من أين لمن أغلى ثمن الأضاحي أو بخسها أو لم يطعمها معه بائس فقير بتقوى الله؟
من أين لمن أغلى ثمن الأضاحي أو بخسها أو لم يطعمها معه بائس فقير بتقوى الله؟
محمد شركي
سنة بعد أخرى يتحدث الناس عن ظاهرة غلاء الأضاحي، التي صارت أثمانها في ارتفاع مستمر ،حتى أن الجهة المسؤولة تحدثت عن زياة نسبة 10٪ في ثمن الأضاحي قياسا مع السنة الفارطة . ويتحدث مربو الماشية هذه السنة عن غلاء أسعار العلف تباعا لما كان عليه الموسم الفلاحي من هشاشة خلال السنة الماضية . ولعل الجهة المسؤولة تتحمل مسؤولية الإيحاء لمربي الماشية بالتورط في المضاربة في أسعار الماشية ، من خلال ذكر نسبة الزيادة في أسعار الأضاحي مسبقا قبل سبر طبيعة العرض والطلب في الأسواق . ويحضر في حديث الناس عن أضاحي العيد كل حديث إلا حديث رب العزة سبحانه ، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم . فالأصل في هذه الأضاحي أنها طاعة تعبدنا بها رب العزة من أجل طلب التقوى ، والتقرب إليه ، فإذا بنا نحولها إلى فرصة مضاربة واحتكار وإغلاء ،وبخس . فالباعة يغالون ويبالغون في الغلاء ، والمشترون يبخسون ، ويبالغون في البخس ، ومعية الله عز وجل غائبة عند هؤلاء ، وعند أولئك . وبسبب الخلاف بين من يبيع ، ومن يشتري تضيع دلالة عبادة النحر . فالبائع الذي يغلي ثمن الأضحية إنما يضرب هذه العبادة في الصميم . ومعلوم أن الله عز وجل رفع الحرج عن عباده في العبادة فقال » (( وما جعل عليكم في الدين من حرج)) غير أن الذي يغالي في ثمن الأضحية يتسبب في خلق حرج في طاعة النحر ، ومن ثم يبتدع في دين الله عز وجل ما لا يحق له ولا يجوز. والذي يبخس أضحية العيد هو الآخر يضرب طاعة النحر في الصميم ،لأنه إذا ما لحق الضرر بمن يربي الأضاحي ،فإنه سيترك تربيتها، لأنه لا يعقل أن يشقى بلا ربح ، فيكون المشتري الذي بخسه جهده قد ابتدع أيضا ما ليس في دين الله من رفع للحرج. والبائع المغالي والمشتري الباخس كلاهما يضرب وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض الحائط ،وهي : » رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى » فأين الباعة والمشترون عندنا من هذه النصيحة ؟ والسماحة أصل إسلامي في معاملة البيع والشراء عامة ، فكيف بها إذا ما تعلق الأمر بطاعة النحر التي يتقرب بها العباد لربهم طلبا لعفوه ومغفرته ؟ وكيف يقبل الله عز وجل ممن تسبب في خلق الحرج في دينه ، وخالف إرادته ؟
وكيف يغفر هذا التطاول على إرادته سبحانه ؟ والله تعالى إنما تعنيه من الأضاحي التقوى لقوله تعالى : (( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ))، فالله تعالى لا يناله غلاء ولا بخس الأضاحي ،تماما كما لا يناله لحومها ،ولا دماؤها، بل يناله التقوى من بيعها وشرائها، ونحرها ، وأكلها ،وإطعامها . وكيف تحصل التقوى بلحومها ودمائها ، ولا تقوى في بيعها وشرائها ؟ فعلى الأمة أن تراجع مواقفها من طاعة النحر بدءا بالبيع والشراء، وانتهاء بالنحر والأكل والإطعام . فمن باع أضحية بثمن أكثر من ثمنها ، أو اشترى أضحية بثمن أقل من ثمنها، فلينظر إلى ما ذبح ، فإنه لن ينال الله عز وجل ما قدم بلا تقوى، لأن الله تعالى منع الغلاء ، ومنع البخس على حد سواء في كل المعاملات التجارية وكل ذلك من تقوى الله عز وجل ، ومنها بيع وشراء الأضاحي . وعلى الأمة أن تتعلم تقوى الله عز وجل في بيع وشراء الأضاحي، لتلتزم بهذه التقوى في كل البيوع المختلفة . فمن غالى أو بخس في تجارة الأضاحي ، ولم يخش الله عز وجل فيها ، كان أكثر بعدا عن خشية الله عز وجل فيما سوى هذه التجارة. وليس لله تعالى حاجة أن يذبح الناس الذبائح، ويتقربون إليه بها، وهم يخالفون أوامره ،ومنها تقواه في مختلف البيوع ، وهي أصل قيام الحياة واستمرارها. وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن الله تعالى أمرنا بالأكل من الأضاحي، كما أمرنا بإطعام البؤساء والفقراء منها في قوله تعالى : (( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير))،وحرف المعنى » من » في هذه الآية الكريمة يدل على التبعيض، مما يعني أن أكلها مشترك بين من ينحرها، وبين البائس الفقير الذي لا يجد ما ينحر . فمن أكل من أضحيته ، ولم يطعم بائسا ولا فقيرا ، فإنه يطيع الله في شيء ،ويخالفه في آخر .
ومعلوم أن في مدينة وجدة جهات محسنة جزاها الله خيرا تتولى الحرص على إطعام البؤساء الفقراء من الأضاحي ، وهي إما توزع عليهم الأضاحي حية ، وإما تجمع لهم اللحوم في بعض المساجد المعروفة نذكر منها على سبيل الذكر، لا الحصر مسجد الفردوس على طريق سيدي يحيى ، أو مسجد عمر بن الخطاب بحي لبام بسيدي يحيى أيضا ، أو مساجد أخرى ، أو جمعيات خيرية معروفة بهذه المبادرة الطيبة . فعلى الأمة أن تحرص على تمام الطاعة، فتحرص على إطعام البؤساء الفقراء كما تحرص على الأكل من أضاحيها . وعلى الأمة أن تبحث عن البؤساء الفقراء في أحيائها أولا، ثم في غير أحيائها بعد ذلك ، من أجل إطعامهم إذا ما كانت تحرص على قبول الله عز وجل منها الأضاحي حسب درجة التقوى ، علما بأن ذمة الله عز وجل تبرأ ممن بات فيهم جائع .وإننا على موعد مع بداية موسم فلاحي الجميع يتمنى على الله عز وجل الغيث والمحصول والبركة . وتزامن عيد النحر مع بداية الموسم الفلاحي هذه السنة هو فرصة من أجل التعرض لرحمة الله عز وجل وغيثه وبركته . فمن أغلى الأضاحي أو بخسها ،أو لم يشرك معه فيها بائسا فقيرا ، فلا ينتظر من الخالق سبحانه رحمة ، لأنه جل شأنه يرحم الخلق بقدر ما يرحم الخلق بعضهم بعضا. وعلى الذين توجهوا إلى الأضرحة بالذبائح طلبا للغيث أن يصححوا ما كان منهم من سوء أدب مع الله عز وجل من خلال عبادة النحر، التي يجب أن تكون كما أراد سبحانه . وعلى الذين لم يغلوا الذبائح التي ذبحت على الأضرحة ألا يغلوا ذبائح الله عز وجل . كما أنه على الذين لم يبخسوا ذبائح الأضرحة ألا يبخسوا ذبائح الله عز وجل . وعلى الذين طعموا لوحدهم ذبائح الأضرحة في خيامهم ، ووسط قبائلهم ألا يمنعوا البؤساء الفقراء من ذبائح الله عز وجل ، وإلا فإن الله تعالى قد خط حدودا من تعداها فقد ظلم نفسه .
1 Comment
إن مقالات الأخ الشركي تضفي علينا الكثير من الإرتياح لما له من حنكة تحليل و إبلاغ المعاني…و ليس مقالات التسفيه بالعيد و عنونت المقالات ب كلام يخدش من الين و سنة رسولنا الكريم …كمقال » أضحية العيد شر لابد منه »
هدانا الله جميعا