لقد مرت في تاريخ البشرية الكثير من مظالم الشعوب والأمم التي سجلتها إما كتب الوحي أو كتب التاريخ. وبعض تلك المظالم عفا عنها الزمن بسبب تراخيه ، ولكن بعض منها لا زال حديث الألسنة لأن المنتسبين لها يتاجرون بها لممارسة الظلم على غيرهم ، لهذا لا زلنا نسمع بمظالم اليهود في العهد البابلي والفرعوني والروماني والنازي ، ولكننا لم نعد نسمع بمظالم المسلمين على غرار ما حدث زمن محاكم التفتيش ، وزمن استعمار القرن التاسع عشر والعشرين ، وآخرها مظالم الفلسطينيين منذ 1948 إلى اليوم .
إن اليهود يسوقون لمظالمهم في العهود الغابرة ،وفي التاريخ الحديث حتى صارت أساطير مؤسسة لدولتهم كما عبر عن ذلك الفيلسوف الفرنسي روجي جارودي. أجل لقد ركب اليهود مظالمهم و نفخوا فيها لاستدرار عطف العالم، وللتمويه على مظلمة فلسطينية تتمثل في احتلال أرضهم وتهويدها.
لقد مارس اليهود منذ 1948 من جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين مما يصنف دوليا بجرائم الحرب أوبجرائم ضد الإنسانية أضعافا مضاعفة مما يشتكون منه في مظالمهم سواء الغابرة أو الحديثة في العهد النازي. لقد أزهقوا من أرواح الفلسطينيين والعرب ما يفوق أضعافا مضاعفة عدد نسل يهود منذ زمن نبي الله يعقوب عليه السلام ـ وهو براء من نسب الجيف كما يزعمون ـ ومارسوا من التنكيل بالفلسطينيين والعرب ما يفوق بكثير ما يدعونه من تنكيل في مظالمهم. لقد رفعوا من سقف التنكيل بهم في العهد النازي فجعلوه أفرانا ومحارق ، ومارسوا على الفلسطينيين التحريق بكل أصنافه . فوسائل الإحراق التي كانت متاحة للنازيين محدودة مقارنة مع الوسائل المتاحة اليوم لليهود والتي يوفرها الأمريكان والأوروبيون ،ذلك أن النازيين استعملوا الغاز الخانق وهو أقل ضررا من الفسفور الأبيض واليورانيوم المرضب ، وما لم يشكف عنه النقاب لحد الآن نظرا لغياب فرق التفتيش المختصة التي عودتنا البحث عن أسلحة دمار شامل وهمية من أجل توفير التبريرات للهجوم على بلد عربي وتدميره وشنق رئيسه ظلما وعدوانا.
لقد أظهرت وسائل الإعلام الدمار المهول الذي ألحقته الآلة العسكرية بقطاع غزة والذي كان ضحاياه مدنيين وتحديدا أطفالا ونساء وعجزة هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم. لقد ضرب اليهود عرض الحائط كل أعراف الجندية خلال الحرب فأوقعوا التقتيل في الفئات المستضعفة التي يجرم القانون الدولي المساس بها في زمن الحرب.

ولقد كشفت الشهادات الحية للطفولة الفلسطينية البريئة الفظائع اليهودية حيث حشر المدنيون الراشدون أمام أعين صغارهم في أحياز ضيقة وأطلق عليهم الرصاص ، أو دهستهم الدبابات ، أو جرفتهم الجرافات وقبرتهم تحت الأنقاض ، والعكس أيضا وقع حيث قتل الصغار على مرأى ومسمع آبائهم وأمهاتهم إمعانا في مضاعفة معاناتهم وتعذيبهم.
لقد وقع في غزة من جرائم الإبادة الوحشية ما لم يحدث في زمن بابل أو الزمن الفرعوني أو الزمن الروماني أو الزمن النازي كما يدعي اليهود، وكأني باليهود تمثلوا المدنيين الفلسطينيين بابليين وفراعنة ورومان وألمان نازيين مما جعل حنقهم يشتد ويصير سادية لا حدود لها تخطت خطوط الوحشية الحمراء التي تلتزمها الحيوانات الضارية.
ولقد سمعنا بتكتم اليهود عن ذكر أسماء القادة العسكريين الميدانيين الذين نفذوا المجازر الرهيبة من أجل تجنيبهم المساءلة أمام محاكم جرائم الحرب. إن العالم اليوم مطالب بالتحقيق الدقيق في تفاصيل الجرائم اليهودية في غزة وعقد محاكمة تاريخية بأثر رجعي لما حدث منذ سنة 1948، وسحب الاعتراف بكيان عنصري همجي يرتكب الجرائم الوحشية ضد الإنسانية. إن اليهود لا يختلفون عن النازيين وعن الصرب في جرائمهم. فإذا كان النازيون قد أخفوا أفراناهم ، و الصرب قد قبروا ضحاياهم خفية في خنادق ، فإن اليهود قد كشفوا للعالم قنابلهم الحارقة والمدمرة ، وقبروا ضحاياهم تحت الأنقاض على مرأى ومسمع العالم . و مقابل هذا التجاهل العالمي وخصوصا الأوروبي الغربي ولأمريكي الشمالي للمظلمة الفلسطينية في غزة نجد الغرب يطالب بمحاكمة الرئيس السوداني بسبب ما سمي جرائم ضد الإنسانية في دارفور. وإذا قيس ما حدث في دارفور ـ إن صحت الاتهام الغربي ـ مع ما حدث في غزة كان غيضا من فيض كما يقال. وإذا كان عدم تقديم الرئيس السوداني للمسؤولين العسكريين والجنجويد عما سمي جرائم ضد أهل دارفور قد جعله مسؤولا مباشرا عن هذه الجرائم ، فإن ساسة إسرائيل قد تعمدوا التصريح بإخفاء أسماء القادة العسكريين لتجنيبهم المساءلة الدولية والمحاكمة ومع ذلك لم يحملهم الغرب مسؤولية ما حدث بل رحل القادة الأوروبيون إلى تل أبيب لمواساة العدو الصهيوني فيما فقد من مجرمين ، وطمأنته بخصوص مطلبه بمنع ما سمي تهريب السلاح إلى قطاع غزة. فالقضية في نظر الأوروبيين والأمريكان ليست قضية جريمة حرب ضد الإنسانية و إنما هي قضية تهريب السلاح إلى قطاع غزة، مما يعني قلب معادلة الضحية والجلاد حيث صار الجلاد الصهيوني ضحية، والضحية الفلسطينية جلادا. والواقع والحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن الأوروبيين والأمريكان يحاولون تضليل العالم وطمس معالم مجازر غزة. وقد استقبل الأوروبيون وزيرة الخارجية الصهيونية في بروكسيل في إشارة واضحة إلى تبرئة الكيان الصهيوني من جريمة نكراء.
وإن تجاهل المذابح في غزة من طرف الأوروبيين والأمريكان يعني المشاركة غير المباشرة في هذه المذابح ، فمتى ستعود الكلمة الفاصلة لشعوب العالم لمحاسبة ومحاكمة من يتستر على جرائم الصهيونية باعتبارها كيانا عدوانيا يشكل أكبر خطر على الإنسانية ، وهو خطر لا يقل عن خطر النازية الذي تعاون العالم من أجل القضاء عليه ، ولا زال الأمريكان والأوربيون يفخرون بأنهم خلصوا العالم من حركة عنصرية خطيرة ، وبالأمس فقط افتخر الرئيس الأمريكي الجديد بأن الأمريكان انتصروا على الفاشية والشيوعية بالمبادئ وليس بالسلاح . فأين المبادئ التي حاربت الفاشية بالأمس، ووقفت إلى جانب الفاشية الصهيونية اليوم ؟