جناية الأضواء الإعلامية على عبد الله النهاري الداعية
جناية الأضواء الإعلامية على عبد الله النهاري الداعية
محمد شركي
ما كاد ملف قضية الداعية عبد الله النهاري يطوي بعد أن اختلطت الدموع في الجفون ، وتبين الباكي عليه من المتباكي حتى عاد من جديد إلى الواجهة الحديث عن توقيفه مرة أخرى ، وهذه المرة من طرف وزارة الداخلية حسب ما نشر أحد المواقع الإلكترونية دون أن يتأكد الخبر من مصادر أخرى. وإذا ما صح الخبر فهو إنما يؤكد أن اتهام جهات سابقة بريئة بالوقوف وراء توقيف هذا الداعية كان مغرضا وبشكل مكشوف. ولقد تم الارتزاق إعلاميا بموضوع تقديم النصح للداعية السيد عبد الله النهاري ، حيث تم تأويل هذا النصح تأويلا مغرضا يستهدف رمي عصفورين بحجر: من جهة السعي بالكيد لإفساد العلاقة بين الداعية وبين من نصحه ، ومن جهة أخرى النيل منهما معا سواء من خلال اتهام الجهة البريئة بتوقيفه ، أومن خلال تجييش جمهوره الذي تمنعه عاطفته الدينية المندفعة من التبين قبل إصابة الأبرياء بجهالة ، وتجرع مرارة الندم . والداعية النهاري إنما جنت عليه أضواء الإعلام ، وويل لمن أشارت إليه الأصابع ولو بخير . فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما تنشر جريدة النهار المغربية اليوم مقالا تحت عنوان : » التوحيد والإصلاح تنتقل إلى التحريم الفقهي للفن والمهرجانات ، وخطيب الحركة عبد الله النهاري استعمل كل الوسائل للتحريض والتهديد » فهي تضع هذا الداعية وحركته تحت أضواء الإعلام الكاشفة ، والذي له أهداف من وراء الخوض في موضوع الفن والمهرجانات في عهد حكومة حزب محسوب على التيار الإسلامي .
والخوض في مثل هذا الموضوع لا يوجد في الساحة المغربية ، وحدها ، بل هو موجود أيضا في الساحة المصرية والتونسية ، وغيرهما ، وهو يدخل ضمن التجاذب السياسي بين الأحزاب الإسلامية والليبرالية والعلمانية في ظل ما يسمى تداعيات الربيع العربي . فالغرب متوجس كثيرا من الأداء السياسي للأحزاب المحسوبة على الإسلام ، والجهات الليبرالية والعلمانية في الوطن العربي تنفخ في توجس الغرب من أجل تعميق ما يسمى عقدة الإسلاموفوبيا فيه . ومع أن منطلقات الداعية عبد الله النهاري ليست هي استهداف السياحة في حد ذاتها كما يسوق لذلك الإعلام المغرض ، وإنما هي قيامه بواجب التوجيه التربوي الديني ، فإن الإعلام يجعل منها قضية تركب وتستغل بشكل مكشوف . فقد يكون تناول النهاري لحالات بعينها وشخصنتها مسيئا لوعظه الذي لا يمكن أن يطعن فيه شرعا ، بحيث قد يمثل بأمثلة من الواقع المعيش لبعض السلوكات غير المنسجمة مع الثقافة الإسلامية إلا أن مستوى الذين يحتكون مباشرة بوعظه من الطبقات الشعبية المحدودة الثقافة قد يسيئون فهمه ، وقد يتصرفون تجاه نقد الواقع بطرق غير حكيمة . وهذا الأمر هو مدار النصح الحكيم الذي قدم للسيد النهاري ، والذي أسيء تأويله وفهمه من أجل توريطه في قضية تحمل مسؤولية ردود أفعال بعض المندفعين عاطفيا من الذين يسيئون فهم أهداف ومقاصد هذا الداعية الذي يريد أن يوجههم تربويا من خلال منهجية الانطلاق من نقد الواقع،وليس بنية أو غرض التحريض ضده أو تهديده. والذي يفهم للتو من مقال جريدة النهار اليومية ، ومن ينحو نحوها أن مكيدة ما دبرت لهذا الداعية من أجل تحميله مسؤولية التنظير للتحريض ضد الفن وضد السياحة وتهديدهما .
فهذه اللعبة القذرة من الإعلام المفتقر للأخلاقيات المهنية تهدف إلى السباحة في الماء العكر لاستغلال داعية من شيمه البراءة التامة والعفوية ، لأنه منذ أن بدأ الاشتغال بالدعوة وهو يرسل نفسه على سجيتها ، ولا أدل على ذلك أنه لم يغير شيئا من طبعه البدوي ، ولم يتكلف طبعا آخر لا يناسب شخصيته الحقيقية . وتلفيق تهمة التحريض والتهديد لهذا الرجل تبدو متهافتة ، لأنه لم يعرف من قبل بالتحريض على الفتنة ، وهو الذي ألف من قبل قيادة التجمعات الجماهيرية في شتى المناسبات ، ولا يغادرها حتى يأمرها بالانصراف بهدوء وسكينة قاطعا السبل على كل استغلال محتمل لها من طرف العناصر المتسربة إليها بغرض الفوضى والشغب . وجريدة النهار المغربية تكشف النقاب عن استغلال جهات معلومة لقضية الداعية النهاري من خلال ما جاء في المقال وهو : » ويرى مهتمون بشأن الحركة الإسلامية أن التوحيد والإصلاح وبعد أن فشلت في التوظيف الحزبي والحكومي قصد مواجهة المهرجانات والفن انتقلت إلى مرحلة التحريم الفقهي عن طريق توظيف خطباء المنابر المسجدية المرتبطين بالحركة » فمثل هذا الكلام يؤكد استغلال قضية الداعية النهاري في إطار الصراع المترتب عما يسمى تداعيات الربيع العربي بين التيارات الإسلامية والتيارات الليبرالية والعلمانية ، وذلك بعد رهان الشعوب العربية على التيارات الإسلامية كخيار لمواجهة مرحلة ما بعد الفساد السياسي . ولم يعرف السيد النهاري من قبل فقيها يشتغل بالفتوى بالمعنى الحقيقي للفتوى ،بل عرف بنصحه لمن يسأله عن أمر دينه على ضوء فتاوى فقهية مشهورة ومتداولة ، دون ادعاء التخصص في الفتوى الفقهية .ومما جاء في مقال جريدة النهار المغربية أيضا ما يلي : » وفي السياق نفسه هاجم النهاري مهرجان موازين الذي قامت حركة التوحيد والإصلاح بتكوين لجنة للمطالبة بإلغائه » .
ومعلوم أن هذا المهرجان هو موضوع نقاش بين شرائح مختلفة من الشعب منقسمة إلى مؤيدة ومعارضة ، بما فيها الجهة المسؤولة عنه ، والتي قد يكون من أساليب دفاعها الذكية عنه لضمان نجاحه في ظرف معارضة قطاع شعبي عريض له التسويق لفكرة اتهام النهاري أو غيره بالتحريض عليه وتهديده ،علما بأن بعض من سيشارك في هذا المهرجان يتظاهر بالتعاطف مع النهاري ، ويفسح له المجال الإعلامي الشيء الذي يعني التمويه على الجناية الإعلامية عليه . وخلاصة القول أن الأضواء الإعلامية قد ساهمت في الجناية على هذا الداعية إن صح خبر منعه من الوعظ على غرار منعه من الخطابة .
Aucun commentaire