الجهات التي تعترض على حق الأحزاب الإسلامية في الحكم بعد الفوز في الانتخابات جهات مصرة على خراب بلاد الربيع العربي
الجهات التي تعترض على حق الأحزاب الإسلامية في الحكم بعد الفوز في الانتخابات جهات مصرة على خراب بلاد الربيع العربي
محمد شركي
لم يحدث في تاريخ العالم بأسره أن فازت فيه أحزاب ملتزمة ومحترمة لقواعد اللعبة الديمقراطية ثم رفض فوزها من طرف جهة من الجهات . وخلافا لهذه القاعدة التي لم تخرق من قبل قامت دنيا بعض الجهات ولم تقعد في بلاد الربيع العربي التي فازت فيها أحزاب إسلامية بالانتخابات . ومع أن هذه الأحزاب الإسلامية في بلاد الربيع العربي قد قبلت والتزمت بقواعد اللعبة الديمقراطية المتعارف عليها دوليا ، فإن فوزرها لم يرض بعض الجهات التي جندت كل طاقاتها من أجل إلغائه هذا بكل الطرق والوسائل . ويمكن حصر هذه الجهات في تيارين رئيسيين : تيار فلول الأنظمة الساقطة ، وتيار العلمانية التي خسرت رهان الانتخابات لزهد شعوب بلاد الربيع العربي فيها نظرا لغرابة إيديولوجيتها عن هوية هذه الشعوب . ففي مصر نجد التيار الرافض لفوز حزب الإخوان المسلمين هو تيار فلول النظام المنهار ، بينما نجد في تونس والمغرب التيار الرافض لفوز حزب النهضة وحزب العدالة والتنمية هو تيار العلمانية. ولقد أصر التياران الرافضان لفوز الأحزاب الإسلامية في بلاد الربيع العربي على عدم السماح لهذه الأحزاب بالتقدم قيد أنملة في طريق ممارسة حقها الذي يخوله لها فوزها المستحق في الانتخابات، والذي حسمت فيه صناديق الاقتراع . ومعلوم أن تيار فلول الأنظمة الساقطة هو التيار الذي كان يعتمد عليه من أجل تكريس الفساد والإفساد ، وهو الذي وظف لقمع ثورات الربيع العربي . ولما انتصرت الثورات المباركة تحول تيار فلول النظام النافق في مصر إلى تيار معارض لحزب الإخوان ، بينما ناب تيار العلمانية في تونس عن تيار الفلول للقيام بدور معارضة حزب النهضة . ومعلوم أن العلمانية سواء في مصر أم في تونس كانت على صلة مع النظامين السابقين خصوصا عندما يتعلق الأمر بتضييق النظامين الخناق على التيارات والأحزاب السياسية الإسلامية . ولقد كانت ظروف الحياة في ظل النظامين النافقين في مصر وتونس لفائدة العلمانيين إذ لم يكن هؤلاء محرومين مما يتناسب وإيديولوجيتهم المخالفة للهوية الدينية للأمتين المصرية والتونسية ، وهذا ما جعل بعض العلمانيين يفضل زمن النظام المنهار في تونس على فترة فوز الإسلاميين، مع أن هؤلاء الإسلاميين ما زالوا لم يباشروا بعد حكم البلاد . والملاحظ في تونس والمغرب على اعتبار أن هذا الأخير عرف ربيعا مختلفا من حيث الصيغة عن ربيع مصر وتونس أن العلمانية فيهما ازداد كرهها للإسلاميين شدة وشراسة ، وصار شغلها الشاغل هو الحزبين الإسلاميين الفائزين في الانتخابات، وكأنهما قد وصلا إلى ممارسة الحكم عن طريق انقلاب عسكري دموي لا عن طريق صناديق الاقتراع .وصارت مؤامرات العلمانيين ضد الحزبين الإسلاميين في تونس والمغرب مكشوفة ومبتذلة حيث لا يصدر قول أو فعل عن الحزبين الإسلاميين إلا وتلقفه تيار العلمانية بالنقد والتجريح والتخوين والاتهام بشكل مبالغ فيه يعكس الحقد الأسود على ما له علاقة بالإسلام . والغريب أن تيار الفلول والتيار العلماني في بلاد الربيع العربي يتحدث بجد عن الرغبة في مصادرة حق الأحزاب الإسلامية في الحكم بعد فوزها دون أن يفكر في أن ذلك يعني الإجهاز على اللعبة الديمقراطية التي طالما تغنى بها التيار العلماني على وجه الخصوص .
وعلينا أن نتصور سيناريو إجهاز تيار الفلول والتيار العلماني على نتائج اللعبة الديمقراطية ، فهل يعتقد هذان التياران أن الأمور ستسير سيرا عاديا بعد الإجهاز على هذه النتائج ؟ ألا يفكر هذان التياران في أن الإجهاز على نتائج اللعبة الديمقراطية عبارة عن لعبة خطيرة تعني الفوضى العارمة التي لا نهاية لها ـ لا قدر الله ـ فهل ينتظر تيار الفلول ، والتيار العلماني من الإسلاميين التخلي لهما عن الأمور والانصراف إلى المساجد والزوايا للذكر والاعتكاف ؟ إن منتهى الحماقة والسفاهة أن يحلم تيار الفلول بالعودة بعد سقوط الأنظمة النافقة التي كانت تمكنه من الريع ، أو يحلم تيار العلمانية بالاستفادة مما لم يحققه عن طريق المشاركة في اللعبة الديمقراطية . إن ما يخطط له تيار الفلول في مصر أو تيار العلمانية في تونس والمغرب عبارة عن مؤامرة خطيرة مدبرة من أعداء بلاد الربيع العربي الخارجيين الذين كانوا يستفيدون من خدمات الأنظمة النافقة ، وصارت مصالحهم مهددة أو في حكم المهددة بسبب وصول الأحزاب الإسلامية إلى مراكز صنع القرار ، لهذا وجدوا في تيار الفلول وتيار العلمانية الأدوات الطيعة من أجل الإجهاز على الأحزاب الإسلامية . فمتى كان القصر الرئاسي يرمى بالمولتوف في فترة حكم رئاسات إما انقلابية وإما عن طريق انتخابات مطبوخة بنسبة مثيرة للسخرية ، وهي نسبة 99٪ مع توصية بوارثة الابن للأب ؟ ومتى كان رئيس الحكومة ينهش من طرف المعارضة العلمانية صراحة وضمنا نهش كلاب ضارية ودون أدنى احترام وبوقاحة وفجاجة كلما دخل قاعة البرلمان كما هو حال رئيس الحكومة المغربي الحالي ؟ أليس كل ذلك دليل على مدى كراهية تيار الفلول ، وتيار العلمانية للأحزاب الإسلامية ؟ ألا يعني ذلك أن التيارين معا مسخران من طرف الجهات الأجنبية التي كانت تستفيد من وضعية بلاد الربيع العربي قبل أن يزهر ربيعها ؟ ولقد باتت خطة الفلول والعلمانية من أجل استفزاز الإسلاميين في بلاد الربيع العربي مكشوفة لجرهم إلى الصدام ، لأن من مصلحة الفلول والعلمانية أن يلصقوا تهمة العنف بالإسلاميين ، وهي تهمة ارتزقت بها مدة طويلة الأنظمة النافقة ، كما ارتزقت بها العلمانية وارتزقت بها الجهات الأجنبية التي اتخذتها ذريعة من أجل حركة استعمارية جديدة في القرن الواحد والعشرين لحل مشاكلها الاقتصادية المستعصية على حساب بلاد العرب والإسلام ، وهو أمر لم يعد يخفى حتى على صبية بلاد العرب والإسلام . ألا يجدر بكل الجهات في الداخل والخارج التي تكن الكراهية والعداء للإسلاميين وتبغضهم أن تمهلهم على الأقل حتى يستكملوا ويستوفوا مدتهم في الحكم والتدبير التي خولها لهم فوزهم المستحق بعد المشاركة في اللعبة الديمقراطية ؟ فهل تخشى هذه الجهات أن ينجح تدبير الإسلاميين ، فيكون ذلك بمثابة حكم إعدام ينفذ فيها ، لهذا تسعى جاهدة من أجل منع كل بارقة نجاح في تدبير هؤلاء الإسلاميين ؟
Aucun commentaire