استغلال الدين لأسباب دنيوية دليل على فساد الطوية
استغلال الدين لأسباب دنيوية دليل على فساد الطوية
محمد شركي
مما ابتلي به الدين الإسلامي أن بعض الأشقياء من البشر من مختلف الفئات الاجتماعية يغويهم الشيطان المريد ، فيطلبون بهذا الدين عرض الدنيا الزائل، ويكون ذلك دليل على فساد وخبث طويتهم بالرغم مما يتظاهرون به من صلاح. وطلب عرض الدنيا الزائل بالدين تجارة وبيع فاسدين. فالأصل في من صح إيمانه أنه يطلب الدين بالدنيا أي يحسن البيع الشراء ، فيجنب نفسه الخسارة من خلال طلب ما له قيمة دائمة مقابل ما له قيمة زائلة أو لا قيمة له . والقرآن الكريم يتحدث عن صفقات من البيع والشراء بين الخالق جل شأنه وبين خلقه . والشراء في اللغة العربية يدل على البيع والابتياع، لقول العرب شرى الشيء إذا باعه أوابتاعه ، واشتراه إذا ملكه بالبيع. والله عز وجل يقول في محكم التنزيل : (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )) ففي هذه الصفقة التجارية الإلهية نجد العرض هو الجنة والطلب هو الأنفس والأموال ، وهو عرض مربح ،لأنه يعطي الجنة الدائمة مقابل الأنفس والأموال الزائلة. ولهذا بكى الصديق رضوان الله عليه عندما نزلت هذه الآية ، فقال عجبت لفضل ربي علي يهبني نفسي ثم يشتريها مني ليربحني . ومقابل هذه الصفقة الرابحة ، يتحدث القرآن الكريم عن الصفقات الخسارة. وأكبر صفقة خاسرة تحدث عنها القرآن الكريم هو خسارة النفس حيث تنفق مقابل عذاب الخلد . فقول الله عز وجل : (( بئسما اشتروا به أنفسهم )) أو قوله تعالى : (( ولبئس ما شروا به أنفسهم )) يدل على خسارة هذه الصفقة، حيث يملك الخاسر عن طريق البيع وهو الاشتراء ما يضره ، أو يبيع نفسه ليبتاع الإضرار بها. والعقلاء من الناس هم الذين يجيدون البيع والابتياع كما جاء في قوله تعالى : (( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ))، فهؤلاء يبيعون، ويبتاعون البيع الرابح . أما أصحاب البيع الخاسر فهم الذين قال فيهم الله عز وجل : (( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم )). فهذه الصفقة الخاسرة هي نفسها ما عبر عنه الوحي في قوله تعالى : (( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين )) أو في قوله تعالى : (( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون )). وأكبر من خسارة مقايضة الكفر بالإيمان ، أو الضلالة بالهدى ، وأفدح منها خسارة بعد إيمان تسوي المؤمن بالكافر في المصير والمآل . وهذه الخسارة سببها استغلال الدين طلبا لعرض الدنيا الزائل ، وهو ما عبر عنه الوحي بقوله تعالى : (( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون )) . فأصحاب هذه الصفقة الخاسرة ليست خسارتهم ناتجة عن مقايضة الكفر بالإيمان، بل خسارتهم ناتجة عن مقايضة الثمن القليل ، وهو عرض الدنيا الزائل بالكتاب . وقد يقف البعض عند خصوص السبب ، إذ يتعلق الأمر بعلماء بني إسرائيل ،متجاهلا عموم لفظ هذه الآية ،والذي يشير إلى كل صفقة من هذا النوع ، وإلى كل علماء لهم علاقة بكتاب الله عز وجل في كل عصر ومصر. فالمطلوب من العلماء بكتاب الله عز وجل أن يتولوا بيان ما فيه للناس دون تعطيله وهو ما عبر عنه الوحي بالنبذ وراء الظهر إشارة إلى التعطيل. وقد يكون سبب التعطيل مقالا ، أو حالا من أجل حصول المعطل لكتاب الله عز وجل على عرض الدنيا الزائل ، وهو ما عبر عنه الوحي بالثمن القليل . فعلى سبيل المثال لا الحصر قد يسكت العلماء عن ظلم الحكام للمحكومين، فيكون ذلك عبارة عن صفقة مشبوهة يحصل بموجبها هؤلاء العلماء على رشوة، أو ثمن قليل سواء كان الثمن مالا أم جاها دنيويا من أجل السكوت عن تعطيل شرع الله عز وجل المتعلق بالعدل. وقد تعقد مثل هذه الصفقات بين العلماء ، وبين الأثرياء ، فيسكت العلماء عن فضائح الأثرياء سواء تعلق الأمر بفضائح أخلاقية أم اقتصادية ، وأشهرها فضائح الربا ، وفضائح استغلال الناس ، فيكون ذلك مقابل عرض الدنيا الزائل ، أو الثمن القليل. وقد يقايض بعض العلماء علمهم الذي من المفروض أن يكون لخدمة كتاب الله عز وجل بعرض الدنيا الزائل ، فينخرطون في مشاريع الأثرياء ، ومقاولاتهم ، وهم يعلمون علم اليقين أنها مشاريع ومقاولات أصولها فاسدة وباطلة بسبب غش ،أو تدليس ،أو مضاربة ،أو احتكار، أو استغلال غير مشروع ،أو متاجرة في محرم . وإذا كان ظلم الأثرياء الذين يجمعون الثروة بإحدى هذه الطرق المحرمة ظلما واحدا ، فظلم العلماء الذين يجارونهم في ذلك ظلم مضاعف لأنهم يقدمون عليه ، وهو أعلم به من الأثرياء ، وأفقه . ولقد توعد الله عز وجل هؤلاء بقوله : (( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار )) ومن كتمان ما أنزل الله عز وجل تعطيله مع وجود الداعي لتفعيله . فالعلماء الذين يعطلون النصوص المحرمة للربا ، والاحتكار ، والغش ، والاتجار في المحرم ، والغبن في البيوع ، والتحايل فيها في الحقيقة يكتمون ما أنزل الله عز وجل . وأقبح من ذلك أن يستغلوا علمهم للانخراط في هذه المحرمات والممنوعات طلبا لعرض الدنيا الزائل . فما أفدح خسارة صفقاتهم حين يقايضون علمهم بالنار ، وبغضب الله عز وجل. ومقايضة الدين بالدنيا لا يقتصر على العلماء بل هو دأب كثير من الناس ، وما ذكرنا نموذج العلماء إلا لقدرهم عند الناس ، ولكونهم قدوة . فإذا قايض العلماء الدنيا بالدين ، فماذا ينتظر من عامة الناس ؟، وهم يرون قدوتهم من العلماء متورطين في الصفقات الخاسرة ، وربما اعتقد العامة أن هذه الصفقات لها ما يبررها شرعا ،إذ لو كانت غير صحيحة لما أقدم عليها العلماء ، وهم أعلم بالحلال والحرام . وقد يفضح الله عز وجل الطوية الفاسدة من خلال هذه الصفقات الخاسرة .
Aucun commentaire