في التأْريخ لحكومة ابن كيران: المآزق وإمكانيات التجاوز
محمد بالدوان*
لن يحذو تأريخي لهذه التجربة الفريدة في تاريخ المغرب مسلك التدوين الكرونولوجي للوقائع، ولا منهجية الانطلاق من السياق السياسي الذي أنتج الحكومة، وحيثيات تشكيلها ومواطن نجاحها وإخفاقها، لأني أقدر أن كل ذلك كتب ويكتب بعناية فائقة، ولأني أعتبر أن اللحظة التاريخية التي تعيشها الأمة في العقد الثاني من القرن 21م، هي لحظة ترسيخ الممارسة الديموقراطية، وفي غياب هذه الممارسة لا يُرجى تحقيق أي تطور اقتصادي أو اجتماعي، لذلك كان حريا بكل متابع للحقل السياسي المغربي أن يرصد، قبل أي شيء، مدى تقدم الفاعل السياسي في احترام القواعد الديموقراطية، ولعل في المآزق والأزمات التي بدأت تعصف بحكومة بنكيران مؤشرات تساعده على التقييم.
ثم إن الانطلاق من الأزمات له راهنية خاصة، بالنظر إلى حال الدفع الإقليمي في اتجاه إسقاط حكومات الربيع. فهل ستصمد حكومة ابن كيران؟ أبإمكانها الاستمرار؟ وهل بمقدورها إنجاز الإصلاحات الكبرى؟
أزمة خروج حزب « شباط »
سأنطلق من أبرز مأزق شهدته حكومة ابن كيران، وكان ذلك في 11 من مايو 2013، حين خرج المجلس الوطني لحزب الاستقلال بقرار الانسحاب من الحكومة مراهنا على الفصل 42 من الدستور، ومفوضا للجنة التنفيذية تصريف القرار، وقد تزامن ذلك بسفر جلالة الملك إلى فرنسا.
تصور الكثير بأن هذا الحدث بداية تقويض لأركان حكومة ابن كيران، وترقب تدخلا ملكيا موافقا لإرادة حزب الاستقلال »شباط »، ثم تدخل جلالة الملك هاتفا لتجميد أي خطوة إلى حين عودته، وفي ذات اللحظة واجه حزب العدالة والتنمية الموقف بدهاء، إذ قرر عدم الرد على خطوة حزب الاستقلال »شباط »، واعتبر بعض رموزه التحكيم عبر الفصل 42 لا يناسب مراد الانسحاب من الحكومة، كما وصفوه بأنه مسعى يرمي إلى إثارة الصراع بين رئاسة الحكومة والمؤسسة الملكية.
ويبدو أن من تصور ذلك لم يستوعب بعد التطور الإيجابي المتصاعد الذي بدأت تشهده الحياة السياسية بالمغرب منذ انتخابات 25 نونبر 2011، إذ ظل الشك عندهم ملازما عند استقبالجل التطورات السياسية، إن لم يكن ذلك بسبب المبالغة في تقدير قوة الفساد والتحكم، التي يستحيل عندهم أن تقهر، فعلى الأقل بسبب كسل في التحليل، أو وفاء لقراءة جامدة مألوفة.
وبعد عودة جلالة الملك من الديار الفرنسية، بدأ أول نشاط له بحفل المدرسة المولوية بحضور رئيس الحكومة (16يونيو2013)، ثم انطلق في زيارة إلى الجهة الشرقية لتدشين مشاريع اجتماعية وتنموية، وإثرها سيستقبل « شباط » يوم الأربعاء 26 يونيو 2013 لتلقي ملف دواعي خروج حزب الاستقلال من الحكومة، حتى ُظن أنه لن يحظى بالاستقبال. ثم جاء المرتابون بعد ذلك ليقولوا إن الكرسي الذي أُجلس عليه « شباط » بمدينة وجدة أفضل من الذي أنزل به « ابن كيران » بالرباط، متوهمين أن مسار النكوص قد أزف. لكن ما الذي جرى؟
آفاق تجاوز الأزمة
أكد جلالة الملك، مرة أخرى، أن الدستور يعلو ولا يعلى عليه، فعاد « شباط » وحزبه إلى الجادة، وأكدوا خروجهم من الحكومة مستندين إلى الفصل 47 من الدستور، فقدم خمسة من وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم إلى رئيس الحكومة، إلا وزير التربية الوطنية « محمد الوفا » الذي أبدى جرأة قوية في معارضة المسار الذي بدأ يرسمه « شباط » لحزب الاستقلال.
لقد قصد البلاغ الذي أصدره القصر الملكي(23/7/2013)، عقب قبول الملك استقالات وزراء الاستقلال، التأكيد على مقتضيات الدستور، إذ أشار إلى الوقت القانوني الذي يجيز لرئيس الحكومة بدأ مشاوراته مع الأحزاب لتعويض الوزراء المستقيلين، وفي حين حاول حزب « شباط » تبرير تأخر تقديم الاستقالات، ومن ثم رداءة قراءته للدستور، بأنه كان يمنح وقتا كافيا لرئيس الحكومة للتشاور من أجل تشكيل أغلبية جديدة!
إذن ما عسى أن تكون نتيجة المشاورات بعد كل ذلك؟ إن كل فاعل سياسي يحسن قراءة الوضع، ويتوفر على مؤهلات كمية ونوعية، سيجد في هذه التطوراتفرصة مناسبة لدخول الحكومة. لذلك تعامل « شباط » بدهاء، بعد تقديم وزراء الاستقلال استقالاتهم، حينما سارع لترتيب لقاء بـ »لشكر » يوم 17/07/2013 لتأمين بقاء الأخير في المعارضة، بخاصة إذا عُلم أن »لشكر » قد صرح بهوية جديدةللاتحاد الاشتراكيسماها الهوية « الإسلامية التنويرية العقلانية »، واشتهر بتقلب مواقفهكلما رأى في الأفق منصبا وزاريا!
ليس المهم من النسخة الثانية لحكومة بنكيران، طبيعة الأحزاب المضافة، ولا الهيكلة الجديدة، لكن المهم هو أن يخدم كل جديد فيها المسار القديم: تنزيل الدستور، انجاز الإصلاحات الكبرى (القضاءـ المقاصةـ التقاعد…)،وإذا تعذر الاستمرار في هذا المسار، فلا مناص من انتخابات مبكرة.
يبدو أن ما صرح به بنكيران يوم 03 يوليوز 2013 أمام مجلس المستشارين كان صحيحا، فالتحكم بدأ يفقد بعض المواقع، وبعد أن كان يحسم كل القرارات الكبرى لصالحه، بدأت تظهره الأحداث الأخيرة لا يحسن سوى التغرير والإغواء لإحداث نوع من التوازن مع تيار الإصلاح المتنامي.
صحيح لم ينته بعد التحكم، غير أن آلته بدأت تشهد أعطابا وتتلقى إصابات.
*مكلف بالإعلام والعلاقات العامة للحزب بجهة الشرق
Aucun commentaire