في الحاجة إلى درس البُقراج
إنتهت صلاحيته و عُلّق هناك ليبقى شاهدا على صفاء السريرة رغم ما مرّ به من ظروف عسيرة.
فقدَ يده الوحيدة لكنّه استمر في أداء أدواره العديدة حتى أحيل على التقاعد.
بقي البقراج وفِيّا لمهمته في المرس مذ غادر السوق ذات خميس.صهرته النار حتى صيرته رمزا للإيثار: كم بيضةً دخلت جوفَه لينضجها و تُشبع غيره دون ان بحرَقه حقد أو تحرّكه غيرة، و كم تحمّل أحوال الطقس من الصيف إلى الربيع و عايش صراع اللهب مع الصقيع ، و كم شهد من تناقضات و صراع إرادات بين ماء بارد يملأ جوفه و نار تستعر لتلسع وجهه .
ما يبدو غالبا تناقضات يكون في الأصل ضروريات لتستمر الحياة ثم انّ بعض التناقض الظاهر أحيانا يكون تعاضدا بين النقيضين لأداء مهمة سامية.
من ينكر أهمية البقراج في تحضير أباريق الشاي و دوره في توفير الماء الدافئ للوضوء و الاستحمام من أكتوبر إلى متمّ شهر ماي.
ما أحوجنا إلى درس البقراج لندرك أن كثيرا من النفوس النقية تعمل في صمت و تعيش لتسعد الٱخرين، ديدنها الإيثاء لا الثرثرة. قد تبدو وجوهها كالحة يكسو ظاهرها السواد لكن يسكنها البياض .
هل رأيتم بقراجا أسود من الداخل؟
رغم ما يكسو بقراج البادية من سِناج ، تكفي حفنة رمل أو تراب مع بعض الجهد و قليل من الماء لتزول عنه الفحمة البادية و يعود إلى لونه الأصلي مسترجعا صبغته العادية. أما من إسودّ منه الدّاخل فلن تنفع معه لا المنظفات و لا ما غلى من السوائل و لا حتى صابون تازة أو مارسيليا.
…….
عمّ الإهتمام بالأشكال و المظاهر ليتحول الحلاق في القرية و المدينة إلى مُزيّّنة و تتحوّل معه وجوه الذّكور إلى واجهات للتزيين تُغطّي نصفَها مستحضرات الكيراتين و الكريمات و نصفها الٱخر لِحى المسلسلات.
مستحيل أن تصلح مواد التجميل ما اعترى الباطن من سواد و هيهات أن يصلح الحلاق ما أفسدته الأخلاق.
ع.ك، يناير 2024.
Aucun commentaire