إضراب عام
إضراب عام !
بقلم د. محمد بالدوان
نفذ صبر النقابات، فالوضع الاجتماعي بلغ مدى لم يصله في أي وقت مضى. فعلا! كانت الحكومة مستفزة للنقابات حين رفعت معاش الأجير المتقاعد من 100 درهم إلى حد أدنى قدره 1000 درهم، ولم تكن موفقة حين مكنت العامل من حقه في التقاعد وإن لم يستوف 2340 يوما، وحين عقدت لقاء لجنة التقاعد تطويقا لأزمة صندوق التقاعد التي تهدد معاش ومعاد الأجراء، وكانت النقابات قد أهملتها منذ 2007. وكم كانت الحكومة في غاية الوقاحة حين ضمِنت للأجير حق كفالة والديه صحيا، ووسعت من التغطية الصحية على المرض لتشمل طب الأسنان، وخفضت من أثمنة زهاء 1500 دواء، وعممت نظام المساعدة الطبية على الفئات الهشة والعامل البسيط.
يبدو كل ما سبق ذكره من تدبير حكومي مستفزا للنقابات وجارح لكبريائها ومجهز على مكتسبات العمال والأجراء، غير أن ما طفح به الكيل وضاعف من حنق النقابات رفع الحكومة الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم، والزيادة من قيمة منحة الطلبة وتعميمها انطلاقا من موسم 2014-2015 !
!!!!!!!!!!!!
أرجو أن يقبل مني قارئ هذه السطور استغرابي واستنكاري سلوك النقابات إذا كانت منزعجة فعلا من هذه الانجازات الاجتماعية.
لا تبدو المسوغات التي ساقها « معشر النقابيين » مقنعة لتبرير إقدامهم على الدعوة إلى إضراب عام أو حتى إلى إضراب قطاعي. فلا انسداد لباب الحوار يُذكر، ولا نفس اجتماعي للحكومة يُنكر. فما الرهانات التي تؤطر سلوك النقابات حاليا؟ وهل يكتسي تشخيص النقابات للوضع الاجتماعي صبغتا الواقعية والمصداقية؟ وهل ستجد دعوة النقابات صدى في أوساط الشغيلة؟ وهل سينجح الاضراب العام إذا ما كتب له التنفيذ؟
لم يمض وقت طويل عن إعلان الاضراب العام حتى بدأت تتكشف غاياته ورهاناته. جاءت آخر صيحات النقابات الداعية إلى الاضراب العام يوم 29 أكتوبر 2014 لتؤكد بأنها عازمة على تنفيذ الاضراب، ولن يثنيها عن ذلك إلا تدخل الملك لإقالة رئيس الحكومة، أوتقديم رئيس الحكومة لاستقالته. ولعل المتابع يدرك اليوم من هذه المطالب غايات ما كان يتدواله خطاب المعارضة وبعض شبكاتها الفكرية والثقافية إزاء مسألة استقالة رئيس الحكومة، و »الأسباب الستة » أو العشرة التي تحول دون تقديم رئيس الحكومة استقالته.
ثم يدهش المراقب من طبيعة هذه المطالب، فكأن القوم صنعوا ملحمة تفوق اعتصام رابعة المصري ليرتقوا إلى مستوى هذه المطالب، ولم يستطع بعضهم بالكاد انجاح اضراب قطاعي قبل أسابيع. فما المحفزات الكامنة خلف تنظيم هذا الاضراب، وما موقع هذه المطالب ذات الطبيعة السياسية من مطالب تحسين الوضع الاجتماعي؟
لا ينبغي عزل دعوة الاضراب العام عن التطورات السياسية الجارية، لقد جاءت الدعوة بعد ثلاثية خطاب ملكي قطع الشك باليقين، واقتنعت بعدها النخب القديمة باستحالة استمرار عشوائيتها وامتيازاتها في المرحلة القادمة.
وأمام عجز هذه النخب عن مواكبة مغرب يتطور ويرنو إلى إدراك مراتب الدول الصاعدة، بل وخَلْفَ استشعارها بدنو محطات المحاسبة، ستعمد إلى قلب الطاولة والهروب إلى الأمام، فجاء الرد سريعا بعراك ضاري بين برلمانيين من كتلة المعارضة عقب خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية، ثم تبعه تفاعل سياسي أعلن انفجار الإضراب العام.
يستوقف المتابع وضع النقابات الضعيف والاخفاق في إضراب 23 شتنبر 2014، كيف يمكنها إنجاح إضراب عام وهي لم تفلح بإنجاح إضراب قطاعي؟ لا شك في أنها استشعرت حاجة أطراف أخرى إلى إشهار الاضراب رسالةً بوجه التقدم الديمقراطي والسياسي الذي بدأ يحرزه المغرب.
تعبر التصريحات الأخيرة لبعض القيادات النقابية بخصوص استقالة أو إقالة رئيس الحكومة عن الرهانات السياسية للإضراب العام، وما الحديث عن التقاعد إلا تغطية وفزاعة مرعبة، تنضاف إليها فزاعة الزيادة في سعر الخبز، ابتكرها مصممو الخطوة ضمانا للنجاح في توصيل رسالة سياسية قوية عبر الاضراب.
إن الثقة التي لا زال يتمتع بها رئيس الحكومة ووزراؤه، وفقا للاستطلاعات الأخيرة، لا تنبئ بنجاح الاضراب ورسائله السياسية، أما بخصوص تراجع الثقة في التدبير الحكومي فلا شك في أنه يعكس القلق الذي يعتري الناس قبل استقرار الوضع، واستكمال الاصلاحات وجني ثمارها سريعا. كما أن الوضعية التنظيمية للنقابات التي تمثل جزءا من المعارضة، وتراجع ثقة القواعد في أدائها، وتقهقر الثقة في المعارضة، يجعل من الصعب التكهن بإمضاء خطوة من حجم إضراب عام، وإن كتب لها النجاح فلا أجد تفسيرا واقعيا لذلك إلا بتدخل عفاريت الدولة العميقة.
قد يكون إضرابا عامّا، وقد يكون إضراب العامِ؛ ستبدي الأيام القليلة القادمة عما إذا كان إضارابا ناجحا له ما بعده، أو سيكون إضراب العام الذي ملأ ذكره وسائل الاعلام، فيكون كالجبل الذي تمخض فولد فأرا.
1 Comment
هل انت متأكد بما ذكر من زيادات هل تم تفعيلها انا من جهتي متاكد من متقاعد مازال يتقاضى اقل من 500 درهم يا سيد محمد