النصر الذي من عند الله عز وجل له ثمن لا بد أن يدفعه المسلمون
النصر الذي من عند الله عز وجل له ثمن لا بد أن يدفعه المسلمون
محمد شركي
مناسبة عاشوراء هي مناسبة مراجعة الذات الإسلامية التي فقدت نعمة النصر الإلهي الموعود ، وقد تحققت فيها نبوءة رسولها الأكرم صلى الله عليه وسلم ، وهي نبوءة تداعي الأمم عليها كتداعي الأكلة على قصعة الطعام لا من قلة بل من كثرة كغثاء سيل. وهذه الحال لم تحصل إلا لافتقار الأمة الإسلامية إلى ثمن نعمة النصر الإلهي الموعود. صحيح أن الله عز وجل قال : (( وما النصر إلا من عند الله )) ولكنه لم يجعله نصرا دون شرط بل اشترط فيه ثمنا من جنسه وهو نصر الخلق لهمن خلال إقامة دينه وشرعه ، فقال سبحانه : (( يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )) فالآية تتضمن جملة شرطية بفعل شرط وجواب شرط . وفي آية أخرى قال سبحانه : (( ولينصرن الله من ينصره )) مؤكدا شرط النصر الموعود ،وهو ثمن من جنسه يكون من الخلق المؤمن به ، وذلك من خلال إقامة دينه ومقتضيات شرعه . وكثيرا ما يتساءل المسلمون في كل مكان،وهم في حيرة من أمرهم قائلين : كيف تسأل الأمة ربها جل جلاله وعددها يتجاوز المليار وثلث المليار النصر فلا يستجيب لها ؟ ألا يوجد أهل صلاح فيها يستجاب لهم ؟ ومقابل هذا التساؤل لا يكلف المسلمون أنفسهم عناء طرح تساؤل آخر مفروض ، وهو هل دفعت الأمة ثمن الحصول على نصر الله عز وجل الموعود من خلال أقامة دينه وشرعه ؟ وهل مليار وثلث المليار لا يعتبر غثاء سيل كما جاء في نبوءة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ؟ فمن المعلوم أن نصر الله عز وجل للمؤمنين وعد ناجز ، لا يجوز الشك فيه ، وكل شك فيه يعتبر من فساد العقيدة. ومما يؤكد إنجاز هذا الوعد الإلهي هو خرق الله عز وجل للعادة التي خلقها ، ولا يستطيع خرقها إلا هو سبحانه، لأن المنطق يقتضي أن يستطيع من خلق العادة خرقها ، وذلك عندما مكن أهل الذلة من النصر في قوله تعالى : ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة )) فالعادة أن يتحكم ميزان القوة في النصر ، ولا قوة عادة في الذلة التي تكون من قلة عدد وعدة وهي تواجه الكثرة عددا وعدة. ولا يملك قلب موازين القوة إلا الله عز وجل الذي يحول ذلة القلة إلى نصر يكون أصلا لفائدة عزة الكثرة . ومن دلالة النصر في اللسان العربي دفع ورد العدوان ، والمساعدة على النجاة منه ، ولهذا تقول العرب : » نصر الغيث الأرض » إذا عمها بالجود وغاثها . والله تعالى تعهد بنصر عباده المؤمنين بالشرط الذي اشترطه ، فقال سبحانه : (( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) . فالنصر الموعود ناجز لا محالة في عاجل وآجل . وجعل الله تعالى لنصر العاجل خصائص ومميزات منها ميزة الغلبة لقوله تعالى : (( ونصرناهم فكانوا هم الغالبين )) وقوله أيضا : (( إن ينصركم الله فلا غالب لكم )) وهذا يعني أنه مما يترتب على النصر الغلبة إذ لا نصر بلا طعم للغلبة ، وهو نصر عزيز لقوله تعالى : (( وينصرك الله نصرا عزيزا )) ولا يعز إلا من كانت له الغلبة . ومن خصائص ومميزات نصر الله عز وجل أنه يأتي بعد يأس لقوله تعالى : (( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا )) الشيء الذي يعني أن نصر الله عز وجل يأتي بعد تمحيص واختبار لمدى استعداد طالبيه دفع ثمنه ،وهو نصر ينحصر في العبادة والطاعة وإقامة الدين والشرع . ومن خصائص ومميزات نصر الله عز وجل كذلك أنه يجمع بين نصر إلهي وآخر بشري لقوله تعالى : (( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين )) ، وهذا يعني أن نصر الله عز وجل يحصل باتخاذ المؤمنين بما فيهم الرسل الكرام صلواته وسلامه عليهم الأسباب ، و كان بإمكان الله عز وجل أن ينصر نبيه الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدون المؤمنين، ولكنه سبحانه عطف تأييده بالنصر على التأييد بالمؤمنين ، علما بأن التأييد يعني التقوية ، فعطف الله تعالى قوة المؤمنين على قوته من أجل أن يتحقق النصر لنبيه عليه السلام .
ومع أننا احتفلنا بمناسبة إظهار الله عز وجل نبيه الكريم موسى عليه السلام على عدوه فرعون في عاشوراء ، فإننا لم نستفد ما يفيدنا من دروس وعبر ، مع أننا من سوء الطالع نخوض حربا مع العدو الصهيوني المغتصب لأرضنا وحقنا ، وهو عدو منحدر من أصول من كانوا لنا عبرة حتى كثر عنهم حديث الله عز وجل في كتابه الكريم ليس صدفة ولا عبثا بل ليكونوا لنا عبرة بصالحهم وطالحهم . ومما كان يجدر بنا أن نستحضره معتبرين إخلال بني إسرائيل بوعدهم مع الله عز وجل بخصوص نصره من خلال طاعته ، وحكاية ذلك في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام : (( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهم ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إننا ههنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تاس على القوم الفاسقين )) . فمن خلال هذا النص القرآني الكريم يتبين أن وعد الله عز وجل بالنصر لبني إسرائيل الذين نجاهم سبحانه من فرعون كان ثمنه هو طاعته سبحانه من خلال إجراء دخول الأرض المقدسة وفيها القوم الجبارين كما وصفوهم. فلما تخلف بنو إسرائيل عن دفع ثمن نصر الله الموعود لهم لم يتحقق لهم النصربل عوقبوا . وكان بإمكان الله عز وجل أن ينصر موسى عليه السلام وحده بدخوله الأرض المقدسة ،ولكنه لم يفعل لأن قومه لم يؤيدوه بنصرهم له من خلال تطبيق أمر الله تعالى كما أيده هو بنصره . وقد مر بنا أن التأييد يعني التقوية وقد قرن الله تعالى بين تأييده لرسله الكرام وبين تأييد أتباعهم لهم . ولما كان موسى حسب سياق هذا النص القرآني لا يملك إلا نفسه وأخاه هارون عليهما السلام ،كان ذلك دليلا على غياب تأييد قومه له ، ومن ثم غاب نصر الله عز وجل وتأييده ، بل كان العقاب بالتيه أربعين سنة بديلا عن النصر والتأييد . وبالمناسبة نؤكد أنه في غياب نصر الله عز وجل للفئة المؤمنة في كل عصر ومصر تحل بهم عقوبة من العقوبات ، وإن كان غياب النصر الإلهي عقوبة في حد ذاته . فهل اتعظت الأمة الإسلامية بحكاية بني إسرائيل هذه ؟ ألا تكرر الأمة الإسلامية اليوم مقولة بني إسرائيل ، وقد أمرها الله تعالى أن تسترد أرض فلسطين بدخولها على الصهاينة ، وهي تتذرع بـأن فلسطين فيها قوم جبارين ، وأنها لن تدخلها أبدا ما دموا فيها ، ولسان حالها للقلة من المؤمنين المرابطين في فلسطين اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إننا ههنا قاعدون ، ويقول الفلسطينيون الصامدون ربنا إننا لا نملك إلا أنفسنا فافرق بيننا وبين قومنا الفاسقين الذي فسقوا عن أمرك ، فيأتي جواب الله عز وجل إنها محرمة عليهم ، والله أعلم بمدة التحريم . أليس عدم تأييد الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها الفلسطينيين المرابطين في فلسطين ، والتأييد عبارة عن تقوية تكون من خلال إمدادهم بالسلاح هو المقابل العملي لقول قوم موسى من قبل لنبيهم اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ؟ كيف يمكن أن نزعم أننا نحتفل بذكرى عاشوراء، ونحن لم نبلغ بعد منزلة الاتعاظ وأخذ العبرة من كتاب نتداوله يوميا دون استيعاب لمضامينه ؟ هل الاحتفال بعاشوراء هو تلك المظاهر المخزية من اللطم والندب وشق الجيوب ؟ أم هو اللهو واللعب والعبث والأكل والشرب والطقوس المبتدعة في دين أكمله الله عز وجل ولا مجال فيه لزيادة أو نقصان ؟ وأخير لا بد من الإشارة إلى أن وعد الله عز وجل الناجز موجود في كل وقت وحين عندما تكون الأمة الإسلامية في مستوى دفع ثمنه من خلال نصرها لدين الله عز وجل بالاتباع لا بالابتداع والمخالفة . وما دام في الأمة المحسوب عليها الذي يجاهر بالمعصية ويرضى بشرائع الأهواء بديل عن شرع الله عز وجل فلن تحلم بنصر الله الموعود، بل عليها أن تنتظر العقوبة كعقوبة العيش في التيه التي كانت عقوبة بني إسرائيل . وأظن أن عقوبتنا اليوم هي العيش في الذل والهوان أمام أعداء الإسلام ، كما عاش بنو إسرائيل عقوبة التيه في صحراء سيناء وهم أذلاء .
Aucun commentaire