أبغض الحلال إلى الله
أبغض الحلال إلى الله:
تعد مؤسسة الزواج في الإسلام من أسمى المؤسسات ، ولهذا يعتبر عقد الزواجمن أقدس العقود ، و قد سماه الله سبحانه و تعالى ميثاقا غليظا. واعتبرته المدونة في المادة الرابعة بأنه » ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام « 1وكلما وردت كلمة ميثاق داخل القران الكريم إلا و تعلق الأمر بأمر عظيم تتعلق أهميته بتحديد مسار الإنسانية في إحدى لحظاتها التاريخية الحاسمة .فلفظة ميثاق » قوية في حمولتها الدلالية و في وقعها العملي و لذلك فهي تعني : عقدا مؤكدا مبنيا على عهد و يمين ، و غير قابل للنقض « 2
غير أن الغاية من هذا الميثاق المقدس قد ينتابها نوع من الفتور ، فتتنافر القلوب ويستحكم النشوز لدرجة يستحيل معه استمرار حبل المودة بين الزوجين وفي هذه الحالة يصبح سريان هذا الميثاق نقمة على الأسرة بأجمعها ، مما يفسح المجال أمام خيار حل عقدة النكاح كضرورة لا غنى عنها.
فما مشروعية الطلاق في الشريعة الإسلامية ، و ما الشبهات المثارة حول أحكامه ، و ما الجديد الذي جاءت به المدونة في هذا الشأن؟
1 ـ الطلاق لغة و اصطلاحا :
تدل مفردة الطلاق في اللغة على فك القيد، وإطلاق صراح المربوط، وإرساله، وجعله يفارق القيد أو السجن. جاء في لسان العرب: » طلّق البلاد تركها ، و الطالق من الإبل التي طلقت في المرعى ، و قيل هي التي لا قيد عليها » 3 و جاء في الصحاح : » أطلقت الأسير أي خليته ، و أطلقت الناقة من عقالها ، و الطليق الأسير الذي أطلق عنه إساره و خلي سبيله » 4 و إذا علمت ذلك فإنه يتضح لك » أن اللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح كما تستعمله في حل القيد الحسي . » 5 و تعني في الدلالة اليومية، مفارقة الزوج لزوجته
1- المادة 4 من مدونة الأسرة
2- سعادة الأسرة – ص 47- مرجع سابق
3- لسان العرب – ج10- ص 226- مادة طلق- ابن منظور- دار صادر – ط 1990م
4- الصحاح : تاج اللغة و صحاح العربية – ج4- ص 1518- مادة طلق- إسماعيل بن حماد الجوهري – تحقيق عبد الغفور عطار – دار العلم للملايين – ط4- 1990م
5- الفقه على المذاهب الأربعة – ج 4- ص 211- مرجع سابق
وانفصاله عنها. أما في الاصطلاح الشرعي والقانوني، فإن مفهوم الطلاق، يقصد به حل رابطة الزوجية الشرعية، من طرف الزوج، و الطلاق هو قصد، ونية، وقول، وفعل. يصدر من الزوج العاقل، الكامل الوعي، والحرية. هذه الأركان مترابطة، ويتوقف بعضها على البعض، ولا يمكن الفصل بينها، وهي شرط ضروري لكل طلاق. و قد عرف الطلاق في الاصطلاح » بأنه إزالة النكاح أو نقصان حلّه بلفظ مخصوص، و معنى إزالة النكاح رفع العقد بحيث لا تحل له الزوجة بعد ذلك و هذا فيما طلقها ثلاثا و قوله : أو نقصان حلّه معناه نقص عن الطلاق الذي يترتب عليه نقص حل الزوجة و هذا كما إذا طلقها طلقة رجعية فإنها تنقص حلها « 1 واستحضارا لمبدأ المساواة بين الجنسين عرّفت مدونة الأسرة المغربية الطلاق بقولها: « الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل حسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة » 2
2 ـ مشروعية الطلاق في الإسلام :
إن الإسلام حينما أباح الطلاق إنما وافق بذلك الفطرة السليمة بجعله حلاً لمشكلة اجتماعية قد تحصل بوجود خلاف وعدم التئام بين الزوجين ، ولنا أن نتصور كيف تكون الحال لو أن الطلاق كان ممنوعا أو محرّما ، إن الحياة بين هذين الزوجين ستكون جحيماً لا يطاق . والطلاق ظاهرة اجتماعية، عامة عرفته كل المجتمعات، و أقرته كل الديانات. ولقد أباحه الإسلام مع الكراهية، وطبقا لقاعدة أخف الضررين. فلا يلجأ إليه المسلم إلا عندما يتعذر استمرار الحياة الزوجية. فهو شر لا بد منه كما يقال. ثم إنه لا يكون حتما آخر الدنيا وفناؤها بالطلاق. بل قد يكون مفتاح سعادة، وتجديد حياة. وصدق الله العظيم إذ يقول:
1- الفقه على المذاهب الأربعة – ج 4- ص 211 – مرجع سابق
2- المادة 78 من مدونة الأسرة
﴿ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته. ﴾ 1 ولقد نفّر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: » ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق »2.
يقول الشيخ محمود شلتوت : »و إنما شرعه – على بغض له- علاجا للحياة الزوجية نفسها و جعله على وضع يمكّن الزوجين من مراجعة أنفسهما و تدبر عاقبة أمرهما، و أمر ما قد يكون بينهما من أبناء و شؤون ، تحملهما على شدة التبصر في الأمر ، و إعادة المياه إلى مجاريها »3 و يقول ابن عابدين في حاشيته : » و أما الطلاق فإن الأصل فيه الحظر، بمعنى أنه محظورإلا لعارض يبيحه، و هو معنى قولهم: الأصل فيه الحظر و الإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقا و سفاهة و مجرد كفران بالنعمة، و إخلاص الإيذاء بها و بأهلها و أولادها و لهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الأخلاق و عروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى. »4
شرع الإسلام الطلاق- على كراهته – كمنفذ أخير لحل مشكلات الأسرة متى تفاقمت هذه المشكلات و استعصت على الحل و امتنعت على كل جهود التوفيق و الإصلاح و التحكيم . فالإسلام إذ أباح الطلاق فإنما جعله استثناء من القاعدة . و الطلاق في المنظور الإسلامي هو فصم عرى الأسرة و هو هدم لها و تصديع لبنيانها و تمزيق لشمل أفرادها.
و مع ذلك فقد أجازه الإسلام دفعا لضرر أكبر و تحقيقا لمصلحة أكبر، ألا و هي التفريق بين متباغضين من الخير أن يتفرقا لأن الشقاق و النزاع بينهما قد استحكم، و الخلاف قد تفاقم بما يحول دون استمرار الحياة الزوجية وفقا للمبادئ و الأسس التي رسمها الإسلام من الحب و الوفاء و الهدوء و الاستقرار و المودة و الرحمة و السكن لا التنافر و الخصام
1- النساء/ 129
2- سنن أبي داود – ج2 – ص 631 – كتاب الطلاق – باب في كراهية الطلاق- حديث:2177- تحقيق عزت عبيد الدعاس ـ دار الحديث- حمص – سوريا- ط1- 1389هـ/ 1969م
3- الإسلام عقيدة و شريعة – ص 173- مرجع سابق
4- حاشيته ابن عابدين – ج2- ص416 – مرجع سابق
والبغضاء . فالطلاق – و إن كان أبغض الحلال إلى الله – يبقى حلالا و خاصة عندما تغدو الحياة جحيما بين الزوجين.
و الخلاصة إن الشارع الحكيم قيّد طلاق الزوج بقيود تجعله بأضيق حدوده ، ولم يحرم الزوجة من هذا الحق ، » فلها أن تشترط أو أن تكون عصمتها بيدها أثناء عقد الزواج و إذا لم يكن لها ذلك و تعكّرت الحياة الزوجية فلها أن تطلب منه المخالعة ، و عليه تلبية طلبها بعد بذل الجهد للإبقاء على الحياة الزوجية، و هكذا نجد أن كلا من الزوجين يملك حق الطلاق بإرادته المنفردة و لكل منهما أيضا أن يطلب الطلاق من القاضي إذا ساءت العشرة الزوجية بينهما و تعذر الوصول إلى نتيجة سليمة لدى الحكمين »1
فلا استبداد إذن من جانب الرجل في أمر الطلاق و لا حرمان للمرأة من هذا الحق، فكل منهما يمارس حق الطلاق ضمن حدود الشرع.
فالأصل في الطلاق الحظر و قد بين القرآن علاج نشوز أحد الزوجين ، و طرق التحكيم بينهما ، و جعل الطلاق رجعيا ، و فرض العدة لاستئناف الحياة الزوجية ، و أحاط هذا كله بالعطف و الرعاية بين الزوجين ، لا يمكن أن تنسجم مع هذه المبادئ الصريحة تسهيل وقوع الطلاق بأي لفظ و في أي وقت و على أي شكل بل يجب أن تكون جميع الأحكام منسجمة مع الروح التي دعا إليها القرآن و السنة من جعل أبغض الحلال إلى الله الطلاق »2
ثم إنه شرع « من الوسائل الإصلاحية المتعددة ما يعيد المياه إلى مجاريها و السلام إلى الطرفين ، و شرع الطلاق آخر الحلول و صمام أمان للحياة الزوجية حين تفشل جميع الوسائل و الحلول « 3
رغب الإسلام في الصلح بين الزوجين أملا في إيجاد الحل لمشاكلهما قبل البتِّ في الطلاق. يقول تعالى:﴿ فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ 4
1- نظام الأسرة و حل مشكلاتها في ضوء الإسلام- ص160- مرجع سابق
2- نفسه – ص 131
3- بناء الأسرة المسلمة في ضوء القرآن و السنة- ص 309- مرجع سابق
4- النساء/ 35
و نلاحظ أن الآية الكريمة ذكرت نية الإصلاح فقط مع أن الحكمين مخولان بالإصلاح أو التفريق إن وجدا ذلك أفضل للزوجين ليبين سبحانه أن هذه النية هي التي ينبغي أن تكون الغالبة على الحكمين. و ختم الله سبحانه و تعالى بقوله : ﴿ إن الله كان عليما خبيرا﴾ يعلم كيف يوفق بين المختلفين و يجمع بين المتفرقين : ﴿ لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم و لكن الله ألف بينهم﴾ 1 » أي مطلعا على البواطن و من ضمنها نيات الحكمين إن كان يريدا إصلاحا أو غير ذلك ، و في هذا إشارة إلى ضرورة إصلاح النوايا ، لأنه سبحانه مطلع عليها. »2
فالطلاق في الإسلام « لا يتم إلا بعد استنفاذ جميع المبادرات الرامية إلى الإصلاح بين الزوجين بحيث لم يبق من حل بعد تعذر الإمساك بمعروف إلا التسريح بإحسان. »3
و بخلاف ما تضمنه خطاب الله سبحانه و تعالى للحكام من تحديد للجهة التي توكل إليها مسؤولية المشاركة في تحقيق الصلح الأسري ، عند حدوث شقاق بين الزوجين و المتمثلة في حكمين ، حكم من أهل الزوج و حكم من أهل الزوجة ، » فإن مدونة الأسرة فتحت المجال واسعا أمام القضاء لاختيار إما حكمين يقومان ببذل جهدهما في استقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين و التقريب بينهما ، و إما انتداب مجلس العائلة كإطار مؤسساتي أنيطت به مهام التحكيم الأسري لإصلاح ذات البين ، بل يمكن للمحكمة صرف النظر عن الحكمين و مجلس العائلة و الاستعانة بأي شخص أو جهة أخرى تراها مؤهلة لتحقيق المصالحة بين الزوجين. »4
1- الأنفال/ 64
2- الشقاق و النزاع بين الزوجين من منظور قرآني- ص 24- مرجع سابق
3- مسطرة الشقاق في ظل مدونة الأسرة- ص 175- مرجع سابق
4- مدونة الأسرة بين النص و الممارسة- ص 130- مرجع سابق
إن المشرع المغربي لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينهادون الأخرى ولم يرتب أفضلية في ذلك وإنما أعطى للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أيمؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك إلى أبعد الحدود وفتح المجال لكل منيراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح ورأب الصدع عامة وفضفاضة بالمادة 113من المدونة.
Aucun commentaire