ما أحوج المحسوبين على الدعوة إلى حلقة تكوين مستمر في مدرسة ابن الجوزي الخاصة بتلبيس إبليس
ما أحوج المحسوبين على الدعوة إلى حلقة تكوين مستمر في مدرسة ابن الجوزي الخاصة بتلبيس إبليس
محمد شركي
اطلعت على رسالة مفتوحة لمحسوب على الدعوة إلى محسوب عليها أيضا صار مسؤولا نشرت على موقع من مواقع الشبكة العنكبوتية الفاضحة ، فاستحضرت مؤلف العالم الجليل جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمان بن الجوزي البغدادي رحمه الله بعنوان : » تلبيس إبليس « . والذي استحضرته تحديدا هو عبارة عن نصح وتوجيه من هذا العالم الجليل يصلح أن يكون ما نسميه اليوم حلقة تكوين مستمر لفائدة المحسوبين على الدعوة الإسلامية علماء وشيوخ وزعماء ودعاة وخطباء. وأقول المحسوبين على الدعوة لا استنقاصا من شأن أحد ولا طعنا فيه، بل حكما على الظاهر الذي يتولى الله عز وجل سره ، ذلك أن كل من دعا إلى الله كان محسوبا على الدعوة في ظاهره ،وسره بيد من يعلم السر وأخفى جلا جلاله. ومما جاء في نصح هذا العالم الجليل تنبيه الغافلين من تلبيس إبليس خصوصا أهل العلم والدعوة منهم . وقد حذر في كتابه هؤلاء من تلبيس إبليس الذي يزين لبعض هؤلاء الغفلة عن الفرائض والواجبات مقابل الاشتغال بالشاذ من القراءات حتى أن بعض هؤلاء المشتغلين بها قد لا يفقهون شيئا مما يفسد الصلاة ، فيتخذون تلاوة القرآن عملا مع أنه أنزل ليعمل به كما قال الحسن البصري رحمه الله ، لأنه أنزل ليحفظ ثم يفهم ثم يعمل به على حد تعبير ابن الجوزي لا ليشتغل بما يخص قراءته فقط . وحذر كذلك من الاغترار بالاشتغال بالقرآن تلاوة دون عمل لتكفير السيئات اعتقادا منهم أن هذا الاشتغال يرفع عنهم العذاب ،علما بأن فسقة حملة القرآن أشد الناس عذابا يوم القيامة كما جاء في الأثر بحيث تندلق أقتابهم لأنهم كانوا ينهون عن المنكر ولا ينتهون عنه ، فيدورون كما تدور الرحى وهم يجرون أقتابهم . وحذر بن الجوزي أيضا من تلبيس إبليس على المشتغلين بسماع الحديث عما هو فرض عين من معرفة ما يجب من الدين ، حيث يجمعون من الأحاديث أو يحفظون ما لا ينفعهم فيما يجب ويكونون كما قال : » زوامل أسفار لا يدرون ما معهم » أي يحملون علما لا يفيدهم في شيء ، لأنهم تشاغلوا عن فروض الأعيان بفروض الكفايات. ومن تلبيس إبليس قدح هؤلاء بعضهم في بعض تشفيا مع تخريج القدح تخريج الجرح والتعديل علما بأن الله يعلم ما تخفي صدروهم. ويسوق ابن الجوزي في هذا الصدد نصيحة للمحاسبي عندما سئل عن الغيبة فقال لسائله : » احذر الغيبة فإنها شر مكتسب ، وما ظنك بشيء يسلبك حسناتك ، فيرضى به خصماؤك ، ومن تبغضه في الدينا كيف ترضى به خصمك يوم القيامة يأخذ من حسناتك أو تأخذ من سيئاته » ومن تلبيس إبليس أن يجعل الغيبة في أعين الدعاة والعلماء نصحا حتى أن بعضهم يتصنعون الدعاء لمن يغتابونهم في ظهر الغيب ،وما هو إلا إصابة لحومهم بالغيبة . كما أن البعض الآخر يتصنع الشفقة والرحمة وهو يغتاب بقوله : » فلان مسكين ابتلي بكذا … » وهو يريد التعريض به لا الإشفاق عليه . ومن تلبيس إبليس على العلماء والدعاة ضيق صدور بعضهم عند ظهور الصواب عند غيرهم والاجتهاد في الرد عليهم عنادا وهو أقبح القبيح عند ابن الجوزي ،لأن الأصل في المناظرة إنما وضعت لبيان الحق . وفي هذا السياق يسوق قولة الإمام الشافعي رحمه الله : » ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني ، ولا قبلها إلا هبته ، وما ناظرت أحدا فباليت مع من كانت الحجة إن كانت معه صرت إليه » . ومن تلبيس إبليس على العلماء والدعاة حب الرياسة في المناظرة ، وهو ما يفضي إلى المكابرة ، فإن استطال بعضهم على بعض أخذتهم حمية الكبر، فكان بينهم السباب والشتائم والتجريح ، وصارت مجادلتهم مخاذلة . ومن تلبيس الغيبة في المناظرة قول بعضهم : » تكلمت مع فلان فما قال شيئا » استخفافا به واحتقارا له . ومن تلبيس إبليس أيضا اغترار الفقهاء بفقههم واعتباره علم الشرع وحده فإن ذكر الحديث معه قالوا : » كلام وعاظ » واستكبروا عن سماعه وعن حضور مجالسهم ،لأنهم في نظرهم مجرد قصاص ،واستأثروا بالفتاوى مع أن الإمام مالك رحمه الله قال : » ما أفتيت حتى سألت سبعين شيخا هل ترون لي أن أفتي ؟ فقالوا نعم « . ومن تلبيس إبليس تهافت العلماء والدعاة على الحكام ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم حين يخالفون الشرع ، مع الترخيص لهم فيما لا رخص فيه ، فيكون ذلك سببا في مفاسد منها : اغترار الحكام بأنهم على صواب لمخالطة العلماء والدعاة لهم ، واعتقاد العوام بسداد أمر الحكام الذين لا يبرحهم العلماء والدعاة ، وفساد دين العلماء والدعاة بسبب ذلك ، وربما اتخذوا من فكرة التشفع للغير لدى الحكام ذريعة لمخالطتهم ، وهو من تلبيس إبليس أيضا. ومن تلبيس إبليس كذلك أن يغتاب العلماء والدعاة المقاطعين للحكام غيرهم ممن يعاشرونهم ، وهو اغتياب الغير الذي هو بمثابة تزكية للنفس . وفي هذا السياق يسوق ابن الجوزي مقولة سفيان الثوري : » ما أخاف إهانة السلاطين والحكام لي وإنما أخاف إكرامهم فيميل القلب إليهم » . ومن تلبيس إبليس عند بعض الدعاة والوعاظ المبالغة في إظهار التواجد والتخاشع زيادة على ما في القلب . ومن تلبيسه أيضا الطرب لدى البعض على وقع قراءة القرآن قراءة ألحان ، مع الانفعال بالصياح ، واعتبار ذلك مما تطيب به المجالس مع أنها مجالس فيها ما لا يجوز شرعا . ومن تلبيس إبليس أن يلقي في روع من يصف دقائق الزهد أنه من الزهاد إذ لو لم يكن كذلك ما وفق في وصفه بدقة متناهية فيتسبب له ذلك في العجب . ومن تلبيس إبليس حب بعض العلماء والدعاة للرئاسة ، فإذا نازعهم فيها غيرهم كرهوه وأبغضوه . ومن تلبيس إبليس أن يوحي إلى بعض هؤلاء العلماء والدعاة بالتزام الصمت وتجنب الدعوة تعطيلا للخير وتعميمه ، وتزيينا للصمت حيث لا يجب ولا يحسن ولا يفيد . ومن تلبيس إبليس الاغترار بالاشتغال بعلوم الآلة من نحو وصرف وبلاغة وما شابه واعتبارها من صميم الاشتغال بالقرآن مع الغفلة عن العمل به ، والتماس الذرائع عن ذلك بالاشتغال بهذه العلوم ، بل تزكية النفس بسببها و التفاخر بذلك . ومن أقبح التلبيس تحسين الكبر للعلماء والدعاة بالعلم وتبرير كراهية وحسد كل نظير لهم ، والرياء بالعلم طلبا للرئاسة والنجومية ، فيريهم إبليس ذلك كالحق الواجب لهم ، ويقوي حبه لديهم ، فلا يتركونه مع علمهم بأنه خطأ. ومن تلبيس إبليس للعلماء والدعاة تزين تكبرهم باعتبارهم نواب الشرع وممثليه ، وأن كبرياءهم إنما هو إعزاز للدين ، وإفحام للحاسدين. ومن التلبيس أن يلبس إبليس على العلماء والدعاة بين قصد الدعوة ونشر الدين وبين قصد علو الصيت والرئاسة والنجومية . ومن تلبيس إبليس الفرح بكثرة الأتباع حيث يزين للعلماء والدعاة الفرح بهذه الكثرة بدعوى الرغبة في كثرة طلاب العلم في حين لا يعدو ذلك مجرد استطارة الذكر. ومن التلبيس غضب هؤلاء إذا ما مال كثرة الأتباع إلى غيرهم. وأخيرا وليس آخرا من التلبيس أن يطرب العلماء والدعاة إلى مديح النفس ، فإن ارتاحوا لذلك هلكوا بالعجب .
أحسب أن علماءنا ودعاتنا على اختلاف درجاتهم وأدوارهم في مجال الدعوة في أمس الحاجة إلى حلقة تكوين مستمر في مدرسة ابن الجوزي من أجل استدراك تكوينهم الأساسي الذي شابه تلبيس إبليس لا محالة . وأنهي كلامي بالتساؤل : ألا يكون النصح الوارد في الرسالة المفتوحة المكشوفة لمحسوب على الدعوة إلى محسوب عليها صار مسؤولا مجرد غيبة لبسها إبليس في شكل نصيحة ؟ ألا يجدر بالناصح والمنتصح معا عرض أنفسهما على سلم ابن الجوزي الخاص بالتلبيس من أجل العلاج من كل الأعراض الدالة عليه، والتي لا تعدم عندهما معا ، وعند غيرهم من العلماء والدعاة والمنتسبين إلى حقل الدعوة إذا التزمت الكياسة المطلوبة شرعا ، و الموجبة لإدانة النفس ، وانتف العجز الممنوع شرعا، والمزكي والمدسي لها ؟
Aucun commentaire