من مثبطات عزائم رجال التعليم.
يبدو
أن رأسمال المدرس في جميع المستويات هو
ذلك الاحترام والتقدير والحب الذي يكنه
من يعلمهم له، وأحسب أن هذا الرأسمال باق
ما بقي الإنسان على فطرته، ذلك أن من فطرة
الإنسان أن يحترم ويقدر ويحب من علمه القراءة
والكتابة، ورباه على الأخلاق الحسنة، وأسدى
إليه نصائح ذهبية أنارت طريقة في نواحي
مختلفة من حياته، بل إن المدرس قد يكون
في كثير من الأحيان سببا في الترفيه عن
المتعلم، وعاملا مساعدا على حل مشاكله،
وهذا إحساس متبادل بين المتعلمين والمدرسين،
رغم كل ما قد يطفو على سطح هذا الإحساس من
زوابع العنف المادي أو المعنوي. فالأستاذ
يظل في وجدان المتعلم على رأس الشخصيات
التي تمثل ركائز شخصيته هو. فحتى وإن كان
المدرس متهورا متهاونا في عمله يظل شخصية
مؤثرة أيما تأثير على المتعلم. وهنا تكمن
خطورة مهنة التدريس، فهي ليست كباقي المهن
التي تتعامل مع غير البشر، فمهما كان النجار
متهاونا غشاشا مثلا فلن يكون تأثيره ذا
خطورة على المجتمع، لكن الأمر مختلف تماما
إذا تعلق الأمر بالمدرس.
إني
أومن أن المتعلمين مازلوا يكنون احتراما
وتقديرا وحبا لأساتذتهم، وهذا من أهم الحوافز
التي تدفع المدرس إلى الإخلاص في عمله،
إذ لا أحد يستطيع أن يجبر المدرس على الإخلاص
في عمله سوى إحساسه بأن هؤلاء المتعلمين
يقدرونه ويحترمونه، وهذا ما يعبر عنه بالضمير
المهني.
لكن لا ننكر أن هناك أمرا خطيرا ينتشر يوما
بعد يوم، وهو العنف المدرسي ضد المدرس،
إذ أصبح المدرس ضحية عنف متعلمه، الذي أتى
ليتعلم على يديه، وإذا به يتحول فجأة إلى
عدو يكسر عظام أستاذه، كما حدث لزميلنا
الأستاذ نور الدين صايم بوجدة، ولأستاذة
أخرى بالمدينة نفسها، حيث ألقى عليها متعلم
مفرقعة قوية، أدى إلى إغمائها…وأود بهذه
المناسبة أن أشكر وجدة سيتي على اهتمامها
بهذا الموضوع وغيرها من مواضيع التربية
والتعليم، وإني أنوه بما تقوم به هذه الجريدة
الإلكترونية، التي لولاها لما عُرِفت كثير
من المشاكل الكبرى لتعليمنا في الجهة الشرقية.
أعود
فأقول إن انتشار العنف المدرسي ضد المدرس
يعد خطرا يهدد كيان التعليم، لكن الأخطر
من ذلك هو تغاضي المسؤولين الصغار والكبار
عن هذا السلوك، وهذا ولا شك تشجيع لظاهرة
العنف. إن ما يؤسف له الأسف الشديد هو أن
لا يزجر هذا الصنف من المتعلمين الزجر القادر
على منع تكرارها، فأن يبرأ كاسر عظام مدرسه-
إن ثبت ذلك- فأمر يشيب له الولدان، وهذه
التبرئة – إن كانت مزورة- صفعة قوية تلقاها
وجه التعليم، وهي إنذار للمدرسين كافة،
فمن هذه التبرئة فصاعدا ينبغي على المدرسين
أن يتركوا مثل هذا الصنف يعبث بالمدرسة
العمومية، وأظن أن هذه الفئة المشاغبة
قليلة جدا، وهي في الغالب فئة متعثرة فاشلة
في الدراسة أو تعاني أمراضا نفسية ظاهرة
وباطنة، لكن خطر هذه الفئة يكمن في قدرتها
على استمالة مناصرين في وقت وجيز، وهذا
أيضا ينسجم مع ما هو معروف من خصائص المراهقة،
ومن أهم مميزاتها إظهار الذات وإثباتها،
فهناك من يثبت ذاته بالعنف المدرسي عوض
التفوق الدراسي…
إني
شخصيا فهمت أن المدرس أصبح مستهدفا، فلم
يعد له مناصر قوي، قادر على إنصافه ورد
الاعتبار له، فحتى رجال التعليم أنفسهم
التزموا الصمت الرهيب، وكأن شيئا لم يحدث،
وكذلك الأمر بالنسبة للنقابات فإنه يبدو
أن مواقفها في مثل هذه الأحداث التي تهين
التعليم وأهله باهتة محتشمة لا تستحق أي
ذكر، إنه لا كرامة للمدرس إذا أهانه متعلمه
إهانة معنوية أو مادية، وأهانته جهات أخرى
بالسكوت عن هذه الجريمة، ومع ذلك فإن النقابات
تبقى متفرجة، ولا تعلن عن إضراب أو وقفة
إلا إذا تعلق الأمر بالدراهم، أملنا أن
تغير النقابات هذا النهج المادي التقليدي.
ولعله أصبح مألوفا سماع أقبح السب وأفحش
القذف و الشتم من التلاميذ وغير التلاميذ
يوجه للمدرس والأطر التربوية في قلب المؤسسة
التربوية نفسها ولا يحدث أي شيء بعد ذلك!
وفي
خضم هذا الوضع فما ينتظر من المدرس أن يفعل؟
فهل يظن المسؤولون أن المدرس سيغامر بحياته
وكرامته ليردع مراهقا طائشا يعكر صفو أغلبية
التلاميذ ؟ من الآن فصاعدا افعلوا ما شئتم
أيها المشاغبون! ارقصوا وغنوا وكلوا واشربوا
في أقسامكم هنيئا مريئا! انظر لو حدث العكس،
أي لو اعتدى المدرس على تلميذه ماذا تكون
النتيجة؟
7 Comments
تخيل نفسك ، أخي القارئ، أنك مكان الأستاذ الصايم، تعرضت للإعتداء الجسدي و العنف اللفضي و الإهانة بكل أشكالها. بماذا تحس ؟؟ وبعد هذا كله، تخيل أن حقك قد أزهق من أمام أعينك ، و بعد أن كنت ضحية أصبحت متهما . كيف تحس ؟؟ تخيل نفسك و أنت مشرف على التقاعد، تقف أمام القاضي وتلميذك الذي هو في سن ابنك، يقاضيك زورا و بهتانا. كيف تحس؟؟ تخيل نفسك …. . كيف تحس ؟؟ إذا كان هذا تخيل بالنسبة لك، أخي القارئ، فهي حقيقة يعيشها الأستاذ الصايم لحظة بلحظة. و الله إنها حقيقة يشيب لها الولدان. حقيقة جديدة تنضاف الى سجل تاريخنا المأساوي و شبيهة بوقائع سنوات الرصاص . حقيقة لمن يريد أن يؤلف قصة أو فلما عملاقا يفوق و بكثير فيلم » القاعة 8 « . باختصار شديد، حقيقة سترويها الأجيال. رأفة بهذا الأستاذ، إذن. حسبنا الله و نعم الوكيل.
حتى لا نعمم، و لكي ننصف الشرفاء منهم و هم على قلتهم، جل الأشخاص الذين يمثلون النقابات انتهازيون ولا يكترثون لخدمة الآخر. همهم الأول و الأخير خدمة أنفسهم. هذا هو حال النقابات. لماذا لم تؤازر النقابات زوجة الأستاذ الصايم و كانت الظروف سانحة نظرا لتواجد الأطراف المعنية كلها في مدينة تاوريرت بما فيها وزير التعليم. سمعنا بأن زوجة الأستاذ أرادت أن تسلم ملفا متعلقا بزوجها الطريح الفراش الى وزير التعليم لينظر فيه، فتمت معاملتها بإذلال و تحقير. و لولا ظهور الصحافة و الكاميرات التي كانت متواجدة لتغطية نشاط الوزير، والتي أنقذتها لوجدت نفسها في متاهات أخرى تنضاف الى مآسي زوجها . و تبقى النقابات المرآة التي ترى فيها أسرة التعليم نفسها و على رأسهم أساتذة آخر الزمان . تضربون عندما يتعلق الأمر بالأجور و تنكمشون عندما يتعلق الأمر بكرامتكم. اخجلوا من أنفسم. الخزي و العار لكم.
لقد اقترح أحد المعلقين بإنزال مكثف مؤطر من قبل النقابات يوم 24 مارس، يوم الجلسة، أمام المحكمة . و اقترح معلق ثاني التوقف عن العمل لمدة ساعة يوم الجلسة. و هما فكرتان قابلتان للتطبيق لو تحرك المسؤولون النقابيون. الإقتراح الأول بالنسبة لمن لا ارتباط له بأقسامه في تلك الآونة (libre ). و الإقتراح الثاني بالنسبة للمتواجدين في مؤسساتهم و تكون على الساعة العاشرة. هذا ويجب استدعاء و سائل الإعلام المرئية و المكتوبة لتغطية الحدث و تنوير الرأي العام. ها هي الكرة الآن عند النقابات. هي تؤطر و نحن الأساتذة ننفذ. على النقابات التنسيق في ما بينها و لنجعل من هذه الحادثة عرفا نمشي على نهجه من الآن فصاعدا لنصون كرامتنا، بغض النظر عن الإنتماءات النقابية . هذه فرصة أخيرة للحفاظ على ماء الوجه. هيا تشجعوا وتوكلوا على لله.
مشكلة لا يستسيغها عاقل. لا بد و أن هنالك خطأ ما ، إما عن عمد أو غير عمد. كما قال صاحب المقال، هل هذا الأستاذ يعمل بمفرده أم مع زملاء له؟ لماذا تنكر له زملاؤه من إداريين و مجلس الإنضباط و مجلس التدبير و جمعية آباء و أولياء التلاميذ ، علما بأن الأستاذ معروف بطيبوبته ؟ أين هم باقي أساتذة الجهة الشرقية ؟ أين هي النقابات ؟ أين هي النيابة ؟ أين هي الوزارة المسؤولة على القطاع ؟ لماذا هذا التواطؤ ؟ يا أخي الصايم ، بما أن الكل تنكر لك ، لماذا لا تطرق أبوابا أجنبية تصون كرامتك ؟ اعرض مشكلتك على اليوتيوب والجزيرة والمنابر الإعلامية و الحقوقية الأجنبية و سترى.
وضعية تعسة لا يحسد عليها. كسر ذراع الأستاذ وتم تبرئة الجاني من طرف القضاء و أصبح الجاني ضحية و الضحية جاني. و الله إنه العبث بعينه. زمن يمشي على رأسه عوض رجليه. اليوم دور الأستاذ الصايم و غدا دورك أخي الأستاذ الساكت الغير مبالي. يقال السكوت علامة الرضا. إنها مسألة وقت فقط ، أما دورك فهو آت لا ريب فيه. سوف يباغتك أحد التلاميذ من حيث لا تحتسب ، قد تكسر ذراعك أو أسنانك أو…. . وبعد الحرب الجسدية تبدأ الحرب النفسية من جلسة قضائية الى أخرى ثم أخرى ثم أخرى …. و في نهاية المطاف تجد نفسك متهما و بحجج دامغة من شهود مأجورين و شواهد طبية من نسج الخيال يمنحها أطباء لا يخافون الله. قد ينتهي بك المسلسل و أنت في غياهب السجون لأنك اخترت وظيفة محفوفة بالمخاطر و المغامرات ، الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود. بؤرة الشر . مهنة لا تجلب الى اصحابها إلا الذل و الهوان و الأمراض بكل أنواعها. مهنة تزرع فيها الخير و لن تجني إلا المصائب. هل عرفت نفسك أخي الأستاذ الساكت الغير مبالي ؟؟؟ هل تعلم أن ساعة الحقيقة قد دقت ؟؟؟
الى حدود الساعة، لم يتمكن الأخ الصايم من الحصول على أية وثيقة تخص قضيته من المؤسسة التي يعمل فيها لدعم ملفه القضائي. بل أكثر من ذلك، لم يتمكن حتى على الإطلاع على فحوى مضمونها ليطمئن قلبه. و تشير بعض المصادر المقربة أن لا أحد اطلع على مضمون التقرير حول الحادثة و لا على مضمون تقرير مجلس الإنضباط الذي عقد لقائين في مناسبتين مختلفتين. ظلت كل التقارير المحررة في طي الكتمان و لم يطلع عليها أحد، سواء تعلق الأمر بأعضاء مجلس الإنضباط الذين تضاربت آراؤهم حول نتيجة القرار ووقعوا على شيك على بياض، أو أعضاء مجلس التدبير الذين لم يقوموا بواجبهم في مراقبة ما يجري في مؤسستهم. يبدو أن الكل أخل بواجبه و ساهم في فتح مجال النقاش و التأويلات في الشوارع و المقاهي بحثا عن الحقيقة الضائعة.
مقال جميل و رزين. نشكرك جزيل الشكر على هذه الساهمة القيمة و غيرتك على أسرة التعليم و فضائه. أتمنى أن يحرك مقالك هذا الضمائرالحية الغيورة على نفسها و غيرها .