هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟
من بعض الأوساط الإعلامية نقرأ عزم وزارة التربية الوطنية على رفع عتبة النجاح من قسم إلى آخر ومن مستوى إلى آخر،إلى المعدل5على10بالابتدائي و10على20للاعدادي.ونذكر أن هذه كانت هي عادة النجاح للتلاميذ في بداية الاستقلال .و أساتذة التعليم لم يكونوا يجدون أية صعوبة في ممارسة مهامهم ،لكون التلميذ كان نجاحه باستحقاق.و كانت الأقسام الأولى من الإعدادي من كل مستوى، تجمع كل العناصر المجدة و المتفوقة ،بينما تجمع الأقسام في آخر الترتيب، التلاميذ المتوسطين(مثلا الأولى1 تجمع المتفوقين و الأولى 10 تجمع المتوسطين …)
و لكن عندما دخلت الدولة مرحلة التقويم الهيكلي للاقتصاد تغيرت استراتيجيتها و خططها و قلصت من حجم الإنفاق على هذا القطاع ونظرت إليه انه قطاع غير منتج ،ورفعت فيتو النجاح بالمعدل إلى ما دون ذلك.فأصبح النجاح منحة لكل جالس على كرسي الدراسة من التلاميذ، من السنة الأولى ابتدائي إلى السنة الثانية ثانوي.
و قد عمل بعض المدرسين المنتمين إلى السلك الابتدائي بتمييع الامتحان بلجوء بعض الحراس في الامتحان من المدرسين، إلى مساعدة التلاميذ الممتحنين في امتحان الشهادة الابتدائية على النقل،بكتابة الأجوبة أو إملائها على التلاميذ(لا ندري ما الدافع إلى ذلك؟). وهذا الأمر جعل جيوشا من الناجحين من الابتدائي إلى الإعدادي تدرس بالإعدادي بدون مستوى لا في القراءة و لا الكتابة و التعبير باللغتين (العربية والفرنسية) و لا في الرياضيات ولا في العلوم.كما أن السياسة التعليمية(الخريطة المدرسية باعتمادها على مبدأ التقليص من النفقات المالية إلى الحد الأقصى ،جعلت عملية النجاح لا تعترضها عارضة إلا في المستوى الباكلوريا(هناك لا تسلم شهادة الباكلوريا إلا لمن حصل على المعدل الحقيقي و ليس المزيف). ومن ثمة وبسبب القرار الوزاري المذكور(النجاح بلا فيتو المدرس إلى حدود الباكلوريا و فتح المعاهد العليا المتخصصة لذوي المعدلات المرتفعة)،فتحت أبواب الرزق و الاسترزاق لبعض الأساتذة في ساعات الدعم الخارجي (ساعات إضافية مؤدى عنها لمجموعة أو ساعات خصوصية لفرد واحد بمقابل مادي ووصلت الأمور ببعض رجال التعليم الجشعين إلى المطالبة بأثمان خيالية لهذه الساعات الإضافية نظرا لحاجة التلاميذ و أوليائهم إليها أملا في إنقاذ أبنائهم من الضياع )،فانتشرت الظاهرة لتعم كل أسلاك التعليم في المواد الأساسية بما فيه الجامعة بكلياتها.وهنا سجل المغرب في أسفل الترتيب الدولي من حيث مستوى المتعلمين في مواد العلوم و الرياضيات واللغات، مما جعل الممسكين بأمور التعليم يعيدون النظر الآن في أساليب النجاح المعتمدة و حصرها في المعدل وتطبق هذه التعليمة على مراحل (3سنوات) لعلها تعطي نتائج في رفع مستوى التعليم و المتعلمين و وعي المدرسين أيضا.
نظن أنها ستكون فكرة اتخذت على عجل بدون قراءة للنتائج (مصير التلاميذ اليوم)و بعد ضياع نصف قرن في محاولات كانت فاشلة في أصلاح التعليم و تحسين جودته.
كان الدافع اقتصاديا بحتا وراء تلك التجارب الفاشلة.ومن فشلها كما يلاحظ الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري في كتاباته الأخيرة(سلسلة مواقف) عن التعليم: تلميذ الأمس كان في أحسن الأحوال يحصل في امتحانات الباكلوريا على13على 20ليكون تلميذا متفوقا،أما تلاميذ اليوم فنسمع عن النجباء منهم أنهم حصلوا على 19على20 أو 20على 20 رغم إصرارنا و رسوخ اعتقادنا أن المستوى اللغوي والعلمي لهؤلاء قد نزل إلى الحضيض.
فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ نتمنى للعطار وزير التربية والتعليم بقراراته المتأخرة جدا( فخير لنا أن تأتي القرارات متأخرة خير من لا تأتي نهائيا) ،و أن يلحق إلى إنقاذ ماء وجه المدرسة العمومية في حالة احتضار؟
انجاز :صايم نورالدين
Aucun commentaire