إسرائيل وسلاح الفساد والإفساد في العالم
من المعلوم أن الله عز وجل أقام ملكوته على أساس الصلاح ، والصلاح نقيض الفساد ، والصلاح ما كان هادفا ، والفساد ما كان عبثا ولعبا ولهوا . ولقد نفى الله عز وجل في القرآن الكريم العبث عن إرادته جل جلاله فقال : (( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون)) . فانتفاء اللهو واللعب من صنع الله عز وجل معناه قيام كل ما خلق على أساس صالح بمعنى بقصدية وغائية وقدر معلوم ومضبوط مما يدل على دقة التقدير والتدبير . ومن معاني الفساد في اللغة العربية اللعب واللهو لأن ما يقوم على فساد لا غاية ولا هدف له ولا دقة ولا ضبط . وأساس الصلاح الذي قام عليه ملكوت الله عز وجل يلزم الإنسان المستخلف في الأرض إذ لا يجوز أن يخرق هذا الإنسان قاعدة الصلاح ويكون سعيه في الأرض سعيا فاسدا مخالفا لناموس الصلاح الذي اقتضته إرادة الله عز وجل . وقد يخطىء البعض في فهم وصف القرآن الكريم للحياة الدنيا باللعب واللهو في مثل قوله تعالى : (( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو )) فليس المقصود أنها خلقت لعبا ولهوا بل الإنسان المستخلف فيها هو الذي يحولها إلى لعب ولهو بحيث يخرجها عن مقصديتها وغائيتها ويجعلها دون غاية أو مقصد كما زعمت بعض الفلسفات العابثة .
فكلما غيب الإنسان مقصدية وغائية الحياة كلما كان غرضه إقامة الباطل محل الحق أو إقامة الفساد مكان الصلاح . فالله خلق الكون صالحا ، ولا يأتيه الفساد إلا من الإنسان مصداقا لقوله تعالى : (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) . ففساد البر والبحر عمل بشري مخالف لصنع الله عز وجل . ولما كانت طبيعة البشر هي استبدال صلاح الكون بفساده فقد تعهد الله تعالى البشرية بدعوات الصلاح والإصلاح عبر تاريخ هذه البشرية فاقتضت إرادته بعث الرسل والأنبياء صلواته وسلامه عليهم من أجل إصلاح ما أفسد أقوامهم في حياتهم . وقد أمر الله تعالى البشرية قاطبة بتجنب إفساد الأرض التي خلقها صالحته ، وتعهد بإصلاحها بعد كل فساد فقال جل من قائل : (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) . وبطبيعة الحال مصدر الفساد هو الأهواء البشرية المندفعة والتي لا يكبح جماحها كابح ، وقد ذكر الله عز وجل أنها وراء كل فساد في الأرض حيث قال : (( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )) . ولقد أنكر الملأ الأعلى من الملائكة الكرام صلواته وسلامه عليهم هذه الصفة في البشر حيث قال الله تعالى حكاية عنهم : (( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) فمما علمه الله عز و جل ولم تعلمه الملائكة قراره بإرسال الرسل والأنبياء لإصلاح ما يفسده الناس ، وأكثر من ذلك جعل للناس قانونا وهو قانون المدافعة بين الصلاح والفساد ، وهو قانون يحافظ على التوازن في الكون مصداقا لقوله تعالى : (( ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )) . ولقد كلف الله رسله وأنبياءه بالدعوة إلى الإصلاح واستأثر جلت قدرته بتحقيق الصلاح ، ويؤكد ذلك قول نبي الله شعيب عليه السلام الذي جاء بمشروع إصلاح الفساد الإقتصادي في عصره فقال الله تعالى على لسانه : (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله )) فالأنبياء والرسل والمصلحون من بعدهم يريدون الإصلاح حسب ما يستطيعون والتوفيق أو تحقيق الإصلاح مهمة إلهية ذلك أن خالق الكون على أساس الصلاح هو القادر سبحانه على إصلاحه حين وقوع الفساد من الناس .
وقد ذكر الله تعالى نماذج الفساد عبر تاريخ البشرية ومن ذلك قوله : (( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جالوا الصخر بالواد ، وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك بالمرصاد )) فالله عز وجل يرصد كل فساد ويقضي عليه من أجل أن يستعيد الكون توازنه بعد اختلاله بسبب الفساد . فطغيان عاد وثمود وفرعون هو تجاوز الحد بالإفساد المخل بالحياة لهذا وصفهم الله تعالى بإكثار الفساد في البلاد . وليس الفساد مقتصر على أفق من آفاق الحياة بل هو اختلال يصيب كل الآفاق . ولقد قرن الله تعالى بين بعض السلوكات البشرية المشينة وبين الفساد ، ومن ذلك قوله تعالى : (( إنما جزاء الذين يحابون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)) . فالفساد في هذه الآية اقترن بمحاربة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وهي في الحقيقة محاربة القرآن والسنة عن طريق مخالفتهما لأن القرآن والسنة يقران الصلاح ومخالفتهما هو محاولة استبدال الصلاح بالفساد. ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا )) فقتل النفس فساد مخالف لإحيائها الذي هو صلاح أصلا. ومن ذلك قوله تعالى : (( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض )) فنقض العهود وقطع الأرحام فساد في الأرض . وكما ذكر الله عز وجل الفساد مقترنا ببعض السلوكات ذكره مقترنا ببعض الأقوام كما مر بنا مع عاد وثمود وفرعون ، ومن بين أقوام الفساد اليهود الذين ذكر الله تعالى أنه أكثر أمم الأرض ممارسة للفساد في قوله تعالى : (( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا )) ففي هذه الآية ما يدل على كثرة فساد اليهود وتكراره . وقد كشف الله تعالى عن طبيعة فساد اليهود بقوله : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين )) . فاليهود تخصصوا عبر التاريخ في إشعال الحروب ، كما أنهم وراء كل فساد مهما كان نوعه .
ولا أريد أن أتحدث عن فسادهم التاريخي بل يهمني أن أذكر فسادهم اليوم وقد سيطروا على أضخم شركات صناعة الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل ، وهو يشعلون الحروب هنا وهناك في العالم بالقرب من مصادر الطاقة ، ومن الممرات الاستراتجية البحرية والبرية من أجل تسويق أسلحتهم ، وفي نفس الوقت من أجل السيطرة على مصادر الثروات المختلفة . والله عز وجل يتعقبهم بالمرصاد فيطفىء ما يوقدونه من حروب حيث تنتكس الجيوش التي يجيشونها بالرغم من عدتها وعتادها كما هو الحال في العراق وفي أفغانستان ، وكما كان الحال في فيتنام . وموازاة مع فساد إشعال الحروب في العالم يروج اليهود للفساد بكل أنواعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، فهم المسيطرون على أضخم الشركات والبنوك التي تعيث في الاقتصاد العالمي فسادا ، وهم ملاك أكبر شركات المحرمات من الخمور والمخدرات والأطعة الحرام ، وهم ملاك أكبر الشركات السينمائية المروجة للانحلال الخلقي ، وهو وراء كل التظاهرات الثقافية والفنية والرياضية في العالم . إنهم يتسترون بكل جنسيات العالم ويتصدرون قرارات الفساد في كل المجالات . وإنهم ليركزون على العالم العربي الذي اختاروه مسرحا لإقامة كيانهم الغاصب ليكون مصدر انطلاق فسادهم إلى كل العالم نظرا للموقع الاستراتيجي للأرض التي اغتصبوها . ومن طرق فسادهم وإفسادهم أنهم يركبون ظهور المغفلين والمغرضين من العرب والمسلمين ويديرون الحرب على الله ورسوله بواسطة عملاء محسوبين على أمة الإسلام والعروبة . فلا توجد دعوة لمحاربة القرآن والسنة إلا ووراءها اليهود سواء تعلق الأمر بمحاولة تحريف القرآن أو تعلق بالتشكيك في السنة من خلال الطعن في رموزها من صحابة رسول الله ، أو الطعن في أئمة الحديث وأئمة الفقه والترويج لدعوات تجاوز الصحابة وأئمة الحديث والفقه مقابل البدائل الفاسدة التي يمولها اليهود ويضطلع بها المارقون من الدين الذي يتطاولون على الدين بادعاء الأهلية والصلاحية لفهمه فهما جديدا يساير العصر حسب زعمهم . واليهود وراء كل المؤتمرات العالمية التي تروم النيل من الإسلام عن طريق الشعارات الكاذبة من قبيل التقارب الديني أو التسامح الديني الوهمي . ومن طرق محاربة السنة الصور الكاريكاتورية والأفلام المسيئة لشخص الرسول الأكرم ، وهي محاولات من ورائها يهود الدنمارك وهولندا وسويسرا . ومن طرق فسادهم وإفسادهم إشاعة السياحة الخليعة في الدول العربية والإسلامية من خلال اقتناء العقارات فيها وتحويلها إلى مراكز فساد خلقي . ومن طرق فسادهم وإفسادهم النبش في كل العادات السيئة البالية ومحاولة إحيائها بدعوى خدمة الثقافات ، ووسيلتهم إلى ذلك إقامة المهرجانات المتواصلة على مدار السنة في البلاد العربية والإسلامية خصوصا وكل العالم عموما حتى صارت الشعوب العربية والإسلامية شعوب رقص وغناء ولهو ولعب لاهية عن امتلاك اليهود لكل مصار القوة من أجل استعباد العالم واخضاعه وهم على رأس المستعبدين .
ومن كيدهم تسربهم إلى كل جنسيات العالم من أجل أن يسهل عليهم الفساد والإفساد الممنهج والقانوني باعتبارهم أهل البلدان المتجنسين بجنسيتها وهكذا يشغلون هذه البلدان بالتافه من اللعب واللهو من أجل أن ينصرف كيانهم إلى تركيز وجوده في قلب الأمة العربية والإسلامية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الوقت الذي يبني الكيان اليهودي منظومة دفاعه الجوي العصرية المتطورة يشغل رعاياه المخترقون للعديد من البلاد العربية والإسلامية شعوب هذه البلاد بالفلكور فيشجعونهم على قرع الطبول وضرب الصنجات والرقص والجدب ، والارتخاء والترنح أمام ما يسمى الموسيقى الروحية ، والهيجان أمام الموسيقى الصاخبة ، والعري على الشواطىء والاختلاط ، وتسويق السياحة الجنسية بالمفضوح حتى بالقرب من أماكن العبادة . وفي المقابل يدير اليهود حروبا طاحنة على شتى الأصعدة ضد كل ما له علاقة بالإسلام بدعوى محاربة الإرهاب والتطرف والتعصب والتخلف ، وقد انطلت حيلهم على كل الأنظمة العربية والإسلامية التي باتت تعرف خطورتهم على كل من تحدثه نفسه بمعاكسة مشروع اليهود الإفسادي الضخم في هذا العالم ، وهكذا تم التضييق على المعاهد والمراكز الدينية وكتاتيب تحفيظ كتاب الله عز وجل لحفظه وفق المشيئة الإلهية والوعد الرباني الناجز. فكم من معهد ديني أغلق بدعوى أنه يخرج الإرهاب ويرعاه . ومقابل إغلاق ومصادرة المعاهد الدينية تفتح يوميا مراكز الفساد والإفساد المختلفة بمباركة أنظمة البلاد العربية والإسلامية أوسكوتها. لقد غفلت الأمة الإسلامية عن دورها في الإصلاح ، وهو مواجهة الفساد الصهيوني اليهودي في كل شبر من هذا العالم استجابة لقوله تعالى : ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)) وهذه وظيفة إصلاح يتعقب الفساد حيثما وجد ، وهي الوظيفة التي نالت بها الأمة الإسلامية مرتبة ودرجة الخيرية في العالمين مصداقا لوله تعالى : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) فالخيرية لا تنالها الأمة بجنس أو عرق بل بصلاح وإصلاح . والأمة المقصودة في قوله تعالى : (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير…. )) هي الأمة قاطبة لأنها عبارة عن أمم فالجيش أمة ، والساسة أمة ، والمزارعون أمة ، والتجار أمة ، والصناع أمة ، والعلماء أمة …. والمطلوب أن يكون في كل قطاع وفي كل مجال أمة تصلح ما فسد أو أفسد اليهود .
والمطوب من الأمة اليوم تعقب فساد اليهود في كل المجالات من أجل إزهاقه بكل الوسائل المتاحة . والأمة مطالبة بتنفيد أمر الله تعالى : (( إنما جزاء الذين يحابون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم )) وقد تعهد الله تعالى بإعداد العباد الذين يضطلعون بهذه المهمة كما جاء في قوله تعالى وهو يتحدث عن فساد اليهود : (( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بـأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا )).فالمطلوب هو وجود قوم يمكن أن يكونوا عباد الله بحق لتنفيد حكم الله تعالى في اليهود المفسدين .
Aucun commentaire