الحرب المفهومية ذات الصلة بالأسرة
الحرب المفهومية ذات الصلة بالأسرة
كثرت في الآونة الأخيرة المفاهيم المنحرفة، أو على الأصح المفاهيم المحرّفة، وهي المفاهيم التي نراها تأتي في سياق الهجمة الشرسة على الأمة العربية الإسلامية، هذه الهجمة التي وصفت من بعض الكتاب والمفكرين العرب بالحرب المصطلحية، ومن البعض الآخر بالحرب الفلسفيةكما وصفت بالحرب المفهومية ، وبالمعركة المصطلحية – وعلى الوصف الأخير- فهي معركة حمي وطيسها واشتد وقعها في السنوات الأخيرة، والتي تدخل في صراع الحضارات، أو صدام الحضارات الذي نظّر له صموئيل هنتنغتون، هذا الصراع الحضاري أو الصدام الفكري-الذي يترأف البعض ويتلطف فيسميه التواصل الحضاري، أو الحوار الحضاري- اتخذ في السنوات الأخيرة أشكالا متعددة أهمها الشكل المصطلحي، فكانت الحضارة المهاجمة توظف ترسانة من المفاهيم المحرفة، أي التي حرفت بقصد من فلاسفتهم، و مفكريهم، ومنظريهم لإيمانهم بفعالية تحريف المفاهيم في التأثير على المجتمعات العربية وتضليلها، وأثر ذلك على تحريف السلوك الفردي والجماعي، ولأنهم يدركون أنه إذا حرّفت المفاهيم سهل تحريف السلوك، وإذا نجحوا في تحريف المفاهيم و السلوكات سهل عليهم تقويض هذه الأمة، وفي ذلك كل الخطر.
و استشعارا بخطورة هذه المفاهيم المحرفة تيقن الكثيرمنا أن هناك جهودا مبذولة من قبلهم
في تحريفنا، أو في تحريف المفاهيم الموجهة إلينا، » لأن السلوكات البشرية تابعة للمفاهيم فتصحيح المفهوم و إصلاحه في الذهن يساعد على تصحيح الممارسة و السلوك و إصلاحهما في الواقع الحي.فالمفهوم الأعمى ينتج ممارسة عمياء بالتأكيد. »1
هذه التحريفات للمفاهيم قد كثرت كثرة مريبة في الآونة الأخيرة، بسبب الجهود المبذولة والحروب المعلنة على هذه الأمة، يقول الدكتور صبح :« إنه ليس حربا ضد اللغة العربية و إنما هو حرب ضد الإسلام و أمة المسلمين »2
فقد أمطرونا بعشرات المصطلحات الموجهة عن طريق الأقمار الصناعية إلى جسد هذه الأمة تريد تدميرها، وهي مفاهيم لا تقل خطرا عن الصواريخ – فإذا كانت الصواريخ تزهق الأرواح، وتدمر البنى التحتية ، فإن المفاهيم الموجهة تضلل المجتمع وتفككه وتخربه بما تبثه من أفكار ومفاهيم مضللة تعمل على تفتيت البنى الاجتماعية، والعلاقات العائلية والروابط الأسرية، وأدرك الغرب أن الهجمات الصريحة التي تحمل الصبغة العدوانية تجاه الإسلام أو المسلمين أو المرأة تحديدًا ونظام الأسرة؛ ليست على قدر المستوى من النجاح الذي تأتي به الأساليب الملتوية التي تلعب من وراء الكواليس، وتلبس لباس الحق في الوقت الذي تتلبس فيه بالباطل من داخلها، فعمدت إلى مصطلحات خدّاعة تخفي في طياتها حية رقطاء تنفث سُمًّا في الدسم. وقد استشعر غير واحد من الباحثين خطورة تحريف المفاهيم وتبنيها دون مناقشة . يقول سعد الدين العثماني : « إن صدمة التغريب أحدثت اضطرابا كبيرا في مفاهيمنا لأن نصفها مستمد من أعرافنا و النصف الآخر مستورد من الغرب و حين أردنا أن نزاوج بين ذلك فشلنا »3
و يقول الدكتور مصطفى بن حمزة مبرزا مكمن هذه الخطورة : » و إذا كان هذا المشروع
الساعي إلى التغيير على المستوى اللغوي لم يحظ بالنقاش الذي يساوي أهميته و خطورته فليس ذلك إلا لاعتماد أصحابه أسلوب التخفي و الاستتار من جهة ، و لانخفاض درجة الوعي بأهمية اللغة و ارتباطها بالهوية ، و للاستهانة بقدرة الكلمة على تشكيل الوعي و على تثبيت القيم في المجتمع الذي تروج فيه من جهة أخرى. و هذا ما جعل مجال التداول محدودا مقتصرا على الفئة المثقفة المدركة لأبعاد و مرامي إرادة التغيير. »1
و في نفس السياق تقول بسيمة الحقاوي : » وإضافة إلى الحجر على اللغة في التعبير بعمقها العقديوالحضاري تمت المطالبة بمصادرة بعض المصطلحات بترجمتها بأدوات ثقافية من خارجاللغة »2
إن آخر حصون الأمة ومعاقلها وهي الأسرة باتت مستهدفة وأن الأمم المتحدة هي من يتولى عملية صياغة وتمرير هذه المفاهيم عبر لجانها أو عبر بعض مؤسسات التمويل الأجنبي.
و بما أنه ليس بالإمكان تعقب الكثير من الكلمات التي ناهضها مشروع التغيير أو الكلمات التي دعا إلى تثبيتها ، أو حتى الكلمات التي قام بترجمتها بأدوات ثقافية من خارج اللغة فإني سأقتصر ـ في مقالات قادمة إن شاء الله ـ على الوقوف عند البعض منها بما يسمح به المقام.
Aucun commentaire