العداء للإسلام يأخذ أشكالا متعددة لدى المنبهرين بفكر وثقافة المعسكر الشرقي المنهار
العداء للإسلام يأخذ أشكالا متعددة لدى المنبهرين بفكر وثقافة المعسكر الشرقي المنهار
محمد شركي
إضمار العداء للإسلام ظاهرة عرفها المغرب الحديث خلال فترة الاحتلالين البغيضين الفرنسي والاسباني . وكان العدوان الفرنسي و الاسباني الطرفين المعاديين للإسلام بشكل ظاهر،لأن احتلالهما للمغرب كان بخلفية عقدية تعود إلى ما يسمى الحروب الصليبية. وكان الإسلام وراء ظهور المقاومة التي طردت المحتلين معا من أرض المغرب . ومباشرة بعد الاستقلال ، وفي ظروف ما بعد الحرب الكونية الثانية التي تمخض عنها معسكران متنافسان على اقتسام العالم بإيديولوجيتين على طرفي نقيض ، وجدت في المغرب فئات موبوءة ومصابة بداء الانبهار بالغرب والتبعية الثقافية والفكرية له سواء تعلق الأمر بالمعسكر الغربي أم بالمعسكر الشرقي. وكانت الفئات ذات الهوى التابع للمعسكر الغربي من بقايا أصحاب الفكر الاستعماري ، بينما كانت الفئات ذات الهوى التابع للمعسكر الشرقي تقتبس فكره وثقافته المنافسة لفكر وثقافة الغرب . ومع اختلاف الثقافة والفكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا مع ثقافة وفكر الشرق بزعامة الاتحاد السوفياتي من حيث المنطلقات،فإنهما كانا على انسجام تام فيما يتعلق بالأهداف والغايات، وهي الهيمنة على الدول الضعيفة والحديثة عهد بالاستقلال. وكل من الثقافتين وجدت ضالتها في بعض المثقفين المنبهرين بهما في وطننا . وقد اتخذتا منهم الحطب الجزل لإيقاد النار الملتهمة للثقافة المغربية التي هي ثقافة إسلامية بامتياز وبكل المقاييس .
ونشأ بعد الاستقلال في المغرب صراع هذه الفئات فيما بينها، فئة تريد اقتباس النموذج الغربي الأمريكي أو الفرنسي سياسة وفكرا وثقافة ، وفئة تريد اقتباس النموذج الشرقي السوفياتي. وبقدر ما كان الصراع محتدما بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي بقدر ما كان الصراع أشد احتداما بين الفئتين عندنا في المغرب مع أنه لم يكن لهما لا ناقة ولا جمل في هذا الصراع المستورد بشكل فاضح ، وأنهما كانا معا ضحية التبعية والانبهار بالغير. وكانت الفئة المنبهرة بالمعسكر الغربي هي الفئة الحاكمة وصاحبة القرار ، بينما كانت الفئة المنبهرة بالمعسكر الشرقي هي الفئة المعارضة لها . وبهذه الخلفية نشأت الأحزاب المغربية وصارت يمينية موالية للمعسكر الغربي ، ويسارية موالية للمعسكر الشرقي . ومع الخلاف الكبير بين الفئتين المنبهرتين ، فقد كان العداء للإسلام يجمعهما في مضمار واحد، مع أن الفئة المنبهرة بالمعسكر الشرقي الذي يصدر في عقيدته عن الإلحاد كانت تستغل علاقة المعسكر الغربي الهشة بالدين الإسلامي ، وتدرج ضمن معاركها معه قضية الدين بشكل كبير ، لأن الدين بالنسبة لمنظري المعسكر الشرقي هو أفيون الشعوب. واغتنمت الفئة المنبهرة بإيديولوجيا المعسكر الشرقي سوء تدبير الفئة الحاكمة المنبهرة بالمعسكر الغربي لأمور السياسة ، واستغلالها للدين ، ووصايتها عليه ، فاستهدفته تماما كما استهدفته غريمتها المستلبة بالفكر والثقافة الغربية . وهكذا صار الإسلام ضحية الفئتين معا ، فئة تتنكر له جملة وتفصيلا وتعتبره أفيون الشعوب ، وفئة تركبه وتستغله لتحمله مسؤولية تدبيرها الفاشل . وأمام هذا الوضع ظهرت فئات تتبنى الدين الإسلامي ، وتخالف في توجهها الفئتين السابقتين معا ، وصارت هدفا واضحا للفئتين المستلبتين فكريا وثقافيا غربا وشرقا . ومع مرور الزمن وسقوط المعسكر الشرقي ، وظهور عالم القطب الواحد وهو المعسكر الغربي لم تجد الفئة المستلبة بفكر وثقافة المعسكر الشرقي المنهار بدا من الخضوع للمعسكر الغربي الغالب ، وبدأت في تطويع مقولات المعسكر الشرقي بشكل ينسجم مع مقولات المعسكر الغربي من قبيل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك مما يعد بضاعة غربية تم اقتباسها بشكل مثير للسخرية من طرف هذه الفئة المنبهرة والمستلبة بفكر وثقافة المعسكر الشرقي المنهار . ومع أن هذه الفئة وجدت نفسها عرضة للنقد الساخر وهي تعدل من إيديولوجيتها الثورية الراديكالية لتغازل الإيديولوجيا الغربية التي كانت تنعتها بالامبريالية ، فإنها لم تغير من نظرتها التقليدية المعادية للإسلام، وظلت على عدائها الصريح له ، بل ظلت تنعت أتباعه بالرجعية كما كانت تفعل من قبل في فترة الحرب الباردة . ومع أن الفئة الحاكمة المنبهرة بالفكر والثقافة الغربية لم تتدخر جهدا في التضييق على أتباع الإسلام وملاحقتهم ومحاكمتهم تنفيدا للأجندات الغربية فيما بعد فترة الحرب الباردة ، وهي فترة اختار الغرب أن يتخذ فيها من الإسلام عدوه لمواصلة حلقات ما يسمى الحروب الصليبية ، فإن الفئة المنبهرة بفكر وثقافة المعسكر الشرقي المنهار اختارت الوقوف إلى جانب غريمتها الفئة المنبهرة بفكر وثقافة المعسكر الغربي ضد أتباع الإسلام ونكاية فيهم ، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر . وبموقفها هذا وجدت نفسها تتخبط في تناقض صارخ ذلك أنها بعدما كانت تنعت أتباع الإسلام بالرجعية لعلاقتهم بالفئة الحاكمة المنبهرة بالغرب أصبح هذا النعت أولى بها وينطبق عليها حيث صارت رجعية بامتياز، وهي تردد مقولات الغرب في أتباع الإسلام وأشهر هذه المقولات الإرهاب وتداعياته . والمثير للسخرية اليوم أن يتنكر أتباع إيديولوجية المعسكر الشرقي المنهار لمقولاتهم حيث صاروا يرفضون مفهوم جماعة الأمة التي يقول بها الإسلام لفائدة حرية الفرد بما فيها حرية الجنس وحرية التبعية والانبطاح…. ، وكانوا قبل هذا يؤمنون بديكتاتورية الجماعة الملحدة . وصارت الجماعة عندهم عيب ومنقصة حين يتعلق الأمر بالأمة المؤمنة ، أما عندما يتعلق الأمر بالجماعة الملحدة فلا بأس . والمضحك أن هؤلاء لا يتنبهون إلى ما يقعون فيه من تناقضات صارخة وفاضحة أو يتعمدون ذلك لأنهم لا يخجلون من المساس بما يسمونها مبادءهم . فالذين قبلوا مرغمين إيديولوجيا المعسكر الغربي بديلا عن إيديولوجيا المعسكر الشرقي حين انهار وتنكر لهم ، لا يخجلون بطبيعة الحال من تنبني مواقف كانوا يعادونها من قبل ، وبالأحرى لا يخجلون من التمادي في عدائهم للإسلام انبطاحا أمام الغرب وتزلفا له . وهكذا صار لقطاء فكر وثقافة المعسكر الشرقي البائد في حالة شرود يتأرجحون بين إضمار وإظهار العداء للإسلام تحت شعارات مختلفة من قبيل الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وتبني المظالم اللغوية والثقافية المختلقة اختلاقا من أجل النيل من الإسلام في نهاية المطاف . ومع اندلاع حراك الربيع العربي ، ورهان الشعوب العربية على الأحزاب المحسوبة على الإسلام اشتدت عداوة لقطاء فكر وثقافة المعسكر الشرقي البائد ضد الإسلام ، وتخندقوا مع المعسكر الغربي في خندق واحد من أجل استهدافه. و كل ما يرفع اليوم من شعارات هؤلاء اللقطاء فكريا وثقافيا إنما سببه العداء للإسلام الذي أثبت أنه البديل الأوحد عن إيديولوجيتي المعسكرين معا المنهار والسائر في طريق الانهيار.
Aucun commentaire