الحكمة من مشروعية الخطبة
الحكمة من مشروعية الخطبة
الحكمة من مشروعية الخطبة هو إعطاء فرصة كافية للمرأة و أهلها و أوليائها للسؤال عن الخاطب و التعرف على ما يهم المرأة و أهلها و أولياءهم معرفته من خصال الخاطب : مثل : تدينه و أخلاقه و سيرته و نحو ذلك. كما أن في التمهيد لعقد النكاح بالخطبة إظهارا و إعلانا لأهمية هذا العقد، و إشراك أهل المرأة فيه على نحو ما، مثل إبداء رأيهم بعد التحري عن الخاطب. و في الخطبة أيضا فرصة للخاطب ليعرف عن المرأة ما لم يعرفه عنها من قبل
الخطبة، ذلك أن الرجل و إن كان يقوم – عادة – بالسؤال عن المرأة و أهلها فإنه قد يفوته شيء عن المرأة و أخلاقها و طباعها ، و أخلاق و طباع أهلها. فإذا قام بخطبتها عن طريق إرسال بعض أهله- و يكونون عادة من النساء- فقد يعرفون من المرأة و أهلها ما لم يعرفه الخاطب منها و منهم . و قد يؤدي كل ذلك من قبله ، أو من قبل المرأة و أهلها إلى عدم المضي بإجراء عقد النكاح، فيرجع الخاطب عن خطبته، أو ترفض المرأة أو أهلها قبول خطبة الخاطب. »1
ثم إن اختيار شريك الحياة أكثر الاختيارات أهمية على الإطلاق ، ومن استطاع أن يختار شريكه اختيارا سليما استطاع أن يحقق خطوة هامة في سبيل تحقيق سعادته المنشودة. و قد شرع الإسلام الخطبة إيذانا بالرغبة يباح معها اختيار صفات شريك الحياة بشرط عدم الخلوة . لذا كان من المنطقي أن يضم الإسلام – الحريص على سعادة الإنسان – منهجا يتم وفقه اختيار شريك الحياة اختيارا سليما، و قد أثبتت التجارب و الخبرات أنه على قدر قرب الاختيار أو بعده من هذا المنهج ، يكون مقدار النجاح أو الفشل في الحياة الزوجية. و أسس هذا المنهج الاختياري عديدة و متشعبة، و لكن أهم معالم هذا المنهج على وجه الإجمال تتمثل في ضرورة تعرف كل من الطرفين على الآخر، حتى يتمكنا معا من معرفة ما إذا كان كل منهما يتوافق مع الآخر أم لا . و أهم معيار لتحقيق الانسجام و الاستقرار هو التوافق في المبادئ و القيم و الاتجاهات و الأفكار، و الطبيعة و المزاج و الرغبات و الميول، و في النظر إلى الحياة بوجه عام « 2. فمن مصلحة كلا الطرفين أن يرتبط بمن هو على شاكلته لأن الحياة الزوجية تنال من نصيبها من السعادة و الهناء على قدر ما بين الزوجين من تكافؤ
و توافق و اتساق . قال عليه الصلاة و السلام: » الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف « 3
إذن حكمة مشروعية الخطبة تظهر في أنه لما كان النكاح أمرا خطيرا و ميثاقا غليظا ، كان لا بد للشارع أن يجعل له مقدمات تيسر أمره و إتمامه ، فشرع له الخطبة وأباح النظر إلى المخطوبة ليكون ذلك بمثابة مقدمة للزواج ، فيها يتعرف كل من الزوجين على الآخر مختبرا طباعه و أخلاقه و ثقافته و عقليته ، و إذا كان بالإمكان الانسجام معه أم لا. و أيضا لأن الغرض من الزواج هو العشرة الطيبة الدائمة بين الزوجين طلبا للذرية الصالحة
و التعاون على الحياة في مختلف شؤونها ، و تدوم العشرة ، و يعم الصفاء، و يشيع الوفاق . و لذلك كان من الضروري أن يمهد لذلك العقد بمقدمات و مراحل حتى إذا تم اجتيازها يأتي بعد ذلك القيام بمراسم العقد « 1
و لما كان المقصود من الزواج دوام العشرة بين الزوجين، و تكوين الأسرة، كان لا بد لكل من الرجل و المرأة قبل إتمام الزواج أن يجد في البحث و يحسن الاختيار، ويتحسس مواطن الخير فيمن يرغب في الارتباط به، فإذا وصل إلى قناعة كان لا بد من موافقة الطرف الثاني قبل الخوض في موضوع العقد، و للاستعداد لإجراءات العقد و مراسم الزفاف التي جرى بها العرف إذا ما حصل الرضا و الموافقة « 2
و أهم ما شرعت له الخطبة أنها تتيح لكل من الطرفين أن يتعرف على الآخر و يعلم منه و عنه أكثر ما يستطيع، حتى إذا رأى فيه ما يحبب إليه الارتباط أقدم و هو مطمئن إلى أن عشرتهما ستدوم ، و متفائل بحياة زوجية هانئة.
و الكثير من الدراسات الاجتماعية الحديثة تؤكد على أهمية المعرفة بين الزوج و زوجته قبل
الزواج . و لا يقصد بالمعرفة هنا تلك المعرفة القائمة على التفاعل الشخصي، و ما يترتب
عليه من تنمية فهم متبادل و تكيف بين الطرفين فقط ، وإنما أيضا على المعرفة السطحية التي تتم بسؤال الأقارب و المجاورين للتعرف على العادات و الطباع و سائر الأحوال الخلقية ، و بمقابلة كل منهما للآخر و التعرف عليه ذاتا للاطمئنان إلى الحالة الجسمية و الصحية من طول و قصر و جمال…الخ « 1
Aucun commentaire