الانتماء إلى الأحزاب ليس بدعة ولا جريمة
مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، تتعالى أصوات بعض المثقفين والدعاة وأحيانا كبار العلماء للتنديد بالحزبية والتحزب باعتبارها مجرد تهافت على المصالح الشخصية، وهذا شيء جميل بشرط التزام النسبية المطلوبة في كل تحليل منطقي سليم. لكن مع الأسف، لا يتم في غالب الأحيان التنويه بالأحزاب الصادقة النظيفة و المناضلين السياسيين الشرفاء الذين قدموا تضحيات جليلة لهذا الوطن في صمت وتجرد من مواقع مختلفة. فقد دعيت مؤخرا إلى عرس بمدينة وجدة، أطره أحد الإخوة « السلفيين » وصعقت بكلمته التي كانت خارج السياق وخارج العصر وخارج المناسبة. لم يتحدث عن الزواج في الإسلام ولا عن الأسرة ولا عن العنوسة ، بل حذر كثيرا من البدع المنتشرة وعلى رأسها الانتماء إلى الجماعات « الكفرية » والفرق الضالة والأحزاب التي تتمسح بالدين ! ودعا الواعظ إلى الاعتصام بالجماعة الوحيدة و هي « جماعة السلف الصالح » رضوان الله عليهم. و كدليل على ما يقول استشهد أخونا السلفي بالمآسي التي تقع في ليبيا وسوريا بسبب الخروج عن طاعة ولي الأمر! فكرت حينها أن أناقش صاحبنا بعد العشاء وأشرح له مفهوم البدعة وأسأله هي : هل هذا العرس الذي منع فيه « الإعلان » بالدف أو بالزغاريد أو بالأناشيد أو بأي شيء…بدعة أم سنة؟ لكن بعدما أخبرت من قبل بعض المدعوين أثناء العشاء بأن هاته المجموعة تمنع القراءة الجماعية للقرآن وتمنع الختم بالدعاء الصالح في المناسبات ، بل وتمنع قول « الله يخلف »… لما علمت كل هذا أعرضت عن الدخول في جدال عقيم أضيع فيه وقتي. قد يقول قائل إن هذا الفهم الضيق للدين معزول وغير مؤثر، وقد فنده العلماء الثقات الذين فصلوا في مسألة الانتماء للأحزاب السياسية باعتبارها من حيث المبدأ وسيلة حديثة للتنظيم و التأطير و اتخاذ القرار والاهتمام بشؤون الوطن والمساهمة في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… بل اعتبر العلماء المجددون في هذا العصر أن الجهاد السياسي هو فريضة الوقت لأنه لا يتم الواجب إلا به ولأن الفريضة التي يتعدى نفعها إلى الغير أفضل عند الله من الفريضة التي ينتفع بها الشخص نفسه كالصلاة والصوم والحج، وهو ما يسمى عند الفقهاء بفقه مراتب الأعمال أو فقه الأولويات. وهذا ما تنبه إليه العديد من شيوخ السلفية وعلى رأسهم الشيخ الفيزازي الذي تراجع عن كل مواقفه من الأحزاب وخاصة ذات التوجه الإسلامي لما ثبت له أنها تقوم بدور جبار لحماية الدين وإصلاح المجتمع. إن خطاب تجريم التحزب بالإطلاق من غير تمييز بين المبدأ والواقع، ومن غير توازن في الأحكام، ومن غير تأصيل شرعي متين هو خطاب مجانب للصواب ويصب في التأزيم والعزوف وإخلاء الجو للمفسدين وسماسرة الانتخابات. حتى أصبح الانتماء سبة وطعن في النزاهة والمصداقية عند البعض. ولعمري إنه من الحزن أن نسمع بعض الصلحاء من فرسان السياسية بمدينة وجدة يعتذرون عن الترشح في الانتخابات المقبلة مما يخلي الجو لتوسيع رقعة الفساد. أما إذا ثبت انتماء فنان أو أديب أو مفكر أو صحفي لحزب ما، فتلك طامة كبرى في بلداننا المتخلفة ! و هذا الخطاب حين يصدر من أساتذة ووعاظ ودعاة نقدّرهم، قد يفت من عضد المخلصين الذين خاضوا غمار التجربة الحزبية السياسية بنية الإسهام في إقامة الدين وإصلاح المجتمع وإرجاع الثقة للشباب المتذمر اليائس، وكان ذلك على حساب راحتهم وحقوق أسرهم. فمن باب الإنصاف أن نعترف بالفضل لكل مستشار مخلص أو برلماني صادق أو وزير متعفف أو أي مسؤول سياسي نجح في الامتحان وثبت على مواقفه ، نساء ورجالا، في وجدة وفي غير وجدة، بغض النظر عن الإطار السياسي الذي ارتضاه ليجاهد من داخله. و علينا أن نلتمس لهم ولهن كل الأعذار في حالة الابتلاء والضغوط التي قد يتعرضون لها والتي لا يعلمها إلا الله.
Aucun commentaire