الباكالوريا و الاجراءات ذات الأولوية
امتحانات شهادة الباكالوريا موضوع ذو شجون, تحول من كرة ثلج صغيرة الى جبل جليدي يرعب كل الأطراف المتدخلة في تنظيمه,شهادة الباكالوريا أصبحت معركة حقيقية يتدخل فيها العنصر البشري مع أحدث وسائل التكنولوجيا و الاتصالات الحديثة و نتائجها مدمرة على كل المستويات, لا غالب فيها و لا مغلوب, الكل يجر أذيال الهزيمة, فالذي يحقق النجاح و بمعدلات خيالية عن طريق الغش لا يستحقه, و الجهة الوصية تعاين سلسلة الاخفاقات المتتالية لكل الاجراءات التي توعدت بها, فدقائق معدودة بعد توزيع مواضيع الامتحانات يوم الثلاثاء 2015-06-09 تسربت المواضيع إلى مواقع التواصل الاجتماعي, و الطامة الكبرى هي نشر أسئلة مادة الرياضيات قبل منتصف ليلة الثلاثاء ليدخل التلاميذ قاعات الامتحان يوم الأربعاء 2015-06-10 مصورين الاسئلة و بعضهم كان يحمل الاجابات, و اختلط الحابل بالنابل و بدا الارتباك واضحا على مستوى المصالح المركزية للوزارة, فجاء البلاغ الصحفي لوزارة التربية الوطنية ظهيرة الأربعاء مدهشا يقول « بعدما تم إبلاغها » هكذا إذن, التلاميذ قضوا الليل في التواصل بينهم, يتداولون الاسئلة, ويبحثون عن الاجابات, و بعضهم لم يتردد في الاتصال بأستاذ الرياضيات ولو في ساعة متأخرة من الليل, و الوزارة لم تعلم بالخبر إلا صبيحة يوم الأربعاء. إنها وضعية جد ملائمة للتحليل و المناقشة.
ردود الفعل كثيرة و المواقف و إن تباينت فهي تتقاطع في نقاط مهمة كلها تتمحور حول أسئلة جوهرية يمكن إيجازها فيمايلي:
أ- ما هي الأسباب التي قادت امتحانات الباكالوريا إلى هذا الوضع؟
ب- لماذا استفحلت ظاهرة الغش في امتحانات الباكالوريا؟
ت- ما السبيل لإيجاد حلول لهذه الوضعية؟
الحوار و النقاش خاصة بين أهل الدار الممارسين في الميدان و الذين قضوا أزيد من ثلاثة عقود في التدريس يجمعون على أن الوضع الحالي هو نتيجة تراكمات كثيرة, و ذكّرنا أحد الأساتذة بالمرحلة الاولى لإرساء نظام الاكاديميات التي جاءت في أعقاب النتائج الهزيلة لامتحانات الباكالوريا أواسط الثمانينات من القرن الماضي, حيث كان الهدف هو التسابق بين المدن و الاكاديميات في تحقيق أعلى نسبة من النجاح بأي وسيلة كانت تحت ضغوط متعددة, و في أجواء سياسية مشحونة, و أزمة اقتصادية خانقة, فلا مجال للحديث عن الجودة و محتوى البرامج و المناهج, أما الاستاذ فيكفيه حراسة التلاميذ داخل الأقسام و هكذا أصبح امتحان الباكالوريا ثلاث دورات, الاولى و الثانية يجتازها تلاميذ القسم مجتمعين بمعدل تلميذين في كل مقعد مصحوبين بأوراقهم المزدوجة و أوراق الوسخ, و يحرصهم أساتذة مؤسستهم, في أجواء جد متراخية شعارها: « دع التلاميذ يفعلون ما يشاؤون », فتختلط كل الأوراق فوق المقاعد, و يصعب على المراقب أن يميز بين ورقة تحرير هذا و ذاك. و من النوادر التي حصلت أن أحد مديري الثانويات بإحدى المدن الصغيرة بضواحي مدينة وجدة, عمل على تطبيق القانون, فوضع كل تلميذ في مقعد بمفرده, فما كان من السيد النائب بنيابة وجدة سوى الانتقال على عجل حيث صب جام غضبه على مدير المؤسسة و أمره فورا بوضع تلميذين في نفس المقعد, و استطاعت أكاديمية وجدة أن تقفز من المرتية ما قبل الأخيرة إلى المرتبة الثانية على صعيد نتائج الناجحين في امتحان شهادة الباكالوريا. هكذا في ظل موسم دراسي واحد ارتفع تحصيل التلاميذ, و حققت المنظومة التعليمية كل أهدافها عن طريق الغش و النقل في الامتحان.
عندما حدث التغيير في محتويات المقررات, تم حذف كل الدروس و المواضيع التي تنمي مهارة التفكير و العقل إلى درجة أن شعبة الفلسفة كادت تغيب على مستوى الجامعات المغربية, و على الرغم من توالي الندوات و الاصلاحات ظلت الاستراتيجية هي هي لم تتغير: شحن المقررات الطويلة, و اعتماد المناهج العقيمة مع تغييب للفكر و العقل و التلميذ يمتحن في مقدار المعلومات التي حفظها عن ظهر قلب, و جاءت الخريطة لمدرسية لتدق المسمار الاخير في نعش التعليم الذي أصبح دجاجة تفرخ الأميين و العطالة والنجاح و الانتقال من مستوى لآخر في الابتدائي أصبح مائة في المائة حتى ولو حصل الطفل على صفر, و امتحان الشهادة الابتدائية تدون أجوبتها على السبورة أو تملى على الأطفال. و في التعليم الاعدادي لا تقل نسبة النجاح عن % 75 و بمعدلات تصل في كثيرمن الاحيان إلى سبعة, المهم إفراغ المقاعد. و في التعليم الثانوي يلجه التلميذ وهو عاجز حتى عن قراءة الجمل باللغة العربية, أما اللغات الأجنبية و المواد العلمية فحدث ولا حرج. ولاستدراك هذا الوضع, تم توظيف المراقبة المستمرة, وهي حق أريد به باطل, فانطلق شوط جديد عمق مأساة التعليم, فلم يعد الحديث عن نجاح التلاميذ في الباكالوريا, بل أصبح السؤال ما هو المعدل الذي سيحصلون عليه؟ و المفارقة الكبرى هي أن نقط المراقبة المستمرة لا تعكس تماما مستوى التلميذ و الدليل هو شساعة المدى بين نقط المراقبة المستمرة و نقط الامتحان الوطني. و لكن في غالب الأحيان يتمكن التلاميذ من الحصول على الباكالوريا نظرا لتضخيم نقط المراقبة المستمرة جلهم بميزة مقبول أي بمعدلات متوسطة, فيصبح ملجؤهم الوحيد هو الجامعات التي تفرخ العطالة, و تلك رحلة أخرى لها ما لها و عليها ما عليها, و على الرغم من هذا الوضع, أصبحنا نفاجأ بمعدلات تكاد تقارب العشرين على العشرين, و أصبح مطمح العديد من العائلات هو أن يحقق أبناؤهم هذا التميز, فاشتد التنافس غير الشريف بوسائل منحطة تميز بين التلاميذ و تضرب مبدأ تكافؤ الفرص, الوسيلة لا تهم, بل الغاية هي ولوج المعاهد العليا التي تعتمد الانتقاء بسبب ارتفاع المعدلات, ناهيك عن وسائل أخرى تضرب في الصميم الشفافية و النزاهة.
أما على مستوى الحكامة و التدبير في قطاع التعليم. فهو مستنقع, رائحته الكريهة تشتم من مسافات بعيدة, فمباشرة بعد الاحداث التي عرفها المغرب سنة 1984 , و توجيه أصابع الاتهام بشكل مباشر لرجال التعليم و ما طال العشرات منهم من اعتقالات و محاكمات صورية, تعاقبت التطورات بشكل سريع أهمها زرع التفرقة و الشتات باسم الترقية و بمساهمة مباشرة من النقابات, فأصبح الحديث عن أستاذ من الدرجة « أ » و أستاذ من الدرجة « ب » بمقاييس غريبة, و استفحلت الزبونية في التعيينات و التنقيلات و كثرة الموظفين الأشباح و مهزلة الاستاذ و الكريسون في القسم, و الشواهد الطبية ملقاة في الطرقات, فسواء درس الأستاذ أم لم يدرس فالأمر سيان, و حضور التلميذ لم يعد إجباريا و ليس من حق المؤسسة أن تطرده, و لا حتى إخراجه من القسم, فسواء أحضر كتبه أم لم يحضرها يجب إبقاؤه و غير ذلك من الاجتهادات التي كان مصدرها جهة أخرى غير وزارة التعليم. كل هذه التطورات حصلت في ظل تحمل مسؤولية هذا القطاع من طرف أحزاب تشنف اذاننا بترانيمها, و حزب الاستقلال يتحمل المسؤولية الاكبر في تدمير هذا القطاع, و سحق الروح الوطنية و استفحال الانتهازية. فكل من أراد تحقيق مبتغاه عليه ان يحمل بطاقة الاتحاد العام للشغالين الذي حل محل وزارة التعليم, و تنقيلات رجال التعليم من منطقة لأخرى تحتسب بالكيلومترات, و كل كيلومترله ثمنه. و التعيين في المسؤوليات لا يقوم على الكفاءات بقدر ما يخضع للحزبية و الولاءات. ما يزيد عن 30 سنة من التدمير الممنهج لكل القيم الوطنية و الاخلاقية في قطاع يربي الأجيال.
إن أزمة التعليم الحقيقية هي أزمة الضمير و الأخلاق. و القيم من الأهداف الاستراتيجية في كل نظام تعليمي بالعالم. لكن عندما يخضع التعليم للهاجس الأمني, و تصبح مسؤولية الوزارة هي تدبير الشؤون اليومية, و باقي المسؤولين عبر ربوع الوطن همهم التحاق الجميع بالمؤسسات لا غير حتى تطمئن الجهات المسؤولة بأن الأمور بخير, يستحيل الحديث عن الواجب الوطني, و الضمير المهني, و مستوى التلاميذ, و البرامج, و المناهج و غيرها, و هذا ما يفسر فشل كل محاولات الاصلاح ابتداءا بندوات افران و انتهاءا بالمخطط الاستعجالي.
فكيف تصرف, و سيتصرف هؤلاء التلاميذ, ضحايا هذه السياسة التعليمية, و ضحايا الخريطة المدرسية, و ضحايا انعدام الضمير و الاخلاق و النزاهة من التعليم الابتدائي الى الثانوي التأهيلي؟ لماذا لا يلجأ هذا التلميذ إلى الغش وهو عاين منذ تعليمه الابتدائي الاستاذ يدون له الاجابات على السبورة؟ لماذا لا يلجأ هذا التلميذ إلى الغش وهو شاهد على انتقاله من الاعدادي إلى الثانوي بمعدلات لا تسمح له بالانتقال؟ لماذا لا يلجأ هذا التلميذ الى الغش وهو يحصل على معدل لا يقل عن 14 أو 15 في الدورتين الاولى و الثانية بالثانوي التأهيلي على الرغم من أن حضوره لا يتجاوز بضعة اسابيع في كل دورة؟
إن هذه الرحلة في التاريخ القريب لمسار التعليم تقدم الكثير من الأجوبة لاستفحال ظاهرة الغش في كل المستويات, و هذا الانحدار الحاد في مستوى التعليم عموما حتى أصبح قطاع غزة المحاصر يتقدم على المغرب في مستوى التعليم. إن الفساد و الغش ينخر المجتمع المغربي ككل فماهو السبيل لايجاد حلول لهذا الوضع و انقاذ ما يمكن انقاذه؟
يتبع
الأستاذ عزوز زريبة
2 Comments
Merci beaucoup assi Zriba car vous avez tirer en plein milieu de la cible,cible constituee par ceux qui ont gere et qui gerent notre chere Patrie bien aimee et qui parmi eux se trouve de vrais delinquants et hautement diplomes. Que dieu le tout poissant garde et benisse ce cher Pays en ce moi de Ramadan ,son peuple et son guide. Assi Zriba ,vous nous avez dit que la verite ;alors ils doivent l accepter meme quant elle est blessante. Allah yfayya9na ba3youbna wayjib alli yfayya9na bihoum. Mabrouk ramadan
merci mon cher professeur .