يعاني كثير من الناس من عقدة الشعور بالنقص وبالدونية وبالانهزام أمام الغير ويفكرون في أساليب واضحة السلبية من أجل التخلص من هذه العقدة . وعوض مواجهة الغير بشكل مباشر وبجرأة وشجاعة وجسارة يلجأ الذين يعانون من هذه العقدة إلى طرق ملتوية ويلبسون أقنعة للتمويه عن هوياتهم لأنهم لا يملكون الشجاعة للكشف عنها ، فضلا عن كون عقدة الشعور بالنقص وبالدونية لصيقة بصفة الجبن . ومعلوم أن الجبناء يخشون المواجهة ، ويضطرون مكرهين إلى إدارة صراعهم مع الغير عبر الطرق الملتوية. وهذا الأسلوب من التنفيس لا يغني عن أصحابه شيئا ولا يقدم لهم علاجا لما يعانون منه بل يضاعف معاناتهم لأنه لا يرقى إلى أسلوب التصعيد الذي تتطلبه طرق معالجة وتجاوز المركبات. وأسهل الطرق التي يركبها أصحاب عقدة الشعور بالدونية هو طريق السخرية المجانية والفجة.

ومعلوم أن السخرية في حد ذاتها سلوك تأنف منه الطبيعة البشرية في كل الثقافات الإنسانية لأنها تعبير عن نقص أوعيب توسم به البشرية . والساخر عندما يسخر من غيره إنما يكون ذلك بدافع الشعور بالنقص أمام الغير. وقد كشف الوحي عن هذه الحقيقة في قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن )) ففي هذه الآية الكريمة كشف الله عز وجل عن سبب سلوك الساخرالسخرية من الغير وهو الشعور بالدونية أمام هذا الغير ، وفعل عسى الجامد الوارد في الآية الكريمة يفيد الإشفاق على الساخر المحروم من التميز أمام من يسخر منه ،في حين يفيد الترجي بالخيرية لمن تستهدفه السخرية . والساخر عندما يقارن نفسه بمن يسخر منه يبدو له عيبه ودونيته بكل جلاء، وعوض أن يجتهد على تقليص الفارق بينه وبين الغير بواسطة الطرق المشروعة غابطا غير حاسد ، يضطره عجزه إلى اليأس فلا يجد أمامه سوى السخرية المجانية ليشفي غلة حسده ، وينفس عن مركب نقصه ، وهو بين هذا وذاك يتجرع في أعماقه مرارة لا يعلمها إلا من يعلم خافية الصدور جل جلاله . ويكفي أن يعبر الساخر عن سخريته ليكشف سر ما يعانيه من نقص وانهزام ودونية . وأخيرا أقول للساخر مشفقا عليه سلاح الضعيف السخرية.