إصلاح نسق التربية والتعليم ليس المهم حجم الميزانيات لكن المهم حسن تدبيرها
محمد مـامـو
مفتش التوجيه التربوي
نيابة اليوسفية
mammd70@gmail.com
رُصد لقطاع التربية والتعليم مزانيات معتبرة خلال ما أُطلق عليه « عشرية التربية والتكوين » أو عشرية الإصلاح، أثناء عملية « أجرأة ميثاق التربية والتكوين »؛ وأُعْتُبرت وقتها قضية إصلاح المنظومة « القضية الثانية بعد مسألة الوحدة الترابية؛ دلالة على الأولوية المفترضة والمتخيلة للتعليم في رأي الدولة، وامتدت عمليات المعالجة والإصلاح « الجاد والدؤوب » لإعويججات واختلالات « القضية الثانية » طيلة ما يناهز عشر سنوات من عام 1999 إلى عام 2009، سنة بعد سنة، لكل سنة ميزانيتها الدسمة، والتي مثلت نسبة هامة من الميزانية العامة مقارنة مع بلدان مثيلة (تونس، الأردن وغيرهما)؛ لنكتشف بعدها أن مجهودات العشرية خارت وانهارت صريعة على أبواب « سكتة قلبية » تطلب معها التدخل « استعجالينا » بما سمي حينها « النفس الجديد » ورغم انه مجرد نفس (souffle) فقد رصد له « جبل من المال العام » ولكن دون جدوى، دام « النفس الشهير » ثلاثة سنوات طوال لكنها عجاف، ليتمخض هذا الجبل ويلد فأرا؛ فالبنية التحتية هي هي، نقص على مستوى العرض الذي كان ولا يزال لا يستجيب للطلب المتنامي، رغم أن الهذر المدرسي يعصف بحوالي نصف مليون تلميذ سنويا، ولولاه لكانت الطامة اكبر، حيث سترْنا عيوبا بعيب ربما كان أقبح، بالإضافة إلى نقص في الموارد البشرية تفاقم جراء استنزافها واستغلالها من طرف القطاع الخاص، مع سوء توزيعها وانتشارها غير المتكافئ، أما الجودة أو ما يطلق عليه « المردودية الداخلية » للمنظومة فحدث ولا حرج؛ إذن أفَلَ « النفس الجديد » وأبتْ الاختلالات السابقة أو « العاهات المستدامة » (بفتح الدال ربما لقصديتها)، ابتْ هذه الأعطاب إلا أن تظل عصية عن التبخر، « لاصقة » مكابِرة، معانِدة، شاخِصة العينين، تُحيّنا كل صباح رغم انفنا، هذا إن كان لنا انف غير مختل الوظيفة، يشم ليتستشعر رائحة عطن هذه الاختلالات العفنة، بعد هذا « النفس ورثت الوزارة الوصية في حلتها الجديدة ولباسها « الربيعي » المختلف حول تناسق ألوانه وجرعة « ربيعيته » وضعا صعبا، وعلى أية حال وكما يبدو كانت بداية السلطة الوصية « قوية » جريئة، اصطدمت جرأتها بغير قليل من العقبات و »اللوبيات » الذاتية والموضوعية، وعلى منوال « العشرية » و »النفس » السالف الذكر، أعلنت مشروع إصلاحها وخصصت له ميزانية يبدو أنها هي الأخرى معتبرة، لكن لتواجه نفس الاختلالات السابقة المكابرة المعاندة « المستدامة »، إي نفس الأزمة، لكن بمال جديد طبعا، نسأل من لا يحمد على مكروه سواه أن لا يذهب هو الآخر سدى، تتجدد الميزانيات إذن لكن الاختلالات هي هي: البنية التحتية، الموارد البشرية والجودة، وهذه لعمري قمة الغرابة فرغم وفرة « المال » إلا أن دار لقمان تضل دوما على حالها، التي وبكل أمل نتمنى أن تتغير هذه المرة و أن لا « تسلم الجرة في كل مرة ». وأي جرة؟ جرة الفساد طبعا؛ وإذ نحي هذا « الحزم وتلك « الجرأة » نهمس قائلين إن هذه الجرأة تحتاج إلى أن تكون مؤسساتية (institutionnalisé). تواجه الفساد المنظم جيدا بإجراءات هي الأخرى منظمة بشكل جيد ومفكر فيها مسبقا، لا تكون عبارة عن ردود أفعال أو تتبع منطق « إطفائي » بل استباقية توظف تجربة ومهارة كوادر الوزارة المستعدة للعمل وهم كثُر، وتفعل آليات وأدوات وبنيات التتبع والتقويم والافتحاص والمراقبة بشكل منتظم ومؤسسي يتجاوز الممارسة التقليدية والموسمية لمهام التفتيش والتتبع التي تعاني من الاختزال وعدم الشمولية وتتسم غالبا بالانطباعية والذاتية والقصور في النجاعة والفاعلية، لأسباب معظمها إداري، إن الوزارة الوصية كانت صائبة عندما بادرت باكرا إلى تقويم وافتحاص تنفيذ مشاريع البرنامج ألاستعجالي ورغم أن هذه العملية شابها بعض الخدش على مستوى السيرورة ومرحلة اتخاذ القرار، إلا أنها خطوة جبارة تحسب لها، وتؤسس لنمط جديد في مباشرة السلطة التربوية على مختلف مستوياتها المحلي والجهوي والمركزي « نتمنى ذلك »، حيث إن التقويم والافتحاص أسلوب فعال وموضوعي من أساليب الحكامة يتضمن – وكما يعلم الجميع- محطات ثلاث أساسيات أولها: القياس، ثانيها: إصدار حكم قيمة على الفعل المقاس، ثالثها: اتخاذ قرار الإصلاح والتعديل والتصحيح؛ والمحطة الأخيرة هي أهم ما في الفعل التقويمي، وإلا فان كل الجهود والأموال التي وظفت في عملية التقويم جلها، تكون قد ضاعت هباء منثورا.
بناء على ما سبق وتبعا لنتائج عملية افتحاص وتقويم تنفيذ مشاريع البرنامج ألاستعجالي، التي تولتها المفتشية العامة للوزارة وشارك فيها المفتشون جهويا ومحليا وهو نوع من الاكتشاف المتأخر لأحد أهم هيآت الوزارة غير المفعلة بما يلزم، العاطلة أو المعطلة عن تأدية مهامها كما ينبغي في الرقابة والتتبع والتقويم والافتحاص والتأطير وغيرها؛ على أية حال أبانت عملية الافتحاص والتقويم هذه، وكما يعلم الجميع وكما أعلنت عنه الوزارة الوصية في حينه، شبه فشل يكاد يكون عاما لتنفيذ مشاريع البرنامج ألاستعجالي، ونسجل تأكيدا وزيادة على ذالك؛ أن هذه العملية طالت جميع الأكاديميات حيث تم التقويم والافتحاص على مستويات ثلاثة: فاستهدفت الاستمارات والاستبيانات المستوى الجهوي، تم المستوى الإقليمي فالمستوى المحلي، أي المؤسسة، حيث لوحظ أن مستويات تنفيذ واجرأة هذه المشاريع وكما صرح المستجوبون في تعبئة الاستمارات محليا (بالمؤسسة) وكما عايَن المفتحصون والمقومون، أن مستويات التنفيذ كانت ضئيلة جدا، تم أصبحت نفس هذه النسب الضئيلة « منتفخة » بعض الشيء على مستوى النيابات الإقليمية تم انتفخت أكثر جهويا، بيت القصيد هنا أن متخذ القرار كان وما يزال عليه أن يتحرك في إطار صلاحيته لمعالجة أسباب ودواعي هذه التناقضات والتي لها معنى واحد ووحيد هو أن قدرا لا يُستهان به من « التقصير والفساد »، معشش في بعض مفاصل هذه المستويات، وبهذا الخصوص، فمن اللازم تثمين الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الوزارة في حق بعض المقاولات حيث تم حرمانها من الصفقات العمومية ومقاضاة البعض الآخر بسبب التلاعب والغش وعدم الالتزام بدفتر التحملات؛ لهذا يُلاحظ أن العديد من مستويات ومفاصل اتخاذ وتنفيذ القرار إقليميا، وجهويا، يجب أن يطالها هي الأخرى التصحيح والتعديل ولما لا المحاسبة إذْ « لا مسؤولية بدون محاسبة » حيث أن هذه المفاصل والمستويات التنفيذية (خاصة ما ارتبط منها بالبناءات والتجهيزات والشؤون الإدارية والمالية…) هي التي تتحكم واقعا، وهي صانعة القرار النيابي والجهوي فعليا، بحكم تحكُّمها وتأثيراتها وعلاقاتها واحتكارها للتجربة والمعلومات. ومساهمة منا في الإصلاح ندلي بكل تواضع، بالمقترحات التالية والتي ترتبط بتنمية وتطوير الشأن التربوي والإداري والمالي، جهويا وإقليميا، نغني بها النقاش والتلاقح الفكري في مسلسل إصلاح منظومتنا التربوية الذي نأمل هذه المرة أن لا يخيّب طموحات الوطن، كما خيبها في المرات السابقة، وإيمانا منا بالتفكير الايجابي، وانه لا يأس من « روح الإصلاح » الذي لا نريده أن يتوقف عند استبدال الواجهات جهويا وإقليميا مع إغفال مفاصلها وأقسامها المتحكمة في القرار التنفيذي فعليا وواقعا؛ ندلي بالمقترحات التالية حتى لا تنقضي مرحلة أخرى من عمر الوطن ونستيقظ على نفس اختلالات المنظومة المسدامة المتمثلة دهرا: في « جودة مفقودة »، و »بنية تحتية غائبة »، و »موارد بشرية » من الصعب التعليق عليها؛ هذه التوصيات تحوم حول مجالات: الشفافية والتدبير المالي والإداري والتقويم والافتحاص والمساءلة وغيره وهي كما يلي:
ü العمل على أن تستوفي عمليات (processus) التقويم والافتحاص كامل مراحلها، بحيث لا تتوقف عند مرحلتي القياس والحكم، بل تتعداهما إلى مرحلة اتخاذ القرارات، قصد تعديل الأوضاع و تصحيح الاختلالات؛
ü العمل على مأسسة (institutionnalisation) عملية تقويم وتقييم وافتحاص وتتبع ومراقبة الشأن التربوي والمالي والإداري والمشاريع المزمع تنفيذها مستقبلا ضمن منظومة التربية والتكوين، وجعل ذالك يتم بشكل مرحلي ودوري ومنتظم؛
ü إعادة النظر في الهيكلة التنظيمية للنيابات وكذا الأكاديميات بما يضمن الشفافية والترشيد والمساءلة والحسم والتعاقد والتدبير بالنتائج؛ مع إسناد المهام على أساس الكفاءة والأداء الجيد لا على أساس الامتثال والأحكام المبنية على العلاقات الخاصة والانطباعات، وخاصة فيما يتعلق بتسيير المصالح والمكاتب التي تعنى بالتدبير المالي والمادي؛
ü العمل على جعل المعلومات والمعطيات داخل الأكاديمية والنيابات في المتناول، مع تسهيل الولوج إليها، ومحاربة احتكارها مع تسريع سيولتها بين المكاتب والمصالح وجميع المرافق الأخرى وخاصة المعلومة ذات الطابع المالي؛
ü ضرورة سد الفراغ التنظيمي والتشريعي جهويا وإقليميا، فيما يخص العديد من المجالات خاصة ما تعلق منها بإلزامية الحصول على المعلومات والمعطيات وسهولة الولوج إليها في الوقت المناسب، وان يتم تبادلها أفقيا وعموديا بما يضمن سرعة تدفقها بين المصالح والأشخاص؛
ü اعتماد مبدأ الشفافية ونشر المعلومات والمعطيات خاصة ما تعلق منها بالجوانب المالية وكلفات واعتمادات المشاريع ومساطير عقد الصفقات؛
ü ضرورة تبني وتطبيق مبدأ المساءلة عند إسناد المسؤوليات في منظومة التربية والتكوين، وكذا إرساء نظام قار للافتحاص والتقويم والتتبع والمراقبة مع نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة وتقديم الحساب (reddition des comptes) في أوساط منظومة التربية والتكوين؛
ü ضرورة إرساء نظام لتتبع النفقات (la traçabilité de la dépense) قصد التحكم في تحديد نسبة النفقات التي تستفيذ منها المؤسسات التعليمية وبالتالي التلميذ؛
ü ضرورة اعتماد مبدأ الكفاءة والمؤهلات والجانبية المطلوبة، في إسناد مهام وعمليات الإشراف والتدبير، لا تَبني اعتبارات أخرى من قبيل العلاقة المصلحية وغيره…؛
ü اعتماد معايير الكفاءة والخبرة والتخصص والجدية في تكوين فرق التقويم والافتحاص والتتبع والمراقبة وخلال إسناد المهام المرتبطة بذلك؛
ü ضرورة اعتماد ونهج مبدأ العمل التشاركي المسئول في التدبير والتسيير، بالشكل الذي يضمن انخراط الأطراف المعنية في جميع مراحل تنفيذ وانجاز المشاريع؛
ü تبني وإرساء منظومة للتقويم الداخلي (الذاتي) بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ من منظومة التربية والتكوين وذالك على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي؛
محمد/م
10/01/13
2 Comments
رصد الميزانيات هو الأهم، بل هو كل شيء ، بالنسبة للبعض. فمن أين كان لذلك البعض أن يأتي بما يكفي من المال »السايب » لتأثيث فيلته(ها) المحتلة بأثاث جلب من آسيا، وهو أفخم وأغلى أثاث يمكن العثور عليه؟ والأدهى، سيدي مامو، أن هذا الأثاث استعمل كذريعة لعدم إخلاء الفيلة المحتلة، بلا حيا بلا حشمة ! نعم، هذا هو نوع ومعدن المسئولين المؤتمنين على منظومتنا التربوية إلى وقت قريب، والذين أدوا من أجل ذلك القسم أمام الملك.
Malheureusement mr mamo la plupart des responsables sont irresponsable.