…مخاطر المسؤولية و ضرورة رد الاعتبار …ثانوية عبد المومن بوجدة نموذجا
مخاطر المهنة, فيلم يشير للمغني الراحل ‘جاك بريل’ الذي مثل دور رجل تعليم تتهمه إحدى تلميذاته بالتحرش الجنسي, و مخاطر هذه المهنة متعددة أصبحت تتطور بتطور الواقع, و الأجيال, و لكن من أحقر الوسائل التي غدت قديمة جديدة, ما يعرف بالرسائل المجهولة التي تبعث لمختلف مصالح الوزارات تكيل التهم لهذا المسؤول أو ذاك. و إذا كان التحقيق الذي يعقب تلك الرسائل المجهولة يعتبر عاديا, بل و أمرا مطلوبا للتحقق من مضمونها, فإن هناك إشكالية حقيقية تمثل فراغا قانونيا ينبغي العمل على سده. فالمسؤول موضوع المراسلة المجهولة يغدو في موضع الشبهة و التهمة, و ما يترتب عنهما من مس بكرامته و سمعته و حتى جديته في العمل. و قد أثبتت تجربة الرقم الأخضر الذي وضعته وزارة التربية الوطنية رهن إشارة آباء و أولياء التلاميذ أن من بين المئات من المكالمات الهاتفية, اتضح أن أغلبيتها جانبت الصواب و كانت مجرد وشايات كاذبة.
في يوم الثلاثاء 9 يونيو 2015, و هو أول يوم من أيام الجحيم كما عبر عن ذلك السيد وزير التربية الوطنية, و كان يقصد امتحانات الباكالوريا, حلت بثانوية عبد المومن التأهيلية لجنة تحقيق قادمة من الأكاديمية بعد توصلها برسالة مجهولة تتهم الإدارة بالتلاعب في النقط, و الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص, و عدم احترام الترتيب التسلسلي لتلاميذ المؤسسة في الامتحان الإشهادي للباكالوريا. و على الرغم من أن الظرف الزمني لم يكن مناسبا لأن كل الاهتمام كان منصبا على الخروج بسلام من هذا الجحيم, و يستحيل على الطاقم الإداري أن يشتت عمله و ذهنه على واجهات متعددة, فقد أدت اللجنة عملها, و اطلعت على كل الوثائق, و تأكد جميع أعضاءها على أن الأمور تسير بشكل طبيعي سواء من خلال زيارتهم لأقسام الامتحانات أو مراقبتهم لمختلف الوثائق التي طلبوها و وضعت رهن إشارتهم, و قد كان من آثار هذه الرسالة المجهولة أن اندلعت إشاعة غريبة حيث فاجأني شخصيا أحد رؤساء جمعيات أمهات و آباء و أولياء التلاميذ بقوله » لقد تم عزل رئيس مركز الامتحان بثانوية عبد المومن التأهيلية « . هذا دون الإشارة إلى الإحباط النفسي و الشعور بالغبن الذي يهيمن على الطاقم الإداري بالمؤسسة.
و لكن الغريب في الأمر أن الفاعل المجهول بعث برسالتين مجهولتين الأولى للأكاديمية, و الثانية لوزارة التربية الوطنية, و هكذا فوجئ مدير المؤسسة يوم الثلاثاء 30 يونيو بلجنة تحقيق نيابية في نفس الموضوع. و اتضح أنها كتبت بتاريخ 4 يونيو 2015, و مرة أخرى يعود الطاقم الإداري للمؤسسة إلى نقطة الصفر أي تقديم الوثائق, و التحقق منها, بل الطريف أن الرسالة ذكرت تلميذا باسمه متهمة الإدارة بترجيح كفته في النقط على الرغم من غيابه, و لكن اتضح للجنة أن هذا التلميذ انتقل من ثانوية عبد المومن بتاريخ 19 شتنبر 2014 ليواصل دراسته بثانوية عبد الله كنون التأهيلية مما تطلب توجه أحد المساعدين التربويين نحو ثانوية عبد الله كنون و جلب شهادة انتقال التلميذ لتقديمها للجنة. و نفس الخلاصة التي استخلصتها اللجنة القادمة من الأكاديمية, استخلصتها كذلك لجنة التحقيق النيابية و هي جدية الإدارة بثانوية عبد المومن التأهيلية و احترامها لمختلف المساطر القانونية. و لكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه في هذه الحالات هو: ما مصير هؤلاء المسؤولين بعد كل هذه التحقيقات و التوافد المكثف للجان ؟ ألا يراعي القانون كرامتهم ؟ و هل هناك من يعير الاهتمام للتأثيرات النفسية السلبية خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بمسؤولين متشبعين بالقيم الوطنية و خدمة الصالح العام ؟ ألا يشكل ذلك إحباطا و شعورا بالغبن و الحكرة ؟
إن ما حصل بثانوية عبد المومن التأهيلية يطرح أكثر من تساؤل, و لعل الأهم هو التنسيق بين مصالح الأكاديمية و النيابة, فهل يعقل أن يكون مضمون رسالة مجهولة موضوع تحقيق من طرف لجنتين نيابية و أكاديمية ؟ و هل إدارة المؤسسات التربوية بكافة أطرها ستبقى رهينة هذا السلوك لاسيما في مرحلة زمنية جد حساسة حيث الكل منشغلا في تسليم شواهد الباكالوريا, و تلقي شكاوى التلاميذ الذين حصلت أخطاء في شواهدهم, و عقد مداولة الأقسام الخاصة بالجذوع و الأوائل و التحضير لامتحانات الدورة الاستدراكية و استقبال آباء و أولياء التلاميذ و غير ذلك من المشاكل خصوصا في ظل النقص الكبير في الأطر الإدارية. فمن الصعب أن يحارب الإنسان على وجهات متعددة. و المفروض في المسؤوليين سواء على مستوى وزارة التربية الوطنية أو النيابة أو الأكاديمية تقدير ظروف عمل الإداريين, لأن الموضوع يجب أن لا يتوقف عند حدود انتهاء التحقيق خصوصا إذا تأكد أن المسؤول موضوع الرسالة الكاذبة بريء, بل و إنسان جدي, و على الجميع أن يعلم أن الطاقم الإداري بثانوية عبد المومن التأهيلية قد ورث وضعا تربويا صعبا و غير مجهول بالنسبة للمسؤولين و للرأي العام. و أن التغيير حصل باعتراف الكثير من المسؤولين, و لذلك ننتظر من السيد مدير الأكاديمية, و السيد النائب, أن يعملا على رد الاعتبار لكل أفراد الطاقم الإداري حتى يشكل دعما نفسيا و معنويا لكل المجهودات التي بذلت و ستبذل إن شاء الله من أجل الارتقاء بهذه المؤسسة. و ذلك أضعف الإيمان.
Aucun commentaire