من لغة القرآن إلى لغة الحمام الجزء الأول
شاعت في وسط التأليف و المؤلفين موضة(من..إلى) في مجالات التربية و السياسة والاقتصاد و الأدب…وغيرها من أصناف المعرفة.و هؤلاء المؤلفون يرسمون طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه و لا انحناءات و لا انكسارات و لا حفر و لا مستنقعات و لا مزابل و لا أتربة.طريق مستقيم نظيف .وحتى أرتبط بالموضوع أشير إلى ما يؤلف في التربية مثلا:من التربية إلى البيداغوجيا؛ أو:من البيداغوجيا إلى الديداكتيك؛أو:من الديداكتيك إلى علم النفس التربوي …وغيرها من الكتب التي ترسم خريطة الطريق في ميدان التربية.وفي ميدان السياسة:من أنظمة شمولية ديكتاتورية إلى أنظمة ديمقراطية؛أو: من الحزب الوحيد إلى تعدد الأحزاب؛أو:من الملكية الرئاسية إلى الملكية البرلمانية؛أو:من الشيوعية إلى الرأسمالية(الليبرالية)…وفي ميدان الاقتصاد:من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة؛أو:من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر؛أو:من التجارة الداخلية إلى التجارة الدولية.وهكذا نرسم خطا مستقيما،ليس له بداية و ليس له نهاية(ليس له نقطة انطلاق، و ليس له نقطة و صول .حتى في ميدان اللغة انتقلت عدوى (من ..إلى)مثلا :من الأدب الجاهلي إلى الأدب الإسلامي؛أو:من الشعر إلى النثر؛أو:من القصة القصيرة إلى الرواية(وتبعا لما سبق كان عنوان الموضوع: »من لغة القرآن إلى لغة الحمام ».احتجاجا مني على بعض المتطفلين على قدسية المدرسة،والذين طالبوا أن تكون لغة التدريس و الدراسة هي »الدارجة »).و كأننا نعيد قصة احمد بوكماخ رحمه الله،حينما صور المنازلة الماراطونية بين السلحفاة البطيئة و الأرنب المسرعة،في سباق عجيب يشبه سباق سيارات الرالي،والمتفرجون في هذا السباق ،هم تلاميذ الستينات و السبعينات؛عندما كان التلميذ من القسم الأول يحسن القراءة و الإملاء و الحساب؛ولا يغادر المدرسة الابتدائية، إلا إذا كان مالكا لناصية القراءة، و الكتابة، و التعبير بنوعيه، و النحو، وما يشمله من قواعد لغوية ،قد تصل في بعض الأحيان ،إلى مجال المتخصصين.كان التلميذ يميز بسهولة متناهية بين الفعل في الأزمنة المختلفة ،وفي الأوضاع المختلفة،ويميز بين أنواع الفاعل، و أنواع المفاعيل،و بين أنواع الجمل الفعلية، ـوبين ياء المخاطبة و ياء النداء.و يعرف تحديد الأمكنة القريبة و البعيدة،والأوضاع، و الأوزان، و الأحجام،و المساحات،و الأشكال الهندسية وقياس محيطها و ارتفاعها…وبحساب ذهني،يجب أن يقوم بعمليات حسابية مختلفة(في الضرب و القسمة) وذهنيا أيضا يعرف تصريف الأفعال في الأزمنة المختلفة ،والضمائر المختلفة،وباللغتين :العربية و الفرنسية)(و الويل كل الويل إذا اخطأ التلميذ أو تلعثم ،أو لم يجب بالسرعة المطلوبة،لان المدرس كان يتصيد ،بحاسة الشم والحاسة السادسة ،وبحكم التجربة الطويلة في الميدان ، التلاميذ الذين لا يبذلون أي مجهود ،ليصعدوا فوق طاولة المشرحة و الفلقة (ليأكلوا ما تيسر من الضربات و اللكمات ،أو بالأحزمة التي يجمعها من التلميذ،ناهيك عن البصق في وجوههم ،وسبهم و شتمهم بأنواع شتى من المصطلحات التي لا تستعمل إلا في المبارزات العنيفة ،ولا أحد له الحق في البكاء، أو الصراخ ، بل في النحيب فقط) .
هذه هي ملامح المدرسة التي كانت تخرج الرجال و النساء معا(رجال بأخلاق الرجولة،ونساء بأخلاق المروءة و الشهامة).وكان الآباء يلتفون حول المدرس،ويدعمونه معنويا.لان المدرس التقليدي كان يعتبر نفسه أبا للجميع،ومعلما،ومربيا .وعليه رسالة إلهية هي، أن يقوم بواجبه المهني، و الأخلاقي، و الديني، والاجتماعي ؛و أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الناس وخالقه.كان محقا في ما يفعل أو غير محق،أو كان صائبا أو مخطئا،لسنا هنا لمحاكمة نواياه و أفعاله.حسبه أنه كان يأكل رزقا حلالا هنيئا مريئا.وكان كل سعادته أن يتخلص من تلاميذه بالنجاح و التفوق و بأعداد كبيرة.ذلك هو الوسام الحقيقي الذي يعلقه هو على صدره.لا ينتظر جزاء و لا شكورا من أحد.
تلميذ اليوم يراد له أن يتمتع بحرية لا محدودة في الزمان و المكان و الأخلاق.حرية لا ارتباط لها بالمسؤولية.ويمكن أن تدافع عنها جمعيات و منظمات المجتمع المدني.فيحق لتلميذ اليوم أن يمسك بزمام الأمور،فهو الذي يعاقب مدرسه بنفس الوسائل التي كان المدرس التقليدي يستعملها، و لكن بتوابل أكثر مرارة.بحيث يحق له باسم الحرية و حقوق الطفل له أن بشتم و يضرب بيده و بالحجارة وبالسلاح الأبيض،ويمكن مستقبلا أن يستعمل الرصاص الحي أسوة بالتلميذ الأمريكي.لم لا وكل شيء يمكن أن يصبح موضة قابلة للتقليد العمى،قد نجد من الناس من يدعمها ويدافع عنها ،في الداخل و الخارج.إن الحرية تمنح لصاحبها أن يعبر كما يشاء،و تمنحه أن يقتل من يشاء من الناس،وأولهم المدرس….
يتبع
انجاز:صايم نورالدين
Aucun commentaire