الغربة والميزيرية
لم يأت في الحسبان يوما بأن العالم سيتبدل بهذه الطريقة وتعم الأزمة الإقتصادية لترخي بضلالها على جميع أنحاء الحياة تاركة آثارها السلبية على جميع المستويات فتغير كل شيء وتبدد الأحلام الرمادية لمن كان همهم الوحيد هو العبور نحو الضفة الأخرى لتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية .
كانت بداية الهجرة جد مشجعة بحيث كانت أوربا هي الملاذ الوحيد لكل من ضاقت به السبل وخاصة إسبانيا ، كانت الرحلة عند البعض خطيرة جدا لم يكتب لها أن تنتهي بحيث غرق هؤلاء في عرض البحر وغرقت معهم أحلامهم التي أبت أن تتحقق ، وهناك من كان يصل إلى حيث يريد العبور لكن لا يلبث أن يعود من حيث أتى اضطراريا بعد اكتشاف أمره من طرف خفر السواحل ، وهناك ثلة كان يسعفها الحظ فتجد إلى أحلامها طريقا ، وهذه الفئة إما أنها تستطيع الوصول بطريقة غير شرعية وإما تجد من يشد بيدها من أبناء الجالية ويوفر لها عقد العمل والسكن وهذه العملية في حد ذاتها مكلفة ماديا فهناك من ابتاع منزله وهناك من رهنه وهناك وهناك…وفئة قليلة اختارت الزواج الأبيض كحل لامحيد عنه لأجل الوصول إلى أوربا وتحقيق الآمال والطموحات ، كل شيء في السنوات الأولى كان يبعث على الإرتياح (العمل موجود ، اليد العاملة مطلوبة ، الأجرة مغرية ) فبعضهم كان يعمل ليل نهار ويجمع ويذخر ويلم لأجل تأمين مستقبله بعدما استطاع الإفلات من جحيم البطالة والظروف القاسية ، ونعرف الكثير ممن أصبحوا يمتلكون أملاكا عقارية ومشاريع بعد كفاح طويل ، وقد كان هذا النجاح دافعا جعلهم يفكرون في التجمع العائلي وهو ما تم بالفعل ، وفي العكس نجد البعض ممن لم يكن يعلم بأن النقود التي يبذرها في أيام الرخاء يمينا ويسارا قد تنقلب ضده وتصبح نقمة عليه بحيث كانوا يظنون أن أيام اللهو والمجون ( الليالي الحمراء ) قد تدوم لكن هيهات هيهات كل شيء أصبح في خبر كان ، أسدل الرخاء ستاره فجأة دون سابق إنذار، فبدأ العد العكسي وبدأت بوادر أزمة حقيقية ، قل العمل إن لم نقل انعدم كل المطمئنات والمحفزات تبخرت ، لم يبق شيء يشجع على الإستقرار هناك .
في السنوات الأولى من الأزمة كانت الدولة الإسبانية تمنح بعض المساعدات للعاطلين عن العمل لتدبير شؤونهم ويصطلح على هذه المساعدة عندهم layoda استبشروا بها خيرا ، لكن الذي لم يكن في الحسبان هو أن هذه المعاونة مؤقتة وليست الحل الأجدر لحل الأزمة التي يتخبط فيها أغلب هؤلاء وأيضا أن هذه المساعدة أصبحت اليوم رهينة بالإستقرار هناك أي أنها لا تمنح لمن يتواجدون خارج إسبانيا بل الأكثر من ذلك هو أن الكثير فرضت عليه غرامة لكونه كان يستفيد منها بالرغم من تواجده خارج الأراضي الإسبانية ، أما الطامة الكبرى أو ما يمكن أن نقول عنها أنها الكارثة هو أن العديد من المهاجرين ممن حصلوا على قروض في أيام العز فاشتروا بها منازل على أساس تسديدها على دفعات تمتد لسنوات ، لكن شاءت الأقدار أن تتفاقم الأزمة وتحول دون تسديدهم للباقي فتم حجز منازلهم بالرغم من أن الأقساط التي تم تسديدها يمكن أن تكون قد تجاوزت نصف المبلغ الإجمالي ، فأصبحت الحياة شبه مستحيلة هناك لدى الأغلبية ، فعاد الكثير منهم ليستقر في المغرب ، فإما يصبح عالة على أسرته بعدما كان يعيلها أو أنه يشتغل في أي شغل يجده وبأي ثمن كان ، وهناك من يعيش بين الذهاب إلى إسبانيا كلما وصلته أنباء عن وجود عمل وخصوصا الأعمال الموسمية وتكون غالبيتها أعمال فلاحية والرجوع إلى أرض الوطن بعد اليأس من وجود عمل آخر هناك في انتظار فرصة أخرى ، لكن بالرغم من هذه الأزمة الخانقة يحلم المهاجرون دائما بالعيش هناك نظرا للرعاية الصحية واحترام الحقوق .
إن الحالة التي استقرت عليها هذه الطبقة قد وصلت إلى الطريق المسدود عند الغالبية فهم لايستطيعون الرجوع إلى الوراء والبداية من نقطة الصفر ولا التقدم إلى الأمام إلا من أمل في غد أفضل يعيد البسمة على محياهم ويبعث فيهم الحياة من جديد باستثناء من أسعفهم الحظ وحصلوا على عمل قار .
كتبه عبد الجبار بوعزيز .
Aucun commentaire