركبون سفههم ويسوقونهم سوق الأنعام باسم عفن صار في غفلة من الزمان فنا .
Aucun commentaire