العنف المدرسي حلقة مفرغة
العنف المدرسي حلقة مفرغة
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
يمكن الجزم، في موضوع العنف المدرسي، استنادا إلى الواقع الاجتماعي والثقافي والتربوي والتعليمي المعيش أنه « تعددت أسباب وأنواع العنف المدرسي والنتائج واحدة »، وذلك بالنظر إلى انعكاساته وآثاره الوخيمة على جميع الفرقاء التربويين من تلاميذ وأولياء أمورهم والأطر الإدارية والتربوية، وكذا العملية التربوية والمؤسسة التعليمية ومنظومة التربية والتكوين برمتها، حيث لا إصلاحا تعليميا، دون اجتثاث ظاهرة العنف المدرسي واقتلاع جذورها، باعتماد مختلف الوسائل والأساليب، اجتماعيا ومدرسيا.
لقد انتشر العنف المدرسي كانتشار بقعة الزيت على سطح الماء، ولم يعد جليا إمكانية وضع الأصبع على مصدر هذه البقعة ولا وجهتها.
فالبعض يرجع منشأ العنف المدرسي إلى الواقع الاجتماعي، مبررين دفعهم بانهيار منظومة القيم، حيث استشرى الانحلال الخلقي والتسيب والعدوان من أجل مصالح خاصة ترتبط بالفرد معتمدا كل السبل والوسائل من أجل إثبات ذاته وقضاء أغراضه الشخصية، منتهجا أسلوب « الغاية تبرر الوسيلة »، فيتمرد ويدوس حقوقا، وقد يسلط عنفا على كل من يقف في وجهه، ويرى أن أفعاله ولو اتسمت بالعنف، فإنها تشكل نتيجة طبيعة لضغوطات واختلالات تنزل بثقلها وبوضوح على مكونات المجتمع، مصدرها تنظيمات سياسية ومؤسسات اجتماعية ومدنية.
والبعض يرى أن العنف المدرسي يأخذ منبعه من البيئة الأسرية، فينمو بين أحضانها ويترعرع، ومن ثم ينتشر ليكتسح الوسط الاجتماعي ويقتحم المؤسسة التعليمية، لكن ردود فعل الأمهات والآباء تفند هذه الأحكام جملة وتفصيلا، مستشهدين ومقدمين مبررات لمواقفهم، تتجلى، من ناحية، في غلاء المعيشة وتزايد متطلبات العيش، وانتشار الأمية والبطالة، واستشراء الأمراض، وقلة ذات اليد، واختلال توازن توزيع الثروة والامتيازات، وانتشار ظواهر الفساد بشتى أشكاله، وتفاحش الموبقات والانحلال الخلقي…، كلها أمور تشكل حواجز منيعة أمام قيامهم بواجبهم ومسئولياتهم على أحسن وجه. كما تتجلى مواقفهم، من ناحية أخرى، في فقدانهم الثقة في وظائف وأدوار المدرسة، التي أخذوا يرمونها بالعقم، حيث لا تلد إلا الفشل والهدر المدرسي وبطالة حاملي الشواهد. ومن شدة اليأس الذي تسرب إلى بعض الأسر، أخذ الأمهات والآباء لا يتوانون في تكرار هذه الخطابات السلبية أمام أبنائهم الذين يتأثرون بوقعها عليهم. كما لا يتردد الأمهات والآباء في وضع مقارنات مثيرة ومؤثرة بين مدرستين عمومية وخصوصية، وبرنامجين دراسيين، وكتب مدرسية مختلفة شكلا ومضمونا، وأساتذة بالتعليم العمومي وآخرين بالتعليم الخصوصي، ونتائج مدرسية بالتعليم العمومي وأخرى بالتعليم الخصوصي، ما يزرع الإحباط في نفوس الأبناء الذين ينساقون وراء أفكار سوداوية، مطلقين العنان لممارساتهم العدوانية والانتقامية.
ويربط الأطر الإدارية والتربوية العنف المدرسي بالتلاميذ الذين تمردوا ولم يعودوا يمتثلون لمقتضيات القانون الداخلي للمؤسسة التعليمية، فانتشرت ظواهر مخلة بالنظام داخل المرافق التربوية، إلى درجة عرقلة السير العادي للعملية التربوية، جراء العنف بين التلاميذ أنفسهم، وبين التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، فأخذ التلاميذ يتغيبون، ويرفضون تحضير دروسهم، ويمتنعون عن إنجاز واجباتهم المنزلية، ويغشون في الاختبارات، ويعنفون المراقبين في الامتحانات، ويتلفون ممتلكات المؤسسة التعليمية…. لكن في مقابل ذلك، يتحجج التلاميذ حول ممارسات الأطر الإدارية المتجلية في المعاملات التفضيلية والانتقائية مع التلاميذ بخصوص مختلف القضايا التربوية والإدارية. كما يعتبر التلاميذ الأفعال الصادرة عنهم ضد الأساتذة ردود فعل طبيعية تنديدا بطرائق إلقاء الدروس، وضخامة المقررات وانفصالها عن بيئتهم، وعدم مسايرتها التطور العلمي والتكنولوجي، وغياب أو نقص الأشغال المخبرية والمحرفية، وكيفية تقييم تحصيلهم الدراسي، والنتائج المدرسية المحصل عليها التي لا ترقى إلى المستوى المطلوب، والفشل والهدر المدرسي، واختلال مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، وانسداد الآفاق المستقبلية.
يتبين إذن، من خلال هذه الصور المتماسكة والمتشابكة والتي تدور في حلقة مفرغة، أن اختزال العنف المدرسي في بعد دون آخر، يعد تعسفا على البحوث والدراسات التي تتناول هذه الظاهرة والتي اكتسحت الفضاءات التربوية، وأثرت بجلي جلي على سير العملية التربوية، وطالت مختلف مكونات وعناصر منظومة التربية والتكوين.
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
1 Comment
الإنحلال الخلقي المتفشي في كل مكان في الشوارع والأزقة والمحيط المدرسي وهي مظاهر يخجل منها حتى الشيطان ، زادت من آفة العنف خاصة التحرش الجنسي ، هذه مظاهر لا يحبكها إلا الجزر وذلك بتفعيل الدوريات ـ الشرطة ـ ومساءلة المخالفين وتقديمهم إلىالعدالة ، كما يجب تثبيت كامرات قرب المحيط المدرسي لتسجيل لكل الإنحرافات وضبط أصحابها وعرضهم للقانون؟