كلمة فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بن حمزة في ندوة القرآن والمجتمع
كلمة فضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بن حمزة في ندوة القرآن والمجتمع
محمد شركي
نزولا عند رغبة جمعية النبراس للثقافة والتنمية وإلحاحها ساهم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة بكلمة توجيهية كعادته افتتحت بها ندوة القرآن والمجتمع بمركز البحوث والدراسات الانسانية والاجتماعية وهي كالآتي :
ثمن بداية فضيلته قصدين استحسنهما لهذه الندوة وهما : قصد خدمة القرآن الكريم ، وقصد الوفاء لروح الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله . ونبه فضيلته إلى أن مهمة خدمة القرآن مهمة صعبة دونها خرط القتاد . وأشار إلى زمن مضى كان فيه اليأس قد استحوذ على النفوس بسبب تراجع الإقبال على القرآن ، حيث كان موت كل حافظ لكتاب الله عز وجل بمثابة إقبار مصحف ،لأن المستعمر الفرنسي البغيض كان ينهج سياسة خبيثة لاستئصال كتاب الله من أرض المغرب عن طريق تشييد معاهد إرسالياته ومدارسه التبشيرية مقابل التضييق على المعاهد الإسلامية ومحاصرتها ،وإفقار أهلها لتنفير الناس منها . ولم يكن أعتى من الاستعمار الفرنسي في محاربة الإسلام والقرآن . ومع ذلك يقول فضيلته وجد المستعمر من يسوق مؤامرته من المحسوبين على المتنورين الذين صوروا في كتاباتهم القرآن وأهله أبشع تصوير على غرار ما كتب عميد الأدب العربي في سيرته الأيام حيث حمل على الأزهر وأهله حملة منكرة لم ينج منها إلا المرصفي علما بأن الأزهر كان فيه خيرة العلماء ، وكان مشعل الفكر الإسلامي ، ولذلك دكه نابليون بالنار في غزوه لمصر. وبعد فترة اليأس جاءت بوارق الابتعاث وهي بوارق لم تخفت حتى في أحلك الظروف، وظهرت حركات الاصلاح ونشأت جمعيات كانت تتحدث عن القرآن. وكان من الضروري أن يوجد مشروع واضح توضع من خلاله فسائل القرآن ليورق من جديد. وعرج فضيلته على وضعية القرآن في الجهة الشرقية للمغرب على سبيل المثال ،حيث لم تكن فيه إلا حافظة واحدة في قرية عين الصفا لم تسمح لها ظروفها بتحفيظ القرآن لبنات جنسها ، فاضطر مشروع تحفيظ القرآن للإناث باعتماد حافظ ، وقد لقي هذا الأمر معارضة من بعض من اعتبره منكرا يومئذ حتى جعل فيه الله عز وجل بركة وصار عدد الحافظات في الجهة الشرقية يعد بالمئات وليس بالعشرات من فجيج إلى الحسيمة مرور بوجدة بما في ذلك الحافظات خارج أرض الوطن . وأشار فضيلته إلى وجود طاقات لخدمة القرآن تتطلب توفير الأجواء والظروف لها . وأعاد فضيلته الفضل في حركة انبعاث القرآن إلى نعمة ومنة من الله عز وجل، لا يعود فيها فضل لأشخاص بأعيانهم . وعرج فضليته على ذكر الأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله، والذي اشتهر في مدينة مكناس وخصص حياته لخدمة القرآن الكريم وأصبح عنوانا خارج وداخل المغرب. وذكر أنه التقى به في مناسبتين خارج الوطن في اسطنبول وفي الديار المقدسة ، ووصفه بأن الله عز وجل قد منحه عمق المعرفة وبلاغة الأسلوب والقدرة على جولات متميزة في القرآن الكريم الشيء الذي جعله متميزا. واستشهد بدرسه الحسني الذي كان متميزا وعلى طريقة كبار العلماء.
وذكر أن مرضه لم يمنعه من خدمة القرآن الكريم حتى لقي ربه رحمه الله تعالى . ونبه فضيلته إلى أنه لا يجب الحديث عن اليأس بعد ذهاب الرجال، بل لا بد من مواصلة اللاحق مشوار السابق في خدمة كتاب الله عز وجل ،لأنه لا عيب كعجز القادرين عن التمام ، ولا بد أن يقوم مقام قوال من يقول مكانه . وفضل فضيلته أن تطرح العلاقة بين القرآن والأمة عوض المجتمع ، لأن الأمة أشمل من المجتمع ، وهي مدينة للقرآن بوجودها . والقرآن لم يجد الأمة جاهزة بل هو الذي أوجدها . ولهذا لا تستقيم نسبة القرآن للعرب كما يظن البعض ، لأنه ليس كتاب قوم بعينهم ، بل هو كتاب للناس كافة. ولو كان القرآن كتاب عرب لانتهى أمره منذ زمن طويل . والقرآن هو الكتاب الذي يربط بين مختلف الشعوب من الصين إلى المغرب . وذكر فضيلته أن كل محاولة لإزالة القرآن معناها محاولة إزالة الأمة . ونبه إلى أن بعض المتنطعين يحاولون ذلك باسم حرية الاعتقاد . فالذين يريدون فصل الأمة عن القرآن ، وهي المدينة له بوجودها يصدرون عن قصد خبيث وماكر. وأشار فضيلته إلى أن تجربة جمع الناس تحت شعارات مختلفة لم تنجح كما كان حال فكرة عدم الانحياز التي لم يعرها الناس أهمية ، وماتت في حين استطاع الإسلام والقرآن جمع الناس حتى أن الأمم الإسلامية البعيدة كانت تتعاطف مع المغرب في محنته زمن الاحتلال البغيض . وفي هذا الصدد أشار فضيلته إلى أن العالم صار عبارة عن نواد واستشهد بمقولة الرئيس الفرنسي ميتران ، ولهذا لم تقبل دولة تركيا المسلمة في النادي المسيحي. ونبه فضيلته إلى تهافت فكرة حرية الاعتقاد في بلد تتجاوز فيه الأمية 50٪ واعتبر ذلك ضربا من العبث ، ولهذا لا يمكن المغامرة بمصير أمة مدينة للقرآن بوجودها من أجل إرضاء أهواء البعض . وانتهى فضيلته إلى أن القرآن قضية وجودية بالنسبة للأمة في زمن الاستقطابات الفرنكوفونية والانجلوفونية وغيرها ، ولا وجود لحالة حياد في زمن هذه الاستقطابات التي تستهدف ناشئتنا
. ونبه فضيلته إلى أن القرآن اليوم يتعرض لمحاولات خبيثة ظاهرها علمي وباطنها محاولة اقتلاعه ، حيث تتذرع هذه المحاولات بالدراسة العلمية والمنهجية، وتشن حملة على قضية تدوين القرآن من أجل إثارة الشك فيه مع أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي دون في زمن نزوله ، وبلغته ، في حين دونت الكتب السماوية الأخرى بعد نزولها بزمن معتبر ، وبغير لغة رسلها كما هو حال التوراة والانجيل. ومعلوم أنه لم يتم التصرف في إملاء القرآن الكريم لهذا ترد شبهة التشكيك في تدوين القرآن. وقد نشرت كتب مشبوهة في قضية تدوين القرآن الكريم ، واعتمدت كتب من قبيل كتاب سبينوزا في دراسة التوراة من أجل النيل من القرآن الكريم باعتباره انتاجا بشريا وانتاج عصر قياسا على قانون الأدب . وفي معرض حديثه ذكر فضيلته الكاتب نصر أبوزيد الذي كان يكتب في هذا الاتجاه ، وذكر فضيلته أنه وجه إليه دعوة للقائه ومحاورته في هولندا حيث كان يقيم ، إلا أن أبا زيد وعد باللقاء ثم تنصل منه ، وأنه حسب من كانت له صلة به قد ندم على ما كتب ، وأنه تمنى لو أنه مات وقبر في وطنه. وأشار فضيلته إلى محاولات أخرى في نفس الاتجاه على غرار محاولة أركون وغيره. ونبه إلى محاولة النيل من القرآن عن طريق قضية أسباب النزول التي لا تتجاوز 14 ٪ إذا ما قورنت بالقرآن الذي نزل ابتداء وبدون أسباب . ونبه فضيلته إلى أن أسباب النزول يكثر فيها الوهم كما قال القدماء ، والخوض فيها حديثا هو محاولة لتحجيم القرآن في الزمن ، والتشكيك في وثوقيته . وإلى جانب ذلك نبه فضيلته إلى قضية ضرب اللغة العربية من أجل النيل من القرآن ، لأن إضعاف اللغة العربية هو بمثابة إضعاف لمسلك يفضي إلى القرآن. وبالمناسبة صرح فضيلته أن الإسلام لا يمنع أحدا من تعشق لغته والحديث بها ، ولكن ليس من المعقول أن يكون ذلك على حساب الهجوم على لغة القرآن الكريم استهدافا له .
وأشار فضيلته إلى أنه في كتابات السابقين كان بعضهم يجمع بين العربية والفارسية. وعاد فضيلته للتأكيد على أن خدمة القرآن الكريم لا بد لها من مشروع واضح المعالم ، لأن القرآن هو الحياة ، وهو قضايا الناس ، لهذا لا بد من الاشتغال على التفسير الموضوعي على غرار ما قامت به الدكتورة عائشة بنت الشاطىء التي انتهت إلى نتائج باهرة من خلال البحث في معجم القرآن الكريم وموضوعاته . ويلح فضيلته على ضرورة تقوية المعجم القرآني لأنه معجم متخصص ، ووسيلته هي علوم البلاغة التي صار الناس يتبرمون منها ، وهي التي أوصلت عبد القاهر الجرجاني إلى معنى المعنى قبل أن تقول به الدراسات الحديثة . وأكد فضيلته على ضرورة توزيع القرآن إلى قضايا مع الاهتمام بمعجمه وبعلوم الآلة من بلاغة وصرف ونحو. ودعا فضيلته إلى انخراط الجميع في مشروع خدمة القرآن الكريم ،فمدرسو اللغة العربية على سبيل المثال بإمكانهم وخارج العمل الصفي أن يقدموا دروسا في علوم اللغة للناشئة لتسهيل تعاملهم مع كتاب الله عز وجل . وأخيرا أشار فضيلته إلى أن الأمة قد خرجت من مرحلة اليأس من بقاء القرآن الكريم واستمراره إلى مرحلة الأمل في وجوده وبقائه واستمراره ، وهو أمل في وجود الأمة وبقائها واستمرارها.
Aucun commentaire