موضوع استقلالية جهاز التفتيش لا يخضع لمزاج كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي
لقد سبق لي أن نشرت مقالا عبر منبر وجدة سيتي عن موقف كاتبة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي من مطلب استقلالية جهاز التفتيش حيث عبرت عن عدم استيعابها لقضية الاستقلالية ، وعن رغبتها في الجلوس لمناقشة هذه القضية على حد قولها ، بعدما استمعت في كلمة ألقيتها شخصيا نيابة عن المفتشين وبتكليف منهم بين يديها خلال اجتماعها بأطر التفتيش والإدارة التربوية بمناسبة زيارتها لنيابة جرادة ،و تضمنت هذه الكلمة مطلب الاستقلالية شفهيا وكتابيا إلى جانب مطالب التعويض عن الإطار ، والتعويضات عن التنقل ، وتفعيل مقتضيات الوثيقة الإطار ومذكراتها التنظيمية التي لا زالت حبرا على ورق.
وقد بينت في المقال السابق المقصود بالاستقلالية الذي لم تستوعبه السيدة كاتبة الدولة ، والمفروض فيها وهي على رأس الوزارة أن تستوعبه ، وقد استوعبه من تعاقب على وزارة التربية الوطنية من وزراء بلغ عددهم رقما قياسيا غير مسبوق في وزارات أخرى مما يجعل المثل العامي » دار خالي موح غي كول وروح » ينطبق على وزارة التربية الوطنية. ولقد جاء في مقالي سؤال مفاده : هل كاتبة الدولة لا تفهم الاستقلالية أم لا تتفهمها ؟ وكان قصدي أنها لا تريد أن تتفهمها لأنها أوتيت من الذكاء ما يجعلني أربأ بها عن عدم الفهم ، ذلك أنه عندما يعبر صاحب فهم عن عدم فهم لأمر ما فالمقصود عدم التفهم وليس عدم الفهم. وكان بإمكاني أن أرد على عدم تفهم السيدة كاتبة الدولة مطلب استقلالية التفتيش في عين المكان ولمكنني تنكبت قول القائلين وما أكثرهم : إنني لا أراعي ظروف وبروتوكول حضور لقاء مع وزيرة وإلا ففي جعبتي ما يخرج السيدة الوزيرة من عدم فهمها أوتفهمها إلى إقناعها إن كانت ممن يعترف بالاقتناع. وبعد مقالي قرأت مقالا جاء فيه أن كاتبة الدولة قالت : » إن مطلب استقلالية جهاز التفتيش لا يتماشى وطبيعة الأشياء » بمعنى أنه مطلب غير مقبول على حد تعبير هذه العبارة. أجل لقد جاء في كلمة السيدة كاتبة الدولة أن جهاز التفتيش يوجد في قلب المنظومة التربوية ولا يمكن أن يستقل عنها ، وهو فهم مقصود للاستقلالية كذب ما جاء بعد ذلك في كلامها من قبيل عدم فهمها للاستقلالية. فالذي لا يفهم استقلالية التفتيش الفهم المغرض لا يمكن أن يصرح بأن التفتيش يوجد في قلب المنظومة التربوية ولا يعقل أن يكون خارجها. والغريب أن تفهم وتجيز السيدة كاتبة الدولة فكرة الاستقلالية في المؤسسات التربوية ولا تفهمها ولا تجيزها عندما يعلق الأمر بجاهز التفتيش ، وهو فهم وإجازة واردة في كلمتها وهي حجة عليها. وما دمت قد عدت مرة ثانية إلى موضوع استقلالية جهاز التفتيش فأؤكد في البداية أنه موضوع أهل اختصاص ، وعلى من يحترم نفسه من الغرباء عن اختصاص التفتيش النأي بنفسه عن قضية لا ناقة له فيها ولا جمل حتى لا يحسب عليه ذلك تطفلا على مجال لا يخصه ولا يعنيه. وأكرر أن مطلب استقلالية جهاز التفتيش ليس مطلبا مطروحا للمساومة فقد ناضلت من أجله أجيال من رجال الهيئة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. وأكرر أيضا أن هذا المطلب لا يهدد مصلحة جهة من الجهات داخل المنظومة التربوية ، وإنما هو مطلب ضروري لصيانة وحراسة المنظومة التي عانت ولا زالت تعاني من الفساد حتى تطلب الأمر رباعية استعحالية بعد عشرية إصلاحية بلا طائل ، والمسلسل مستمر بلا نهاية. فاستقلالية جهاز التفتيش يجب أن تقارب لتقريب استيعابها ممن لا يستوعبها وعلى رأسهم السيدة كاتبة الدولة ومن يغرد تغريدها واعيا وبخلفية غير خافية أو بدون وعي على غرار استقلالية القضاء . فالقضاء المستقل يعني توفير العدالة الحقيقية عوض العدالة الصورية بعيدا عن كل وصاية ، والتفتيش المستقل يعني المراقبة الحقيقية للمنظومة التربوية وليست المراقبة الصورية بعيدا عن كل وصاية أيضا. فإذا كان القضاء يعمل تحت سلطة غير سلطة القضاء فإنه لا يمكن أن يمارس مهامه على الوجه الصحيح خصوصا عندما تمس العدالة السلطة التي تمارس الوصاية عليه ، وكذلك الشأن بالنسبة للتفتيش والمراقبة التربوية فإذا كان يعمل تحت سلطة جهة غير جهة التفتيش فإنه لا يمكن أن يمارس مهامه على الوجه الصحيح خصوصا عندما تمس رقابته وتفتيشه الجهة التي تمارس عليه الوصاية. وما قيمة أطنان من أوراق تقارير التفتيش التي ترفع إلى الجهات والتي يحلو لها أن تكون وصية على التفتيش ومتحكمة في رقابه ، وفيها توصيفات تخص اختلالات تتحمل مسؤوليتها هذه الجهات المنتشية بالتحكم في جهاز التفتيش؟ ما معنى أن يخبر جهاز التفتيش بتجاوزات خطيرة تمس المنظومة التربوية من غياب متعمد وإخلال بالواجب عن سبق إصرار ، وغياب كلي أو جزئي للتقيد بالنصوص التنظيمية والتشريعية فتغض الجهات المعنية باتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة هذه التجاوزات الطرف عن هذه الاختلالات استجابة لضغوطات لوبيات وجهات ضاغطة وذات مصالح ، وخوفا على زوال الكراسي الكاركوزية؟ إن الجهات المنتشية بالسلطة على جهاز التفتيش تسارع دائما وبسرعة قياسية إلى الاستجابة لاقتراحات جهاز التفتيش عندما يتعلق الأمر باقتراحات التحفيز أوالتشجيع أورسائل الشكر ، ولكنها تتلكأ في الاستجابة لاقتراحات الزجر المطلوبة أمام حالات الإخلال بالواجب والإضرار بالمنظومة التربوية . وفي حوزتي من الدلائل على ما أقول من الشواهد الإدارية الحاملة لتوقيعات المسؤولين ما يكفي خلال عقد ونصف من مزاولتي لمهمة التفتيش.فجهاز التفتيش خلافا لما اعتقدت السيدة كاتبة الدولة لا يريد أن يكون على هامش المنظومة التربوية بل بالعكس هو موجود فعليا في المعمعة حسب تعبير السيدة الوزيرة ، ولكنه مجرد من كل صلاحياته بفعل وصاية ابتدعتها المذكرة 80 وزكاها أصحاب المصالح غير الخافية بعد ذلك ، وتلقفها المسؤولون جهويا ومحليا كذريعة للإفلات من كشف التفتيش عن طريق المراقبة للاختلالات المضرة بالمنظومة التربوية. فنحن في حالة التفتيش الراهنة و العامل تحت سلطة جهات مسؤولة عن تدبير المنظومة التربوية مسؤولية مباشرة كحال جهاز قضاء يقضي ولا مفعول لقضائه. لقد ارتفع صوت جهاز التفتيش خلال عشرية إصلاح لقرع أجراس الخطر المحدق بالمنظومة التربوية ، ولكن تغييب مبدأ استقلالية التفتيش جعل هذا القرع مجرد صيحات في و
اد حتى إذا ما انكشف فشل إصلاح العشرية تبنى المجلس الأعلى للتعليم نفس مقولات جهاز التفتيش. واليوم يتواصل قرع جهاز التفتيش أجراس الخطر المهددة للمنظومة التربوية بالنسبة للرباعية الاستعجالية ، وتستمر سياسة الأذن الصماء من طرف الوزارة ليطلع مستقبلا ومن جديد المجلس الأعلى للتعليم بتقرير يكرر قرع أجراس جهاز التفتيش من جديد مع تنكر له. فما قيمة تقارير التفتيش الذي يجوب الميدان وعن خبرة ليعطي الصورة الصحيحة عن المنظومة . إن الصورة التي قدمت للسيدة كاتب الدولة عن طريق العرض النيابي المصور والمعكوس على الجدار ، والدرجات الهوائية الاستعراضية ، والسبورات الإشهارية لا تعكس الوضع الحقيقي للمنظومة التربوية في نيابة جرادة . فعلى السيدة كاتبة الدولة أن تطلع على تقارير هيئة التفتيش ، والتقارير اليومية لهيئة الإدارة التربوية إذا كانت تريد الخبر اليقين. فما أسهل وما أسلس عبارة : « العام زين » في حضرة مسؤول من حجم السيدة الوزيرة أو من ينوب عنها في الجهة أو في الإقليم ، ولكن ما أقبح وما أقسى عبارة : » العام شين وماشي بخير » على سمع المسؤول الذي ألف الطرب للمديح المكذوب. ولله در الصحاب الجليل الذي كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن النار حين يسأل غيره عن الجنة . وما أحوج المنظومة التربوية إلى مسؤول كهذا الصحابي يسأل عن الفشل قبل أن يسأل عن النجاح. ولأطمئن السيدة الوزيرة والذين يشعرون بالنشوة الغامرة عندما يشتغل جهاز التفتيش تحت سلطتهم أقول إن استقلالية جهاز التفتيش لا تعني التملص من الخضوع لسلطة أثناء ممارسته لحراسة المنظومة بل هذا الجهاز يضع نفسه رهن إشارة مفتشية عامة تتولى حراسة المنظومة مركزيا وتراقب أيضا من توكل إليهم حراسة المنظومة جهويا ومحليا .
وأذكر السيدة كاتبة الدولة ومن يغرد تغريدها لحاجة في نفس يعقوب لا تخفى على أبناء يعقوب أن الحديث عن جهاز التفتيش هو حديث ثنائي يتضمن الكلام عن الحقوق بنفس درجة الحديث عن الواجبات. فإذا ما اعتبرت السيدة كاتبة الدولة أن مطلب استقلالية التفتيش لا يتماشى وطبيعة الأشياء ، فكان عليها أن تقول أيضا كلمة في مطلب التعويض عن الإطار الذي سميته مظلمة تاريخية في حضرتها ،وأقرت تسميتي بتحريك رأسها إقرارا أو مداراة ، وأنا أحكم على الظاهر والله تعالى يتولى السرائر، وأن تقول كلمة في مطلب التعويضات عن التنقل ، وأن تقول كلمة في مطلب تفعيل الوثيقة الإطار لهيكلة التفتيش ماديا .
ولا معنى للحديث عن واجبات جهاز لتفتيش في غياب حقوقه . وملف جهاز التفتيش المطلبي عبارة عن كل لا يقبل التفتيت ، ذلك أن الرافضين لاستقلالية التفتيش يرفضون بالضرورة تعويضه عن الإطار ، لأن التعويض عن الإطار يعني الإقرار بهذا الإطار إقرارا حقيقيا لا صوريا لا يتعدى الخطاب التسويقي في المناسبات ، ومن ثم هو إقرار بالاستقلالية الضامن الوحيد للقيام بمهمة حراسة المنظومة التربوية حقيقة لا صوريا .
1 Comment
قبل أن تنتظر جواب السيدة كاتبة الدولة كان من المفروض أن تتساءل : أين نقابة المفتشين ؟ أليست هي الجهة التي كان مخولا لها الحديث باسم المفتشين ؟ أم أن بآذانها وقرا ؟ فلماذا يكلف المفتشون واحدا منهم يتحدث باسمهم و هم يدفعون ثمن الانخراط في نقابة لا تجود إلا في بعض اللقاءات الجهوية أو الإقلييمة التي لا تسمن و لا تغني من جوع؟ أم يصدق على النقابة قولهم :ما يتحزم بركة حتى يموتوا عشرا