وأكثر من السخافة وفجاجة الرأي اعتبار الربيع العربي نتيجة للفيسبوك
وأكثر من السخافة وفجاجة الرأي اعتبار الربيع العربي نتيجة للفيسبوك
محمد شركي
كالعادة جاء تعليق على مقالي الأخير : » من سخافة الرأي وقصور النظر وفجاجته الاستخفاف بالربيع العربي وبوعي الشعوب العربية » على شاكلة التعليقات التي تتنكب عادة لب الموضوع وتتمسك بالقشور. فإلى جانب أنواع الاستخفاف بالربيع العربي وبوعي الشعوب العربية المتهافتة من قبيل اعتبار هذا الربيع تنفيذا لأجندة خارجية ، أو اعتباره حراكا عفويا ، جاء تعليق المعلق المنتسب للحقل » الأكاديمي » ليعتبره نتيجة للتطور التكنولوجي وتحديدا الفيسبوك الوافد بطبيعة الحال من الغرب ، الشيء الذي يعني أن فكرة اعتبار الفيسبوك هو صانع الربيع العربي تدخل ضمن فكرة اعتبار الربيع العربي تنفيذا لأجندة خارجية وتحديدا أجندة غربية . وتبدو فكرة نسبة الربيع العربي إلى الفيسبوك أكثر سخافة وفجاجة لأن أصحابها ومن ضمنهم صاحبنا المعلق الأكاديمي شأنه شأن من يقدم المحراث على الحصان في عملية الحرث .فالفيسبوك وسيلة وليس محركا. ومعلوم أن الثورات لها محرك ولها وسائل وأساليب مختلفة ومتنوعة ومتعددة . فمحرك الربيع العربي هو وعي الشعوب العربية بكل فئاتها وليس بفئة الشباب وحدها كما يظن الذين يعتقدون في الفيسبوك أنه العصا السحرية المحركة لهذه الشعوب ، والوسائل متعددة أيضا ولا تقتصر على تكنولوجيا الفيسبوك لأنه توجد وسائل أخرى تؤدي دورا أكبر من دور الفيسبوك وعلى سبيل المثال نذكر المساجد التي كانت مراكز انطلاق الحراك العربي . وبدون وعي لا يمكن للوسائل مهما كانت أن تصنع شيئا ، والدليل واضح من الثورات العربية نفسها حيث راهنت الأنظمة الفاسدة على القوة وهي أخطر وسيلة، ولكنها لم تفدها في شيء أمام وعي الشعوب العربية المؤمنة بالحراك والانتفاضة والثورة . ولقد تمسكت الأنظمة الفاسدة إلى آخر لحظات عمرها بوسيلة القوة ، وسخرت كل أنواعها بما فيها البلطجية والمرتزقة كما كان الحال في مصر وليبيا . ولا زال النظام السوري المنهزم يعول على وسيلة القوة بما فيها الشبيحة والمرتزقة الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين من أجل أن يؤمن ويضمن استمراره ووجوده أمام وعي الشعب السوري بضرورة إسقاطه . فإذا كانت وسيلة القوة لم تجد نفعا الأنظمة الفاسدة المنهارة ، فإن وسيلة الفيسبوك لا يمكنها أن تصنع وعي الشعوب العربية ، وستبقى وسيلة من الوسائل التي سخرها وعي هذه الشعوب دون أن يمكن اعتبارها أبدا صانعة له . وإذا كان توزيع السلاح على الناس لا يمكن أن يصنع منهم ثوارا إذا لم يكن وراء ثورتهم وعيا يوجهها ، فكذلك لا يمكن للفيسبوك أن يصنع منهم ثوارا دون وجود وعي لديهم يوجههم نحو الثورة. فالشعوب العربية حانت ساعة ربيعها بعد نضج وعيها بأنها لا يمكن أن تظل حبيسة حالة الإحباط واليأس بسبب النكسات المتتالية التي كرستها الأنظمة الفاسدة المستكينة والمنبطحة والمهرولة نحو الأعداء ،علما بأنه لكل أجل كتاب . ولما جاء أجل الربيع بعد تمام وعي هذه الشعوب صادف ذلك تطور تكنولوجيا الاتصال، لهذا لا يمكن أن يوضع محراث تكنولوجيا الاتصال أو الفيسبوك قبل حصان وعي الشعوب العربية لممارسة حرث الثورة . وفي اعتقادي أن الحملة المسعورة ضد هذا الربيع العربي إنما سببها هو رهان الشعوب العربية على الإسلام الشيء المقلق للجهات الخارجية التي تسخر طوابيرها الخامسة داخل الوطن العربي من أجل التشكيك في ربيع الأمة ، وفي وعيها الذي مصدره الإسلام ، ورفضها لوضعية الاستكانة لحالة الاحباط واليأس التي استمرت لعقود من السنين . ولا يعرف المشككون في وعي الشعوب العربية أن الإسلام عامل رئيس في إكسابها هذا الوعي ، وأن الرهان على الإسلام في البلاد العربية ليس أمرا اعتباطيا ، ولا صدفة ، وإنما هو رهان واع بأن هذا الدين هو المحرك الضروري من أجل التغيير والانتقال من حالة الإحباط واليأس إلى حالة الربيع ، كما أنه هدية الخالق سبحانه مدبر أمر هذا العالم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم لعباده المؤمنين من أجل أن يحيوا حياة كريمة. وأخيرا نقول للذين يلتمسون تفسيرات واهية للربيع العربي ستعييكم التفسيرات ولن تحصلوا في النهاية إلا على حقيقة واحدة ووحيدة وهي أن الربيع العربي صنعه رب العزة سبحانه الذي قذف الوعي في قلوب ونفوس الأمة عن طريق الإسلام ، وسخر لها كل الوسائل لتحقيقه بما فيها الفيسبوك. وأنصح المشككين في هذا الربيع بتجنيب أنفسهم المواقف المحرجة والإشفاق عليها من سخرية الساخرين بسبب سخافة ما يعتقدونه في الربيع العربي وفجاجته .
1 Comment
ولكن يا أستاذ، السؤال الذي يزكي ما جاء في التعليق هو لماذا لم هناك أي ربيع عربي ولا أية ثورة عربية ضد ديكتاتوريات المنطقة قبل مجيئ الانترنيت والفيس بوك و ويكيليكس? مرة أخرى يا أستاذ وأرجو الانتباه من فظلكم، لقد تمخضت القوى الاستعمارية فأنجبت الدول العربية والافريقية وكل العالم الثالث كما كانت تسميه؛ اذا، هي مهندسته وهي الوحيدة القادرة على تشكيله وادارته وتسييره كما تشاء. فقط في الماضي كانت تحكمه بالحديد والنار واليوم أصبحت تحكمه بالتيكنولوجيات الحديثة والعلوم البحثة؛ انها « خليفة » الله في أرضه. أليس كذلك. لو يمعن المرء الفكر بعد أن يتجرد من نزعاته لقال « بلى »