التعليم الخصوصي ينظم يوما دراسيا تفعيلا لشعار ترسيخ السلوك المدني
تلقيت دعوة كريمة من السيد مدير مؤسسة الرميساء للتعليم الخاص لحضور يوم دراسي بمقر أكاديمية الجهة الشرقية لمعالجة موضوع : التربية على القيم في الكتاب المدرسي تحت شعار : الأسرة والمدرسة معا لترسيخ السلوك المدني ، وقد نظم اليوم بشراكة مع مؤسسة الرميساء ، ومجموعة طوب إديسيون ، و بعض مؤسسات التعليم الخصوصي ، و التعليم العمومي ، وبعض جمعيات الآباء والأولياء إلى جانب المجلس العلمي المحلي ونيابة وجدة أنكاد وأكاديمية الجهة الشرقية كما نصت على ذلك البطاقة التقنية الموزعة على الحاضرين.
ومن الجدير بالتنويه تفكير المشتغلين بالتعليم الخصوصي في تنظيم هذا اليوم الدراسي في رحاب مؤسسة تربوية رسمية مع أن المسئولين الرسميين جهويا وإقليميا غابوا عن هذا النشاط لظروف خاصة كما ذكر مدير مؤسسة الرميساء وإن كان غيابهم لا يمنع من تكليف من يمثلهم تشجيعا لمبادرة التعليم الخصوصي.
ولقد حضرت الجلسة الافتتاحية وتابعت مداخلة الأستاذ الدكتور رشيد بلحبيب أستاذ التعليم العالي ومدير مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية والاجتماعية بوجدة ،وعضو المجلس الأعلى للتعليم كما تم تقديمه . وقد ركزت المداخلة على معالجة مفهوم التنمية الذي لا يجاوز عند البعض الطابع المادي والإنتاج الكمي مع تغييب الجوانب الثقافية والأخلاقية والدينية، واتخاذ النموذج الغربي قدوة. وبعد استعراض مراحل التنمية باعتبار بعض الصفات كالشمول والاستقلال و الدوام أو الاستدامة ، وهي نعوت تم التصريح بها خلال سيرورة التمنية في بلادنا لاحظ المحاضر أن العنصر الإنساني مغيب في هذه التنمية ، وفضل تسمية التنمية الإنسانية على تسمية التنمية البشرية لأن الإنساني يحيل على ما هو روحي وعقلي وسلوكي وثقافي بينما البشري يحيل على ما هو طبيعي ومادي. ومن مفهوم التنمية انتقل المحاضر إلى مفهوم السلوك المدني ودواعي الحديث عنه في هذه الظروف حيث ركز على التفكك الأسري والهجرة والفشل الدراسي وتفشي العنف والغش وعدم القيام بالواجب وتدمير الممتلكات… إلى غير ذلك من المؤشرات الدالة على غياب السلوك المدني في المجتمع خصوصا في المؤسسات التربوية وقد اعتمد المحاضر مرتكزات للحديث عن السلوك المدني أهمها الرسالة الملكية والميثاق الوطني للتربية والتكوين وتوصيات المجلس الأعلى للتعليم والندوة الوطنية سنة 2007 حول قضايا السلوك المدني. وانتقل إلى شعار الوزارة الوصية وهو ترسيخ السلوك المدني في قطاع التربية باعتباره مسئولية الجميع. وكان ذلك مدخلا للحديث عن البرامج الدراسية التي اعتبرها المحاضر مفتقرة بل خالية من قيم السلوك المدني باعتباره شبكة معقدة يتداخل فيها السياسي بالأخلاقي والاجتماعي، وباعتباره سلوكا مكتسبا وحاضرا ومتطورا باستثناء القيم الثابتة كالدين والأخلاق. وتناول بعد ذلك مصادر دعم السلوك المدني المتمثلة في الأسرة و المدرسة والمسجد ودروها في ترسيخ السلوك المدني في الناشئة ، وقد فند المزاعم التي تجعل الدين الإسلامي حاليا من السلوك المدني من خلال استعراض نصوص من القرآن الكريم تحيل كلها على هذا السلوك الذي تتبناه الطروحات العلمانية وتنسبها لنفسها دون غيرها على اعتبار أنه وليد فصل الدولة عن الدين كما هو الشأن في أوربا التي دعت لترسيخ السلوك المدني منذ قرنين من الزمن.
لقد أغراني خذا العرض بالمشاركة في الحديث عن قضية القيم وتحديدا السلوك المدني باعتباره نتيجة هذه القيم.
عندما نتأمل المادة اللغوية لكلمة قيمة نجدها في كل تنوعاتها الاشتقاقية تحيل الوقوف والقيام والاعتدال والاستواء والعدل والتقدير والتثمين والملازمة والسيادة والسياسة والرعاية والتدبير. فالقائم هو الواقف ، والمقام موضع القدمين ، ومن ذلك القوائم ، والسوق القائمة هي السوق النافقة عكس الكاسدة ، وقوم تكون بمعنى أزال الاعوجاج وبمعنى قدر وثمن ، والقوام حسن القامة وحسن الطول ، والقيمة ثمن الشيء بعد تقويمه ، والقائم المتمسك بالشيء الملازم له ، والقيم المستقيم والسيد وسائس الأمر، وهو الزوج وهو القوام أيضا، والقيوم هو القائم بنفسه مطلقا لا بغيره والمدبر ، والقيامة ساعة القيام والوقوف للمحاسبة. فالحديث عن القيم هو ملامسة لبعض هذه المعاني ذلك أن القيمة عي عبارة عن تقدير نقوم به تجاه شخص ما أو تجاه عمل ما، والقيم مجموع الأفكار والمعتقدات والاختيارات التي تمثل أسلوب التصرف عند الأشخاص وتمثل مدى ارتباطه بالجماعة ونظرتها للعالم. ومن خلال هذا التعريف للقيم أعتقد أن القول بخلو البرامج الدراسية من قيم هو مغامرة خصوصا عندما تصدر عن متخصص، فالمشكل ليس هو خلو البرامج الدراسية من قيم بل هو تعذر ترجمة هذه القيم إلى واقع معيش وملموس. فعندما نتأمل برامج مادة دراسية ما نجدها تعج بالقيم حسب التعريف الآنف الذكر ولكن لا وجود لها في واقع المتعلمين الذين لا يخضعون لتربية مؤسساتية فقط بل تشارك في تنشئتهم جهات متعددة منها الأسر والمجتمع الكبير من خلال آفاقه بما في ذلك الإعلام. وقد يكون حال القيم في هذه المؤسسات كحاله في المؤسسات التربوية الر سمية حيث تعاني من الأجرأة والتطبيق . فرب أسرة رفيعة القيم ولكنها لا تملك التأثير في الناشئة، وعلى ذلك تقاس باقي المؤسسات.إن غياب السلوك المدني الذي تؤطره القيم المختلفة لا يعزى لغياب القيم الرفيعة الصحيحة في البرامج الدراسية بل يعزى لتعايش القيم المنحطة الخاطئة مع القيم الرفيعة.
فالسلوك المدني المهزوز والمتمثل في التخريب والعدوان والتهاون والغش وعدم الانضباط…. إلخ هو نتيجة شعور عام بالإحباط يصدر من الكبار أولياء وآباء إلى الناشئة عن طريق الكلام الموحي بفقدان الثقة في أصحاب القرار، كما أنه يصدر من أصحاب القرار إلى الناشئة عن طريق السلوكات. فكل ما يوجد من قيم في البرامج والمقررات يتم تعطيله عن طريق هذه السلوكات سأضرب مثلا على ذلك . قد تتجند جهات متعددة لمحاربة سلوك غير مدني كالرشوة مثلا فيخطب خطيب الجمعة ويخطب مذيع الإذاعة والتلفزة ، ويكتب الصحفي ، وتنطق البرامج الدراسية بانتقاد هذا السلوك المشين ، وفي المقابل يعاين النشء الممارسة الفعلية لهذا السلوك أو يسمع بوجوده ممن يحظون بثقته فتكون إدانة هذا السلوك بلا معنى مع وجوده كواقع ودون متابعة ، وهو ما يجعل النشء يشعر بالإحباط وانه مهدد في مصالحه في مجتمع لا تسير فيه المصالح إلا بسلوك الرشوة ، ومن هنا يصير الغش والتدليس مشروعا في نظر هذا النشء خصوصا عندما يعاين فوز ونجاح أصحاب هذا السلوك مقابل فشل الكفاءات. وكم من ناشئة كانت لها العبرة في آبائها وأوليائها بعضهم حاز المراتب والامتيازات بالغش والرشوة ، والبعض الآخر لم تغن عنهم كفاءتهم شيئا فيتربى النشء على الإيمان بأ ن الطرق الموصلة للنتائج هي طرق السلوك الذي تذمه قيم البرامج والمقررات الدراسية لهذا يستخفون بقيم لا وجود لها في الواقع ولا تثبت مصداقيتها مقابل قيم أخرى سائدة وقد أثبتت نجاعتها ووجدت دعما وتشجيعا بالسكوت عنها حتى صارت قيما مقبولة عمليا ومرفوضة نظريا.
إن البحث عن مشكلة القيم في البرامج والمقررات والكتب الدراسية بحث بدون طائل ، ولا بد من البحث عنها في الواقع ، فلو أن أصحاب سلوك الرشوة والغش نالوا جزاءهم موفورا وعاين ذلك النشء لأدرك حقيقة ما يسمع في الإذاعة والتفزة والمسجد والمدرسة.
أتمنى أن ترصد كل السلوكات المخلة بالسلوك المدني وفق قيمنا الدينية والوطنية في الواقع ويتم البحث عن جذورها وعن المسئول عنها مسئولية مباشرة عوض إهدار الوقت في تجريم ا لبرامج والمقررات الدراسية التي لا تتحمل مسئولية أزمة أخلاقية يلخصها مصطلح فساد وإفساد متعمد من جهات لها مصالح في ذلك لأمر ما جاء في الأثر من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
1 Comment
شكرا على نقل الخبر …