توجيهات ذهبية للتلاميذ والطلبة(الجزء الثاني
والآن،
بعد أن عرفت متى يبدأ الإعداد للامتحان،
كيف تستعد له؟ لقد بينا كيفية الاستعداد
للامتحان فيما سميناه وصفة؛ وصفة تحسين
المستوى. ونود أن ننبه المتعلمين إلى أننا
لا نحث على الحفظ الذي يلجأ إليه العديد
من التلاميذ والطلاب، فهم يخيل إليهم أن
النجاح في الامتحان يستلزم حفظ ما تمت دراسته
حفظا عن ظهر قلب، لذلك تراهم يلوكون كلاما
كثيرا في مواد شتى: الاجتماعيات والإسلاميات
والعربية وربما الفرنسية والفيزياء والرياضيات،
وهذا في نظري خطأ منهجي يجب تصويبه، ذلك
أن الحفظ وحده لا يسمن ولا يغني من جوع في
مقامات كثيرة، لا سيما إذا كان هذا الحفظ
غير مقرون بالفهم.
إننا
لا نرفض الحفظ رفضا مطلقا، لأن للحفظ فوائد
لا تنكر، لكننا نرفض الحفظ الأعمى لأنه
خنق للتفكير وتعطيل للعقل، وفي المقابل
نحث على الحفظ البصير، أي المقرون بالفهم.
فالفهم يساعد على الحفظ وييسره وكلما كان
المحفوظ مفهوما ترسخ في الذهن وعز على النسيان
أن يمحوه.
إن
الحفظ في حقيقة أمره ما هو إلا قراءة وقراءة
وقراءة، أي تكرار القراءة، حتى يعلق المقروء
في الذاكرة ويقع في حبالها. وبالتكرار يتضح
المقروء ويفهم، فكثيرا ما نقرأ شيئا مرة
واحدة فلا نفهم شيئا أو نفهم بعض الفهم
لكن حينما نعيد القراءة مرة أو مرات تتبدى
لنا أمور جديدة كأننا نقرأ غير الذي قرأناه
أول مرة. وعليه فإن القراءة بعين العقل
مرات متعددة في زمن طويل هو في نهاية المطاف
حفظ رفيع محمود. العبرة ليست » بكثرة القراءة
ولكن بدقتها »، إن أهم شرط للقراءة المفيدة
« أن تكون مزدانة بالتركيز والادكار »،
فلا خير في قراءة كثيرة مضطربة لا عمق فيها
ولا تركيز.
إن
ما ذكرنا آنفا كله إعداد مادي وبقي أن نشير
إلى إعداد آخر بالغ الأهمية ألا وهو الإعداد
النفسي، بحيث على المتعلم أن يزرع الثقة
في نفسه، خاصة يوم الامتحان، فلماذا نخشى
الامتحان ونهابه وهو ليس بثعبان سام ولا
« غول » يبتلع الناس؟ فإن كان الامتحان
خصما فغير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك،
أبهذه الحالة النفسية نواجه الخصوم؟ علينا
أن نتصف بروح الشجاعة وكذا بروح رياضية
إن جاز هذا التعبير، فما أكثر الأخطاء التي
يرتكبها الممتحن لا لجهله الجواب أو عدم
المراجعة، لكن لعدم ثقته بنفسه ولتهويله
الامتحان! وطبيعي أن تكون هناك علاقة بين
الإعداد المادي والنفسي، فكلما كان الإعداد
المادي جيدا ازدادت الثقة في النفس.
أثبتت دراسة نفسية أن القضاة يميلون في
أحكامهم إلى من يتصف بالجمال، جمال المظهر.
ستقول مالي وما للقضاة والجمال؟ لكن اعلم
أن إعدادك المادي والنفسي للامتحان سيقوم
في زمن دقائقه معدودة عدا، في ساعة أو ساعتين
أو أكثر، واعلم أن القاضي الذي سيصدر حكمه
النهائي الذي لا رجعة فيه هو مدرس، لا يختلف
عن القاضي من حيث تأثره بالجمال، جمال ورقة
التحرير.
إن
شكل ورقتك مؤثر سلبا وإيجابا على المصحح،
فاحرص على تنظيم ورقتك تنظيما يبعث ارتياحا
نفسيا لدى المصحح. وهذا التنظيم يتمثل أولا
في وضوح الخط، فالخط الواضح المقروء يسهل
عمل المصحح، ومن حق المصحح ألا يعذب عينيه
في فك طلاسم من خطوط متشابكة ، لذا عليك
أن تتمرن على تحسين خطك بالطريقة التي تعلمت
بها كتابة الحروف في الابتدائي وهي إعادة
كتابة الحرف المعوج مرات ومرات إلى أن يستقيم.
ومن التنظيم كتابة رقم السؤال والعناوين
بلون مغاير، وترك فراغ بين سؤال وسؤال،
ومن التنظيم نظافة الورقة ، وخلاصة القول
إن الورقة مرآة تنعكس عليها صورة الكاتب
فاحرص على تزيين صورتك وتجميلها.
ولا
يفوتني أن أنبهك إلى أن تتعامل بذكاء مع
أسئلة الامتحان، فمن الذكاء أن تقرأ قراءة
أولية أسئلة الامتحان جميعها، فقد يكون
في سؤال جواب وقد يكون في سؤال إشارة إلى
جواب. ومن الذكاء ألا تحبس نفسك في سؤال
غاب جوابه، عن سؤال بعده تعرف جوابه، لأن
الوقت في الامتحان غال، ومن الذكاء أن تتجنب
الحشو والتطويل، فلا تعمل عمل الكاهن يخلط
« حقا » بمائة كذبة.
إن
فهم السؤال كما تعلم نصف الجواب فلا تتعجل
في الجواب فإن في العجلة الندامة وفي التأني
السلامة كما تعلم، اقرأ السؤال أكثر من
مرة ولا يغرنك جواب يقفز إلى ذهنك أول
ما تقرأ السؤال. إن المتعلمين يزعمون في
أحيان كثيرة أنهم أجابوا على السؤال كما
ينبغي غير أنهم تفاجؤوا بنقطة ظالمة، هذا
ظنهم قبل التصحيح وسيقتنعون بعد التصحيح
أن النقطة عادلة. إنك حينما لا تجيب عن المطلوب
كأنك تجيب عمن يسألك: كم الساعة؟ فترد: أمس
لم استيقظ حتى الثانية عشرة إلا ربعا . وأخيرا
أنبهك إلى أن تعيد قراءة أجوبتك فلا شك
أنك واجد أخطاء سهو وسرعة، ثم تأكد ألا
تكون السرعة والسهو تجاوزا سؤالا فبقي
واقفا وحيدا في طريق أسئلة الامتحان، أمامك
دركي سيحاسبك عن المفقود.
ألا
تروا معي أيها السادة أن هذه النصائح بمثابة
نور قنديل ينير طريق المتعلم المظلم؟ ألا
تروا معي أن المتعلم محروم من توجيهات كثيرة؟
لا يحق لنا أن نلقي اللوم على المدرس من
هذه الناحية لأن التوجيه والنصح والإرشاد
ليس موكولا إليه فليس في مقرر مادته مكون
التوجيه.
لا
يسمع المتعلم المغربي اسم التوجيه أو موجه
سوى مرة واحدة في حياته المدرسية ومنهم
من لا يسمعها إلى الأبد، ما زلت أتذكر قسمات
وجه موجه زارنا مرة واحدة في ثانوية مغربية،
مازلت أتذكر توجيهات موجهنا: تلك الشعبة
تتطلب بعض المال؛ يستحسن أن تختار شعبة
أدب عصري أو علوم تجريبية. ومع أن اختياري
الأول كان علميا إلا أنني حينما فتشت تفتيشا
عن وجهتي في ورقة التنقيط وجدت في أسفل
الورقة في الجانب الأيسر كلمة باهتة تأكدت
من هويتها بمشقة النفس: أدب.
أ
لم يان أن نفكر في أن نعيد لكلمة « توجيه »
معناها الحقيقي؟ إن التوجيه معناه تقويم
وتسديد المعوج، إن المتعلم في حاجة إلى
موجه يخيط تمزقاته، ويسد فراغاته. وما أكثرها!
ونحن
إذ نتحدث عن التوجيه الغائب نؤمن أن الآباء
والأمهات هم المعنيون بالتوجيه بالمعنى
الذي نقصد. فلهم الحق في أن يوجهوا أبناءهم
للاجتهاد ولهم أن يحذروهم من الإدمان على
مشاهدة التلفاز، ولهم الصلاحية كاملة أن
يحذروهم من الارتماء في أوحال الرذيلة…ولهم
أن يأخذوا بأيديهم وهم يمرون على صراط المراهقة.
لكن هل عندهم نصيب من آداب وتقنيات التوجيه؟
هكذا يمكن الاعتراف أن التوجيه ليس أمرا
هينا إنما هو علم قائم بذاته، فالموجه الحقيقي
هو عالم نفس واجتماع، وهو وحده القادر
على تحقيق أهداف التوجيه. من هنا يمكن أن
نفهم علة فشل بعض الآباء في توجيه أبنائهم
الذين يقابلون « التوجيهات » بالعصيان
والتمرد والانحراف.
ولعله
أصبح واضحا الآن أن الوظيفة التربوية للمدرسة
تتلاشى شيئا فشيئا، فلم تعد تربية المتعلم
على الأخلاق الفاضلة والقيم الإسلامية
الكريمة، من صدق واحترام وحشمة في الكلام
واللباس…على رأس الأهداف الكبرى، بل لم
يعد من حق المدرس أن يوجه المتعلم في هذه
النواحي الأخلاقية توجيها واجبا منصوصا
عليه في البرامج الدراسية، لذا أصبح توجيه
المتعلم لتلك الأخلاق والفضائل سنة غير
مؤكدة. ليس هذا الكلام اتهاما للمدرس،
لأنه لا يمكن أن يرضى أبدا على هذه الأخلاق
القبيحة التي ولجت المؤسسات التعليمية،
لكن رغم سخطه هذا فليس هناك ما يخول له الضغط
على المتعلم لتحسين أخلاقه، وقد أشار تقرير
المجلس الأعلى للتعليم إلى مشكلة الأخلاق
في المدارس، وذكر أن أغلبية المدرسين لا
يبالون بها، وإذا كان التقرير لم يسأل المدرس
عن السبب، فالسبب على ما يبدو هو اعتبار
المدرس توجيه المتعلم في الجانب الأخلاقي
تدخلا فيما لا يعنيه، وهذا ما تكرسه التشريعات
المدرسية خاصة.
لكن
هذا خلل عميق في المنظومة التربوية، إذ
لا يمنك أن ترسخ الأخلاق الفاضلة أو ما
أضحى يسمى بالسلوك المدني، دون حماية قانونية،
ودون برنامج تعليمي يخول للمدرس معالجة
المشكلة معالجة كافية، فالمدرس اليوم فهم
أن عليه أن ينجز درسه وأن يغلق فمه وعينيه
على سلوكات وأخلاق المتعلم. وأحسب أن هذا
خطر يهدد المجتمع برمته فلا تقدم ولا ازدهار
لأمة لا أخلاق لها، من هنا يمكن القول مع
فاخر عاقل : » أيها الشباب…عندي أن مشكلة
وطنكم الراهنة مشكلة أخلاقية، فلا الاقتصاد
ولا الاجتماع ولا التعليم ولا الصحة ولا
غيرها من الوسائل والغايات بقادرة على
النهوض بوطنكم من كبوته وإيصاله إلى عزته
إلا إذا صلحت أخلاق أهله، ولعلي أصدمكم
كما صدمت نفسي من قبلكم إذا صارحتكم بأن
الأخلاق في وطنكم العربي مازالت دون المستوى
الذي يجب للنهضة والتقدم والرفعة1«
هناك
على الأقل شيء واحد مشترك بين أولياء المتعلمين
والمدرسين يجب التوجيه إليه وهو الاجتهاد
في التعلم. ولو افترضنا أن كلا الطرفين
يقومان بالتوجيه في هذه الناحية فإننا
نرى أن التواصل والتنسيق بينهما منعدم.
ما
يؤسف له هذا البعد بين أولياء المتعلمين
والمدرسين، فكل يجهل صاحبه، ولا يخفى لما
لهذا الجهل من أضرار على المتعلم، إن معرفة
ولي المتعلم عامل مساعد على التوجيه الذي
يحتاجه المتعلم، لا سيما إذا كانت حالته
حالة فقر وعوز أو حالة أخرى غير عادية.
فنحن المدرسين لا نعرف من هو هذا الشخص
الذي نعلمه، والأخطر من ذلك أنه لا يهمنا
من يكون. لذا يجدر بنا أن نتقصى أحوال وظروف
المتعلم بالوسائل المتاحة، فمفيد أن نتعرف
على المتعلم في شكل استمارة مثل: مهنة الأب،
مهنة الأم، عدد الإخوة، مهنتهم، مكان السكنى(العنوان)،
مشكل تعاني منه…إن كلمة واحدة تصدر من
مدرس عن جهل يعنف بها متعلما تدمير وتخريب
لنفسيته، فما يدريك أن المعنف لا يملك ما
يشتري به قلما أزرق…
إن
التوجيه المفيد يقتضي أن يكون المتعلم
حلقة وصل بين أولياء المتعلمين والمدرسين،
فلا يكفي أن يوجه الأب ابنه على حدة دون
التنسيق مع المدرس كما لا يكفي أن يوجه
المدرس المتعلم بمعزل عن التنسيق مع ولي
الأمر، ذلك أن العلاقة بينهما علاقة تكامل.
وبعبارة واضحة لا يمكن أن نجني ثمار التوجيه
بلا مراقبة أولياء المتعلمين لأبنائهم،
فهم القادرون على هذا العمل لأنهم يملكون
وسائل ضغط وضبط. إن توبيخ نهاية الدورة
أو السنة، عند تسلم النتيجة، سلوك انتقامي
لا مبرر له ولا جدوى منه مادمنا قد فرطنا
طول العام في توجيه ومراقبة المتعلم.
معروف
أن ولي المتعلم يستدعى في حالتين إذا طال
تغيب المتعلم ولم يبرره بشهادة طبية، أو
قام باعتداء مادي أو معنوي على مدرس ما.
وليس معروفا استدعاء ولي الأمر لأخباره
بضعف مستوى ابنه في مادة أو في أكثر منها.
ونادر جدا جدا أن يزور الأب إدارة المؤسسة
وأن يلتقي مع مدرسي ابنه ليستفسر عن حالته
من حيث الاجتهاد والمواظبة والانضباط الأخلاقي.
لا
بد من تغيير جذري في هذا الجانب، على الإدارة
التربوية للمؤسسات التعليمية أن تغير أدوارها،
عليها أن تحسس الأسرة بأثرها البليغ في
العمل سويا من أجل مصلحة المتعلم.
Aucun commentaire