معيار الحكم على كل من ينتمي لأسرة التعليم هو صدقه ونفعه
أسرة التعليم ككل أسرة تتكون من أفراد تربطهم علاقة القرابة. ومعلوم أن صلاح كل أسرة يترتب عنه صلاح أفرادها ، كما أن فساد كل أسرة سببه فساد أفرادها. ورب أسرة يفسد أحد أفرادها فيؤثر فساده عليها. ولا يقل تأثير صلاح الفرد على الأسرة خصوصا إذا كان ترتيب هذا الفرد متميزا داخل الأسرة . وإذا ما تأملنا مكونات أسرة التعليم نجدها على غرار مكونات كل الأسر التي خلقها الله عز وجل بما في ذلك الأسرة البشرية الطبيعية الصغرى . وكما أن عماد كل أسرة زوجان لهما أبناء فكذلك شأن أسرة التعليم ، أما أبناؤها فهم المتعلمون الذين يوجههم آباء وأمهات الأرحام إلى المؤسسات التربوية بعد إنجابهم وتربيتهم إلى آجال معلومة ، وأما الآباء والأمهات في أسرة التعليم فهم المربون على اختلاف تخصصاتهم. فإذا كانت الأسرة البشرية الصغيرة تحتاج إلى أب واحد وأم واحدة فإن أسرة التعليم تحتاج إلى تعدد الآباء والأمهات نظرا لتعدد الأبناء المتعلمين.فوزير التربية أب ، وكاتبة الدولة أم ، والكاتب العام للوزارة أب ، والمفتش العام أب ، ومديرو المديريات ، ومديرو ومديرات الأكاديميات ، ونواب ونائبات الوزارة ، ومفتشو ومفتشات الوزارة ،ومديرو ومديرات المؤسسات ،والنظار والناظرات ، والحراس العامون والحارسات والممونون والممونات والمربون والمربيات والمعيدون والمعيدات والأعوان والعونات كلهم آباء وأمهات داخل أسرة التعليم . والعلاقة جدلية بين هؤلاء الآباء والأمهات حيث يؤثر الكل في الكل ويتأثر الكل بالكل ، وينعكس تأثير الكل في الأبناء وهم المتعلمون .
وكما أن التفكك الأسري داخل الأسرة البشرية الطبيعية الصغرى يؤثر في الأبناء الآثار السيئة العميقة فكذلك التفكك الأسري داخل أسرة التعليم يؤثر الآثار السلبية على المتعلمين الأبناء. فعندما يكون الأب في الأسرة الطبيعية الصغرى منحرفا معاقرا للخمر منغمسا في الفساد والرذائل فإن ذلك ينعكس على أبنائه بالضرورة . وغالبا ما يحكم الناس على تفكك الأسرة أوانحرافها انطلاقا من الحكم على الأب المنحرف.
وعندما يتعلق الأمر بالحكم على أبناء أسرة التعليم من المتعلمين ويكون الحكم سلبيا لا أحد يفكر في الآباء والأمهات المنحرفين والمنحرفات ، وكأن المتعلمين إنما نزل عليهم ما أصابهم من السماء . وقد ينشغل الآباء والأمهات في أسرة التعليم بتراشق التهم فيما بينهم للتملص من مسؤولية ما أصاب المتعلمين فكل واحد منهم يحاول النأي بنفسه عن تحمل مسؤولية ما يلحق بالمتعلمين. ولا أحد يفكر في أنه مسؤول عما يحدث للمتعلمين وأن درجة مسؤوليته على قدر درجة دوره داخل الأسرة . وكلما كبر الدور كبرت المسؤولية . ففشل المنظومة التربوية هو فشل الأب الأكبر السيد الوزير ، والأم الكبرى السيدة كاتبة الدولة ثم من يليهم مسؤولية إلى آخر مسؤول وهو عون الكنس. فقد يكون سبب الضرر على الأبناء المتعلمين قلم السيد الوزير كما قد تكون مكنسة السيد عون الكنس. وما بين قلم الوزير ومكنسة عون الكنس توجد وسائل متعددة لأطراف متعددة كلها تؤثر على المتعلمين ، وكلها متعالقة جدليا. فقد يكون قلم الوزير سديد الخطوط حكيم التدبير ولكن سداده وحكمته تصادف فساد وسائل غيره ممن يليه فيضيعان ، كما أن مكنسة عون الكنس قد تكون سديدة وفعالة ولكنها تتأثر بقلم الوزير المنحرف أو بما يليه من وسائل من يليه المنحرفة فلا يجدي الكنس الجيد شيئا . كثيرا ما ينشغل البعض بتغيير الأدوار داخل أسرة التعليم حيث يحل مسؤول مكان غيره أو بالتعبير الأسري أب مكان أب ، والعادة المألوفة أن بعض الآباء المنصرفين يذكرون بخير ويتأسف على ذهابهم أو نقلهم من جهة إلى أخرى ، والبعض الآخر تتنفس الصعداء بعد رحيلهم غير المأسوف عليه ، أو يتشاءم من التحاقهم بجهة بعد فسادهم وإفسادهم في غيرها . وقد يعول البعض على مثل هذه التغييرات ويراهن عليها متجاهل العلاقة الجدلية الرابطة بين أفراد أسرة التعليم. فالمسؤول الفاسد أو بالتعبير الأسري الأب المنحرف ينعكس انحرافه على من يتعالق معه جدليا ولا يمكن أن يصرف انحرافه عمن يليه لهذا لا يمكن أن يرحل بسهولة انحرافه بعد رحيله مباشرة . فكم من أب منحرف انصرف ولكن لم ينصرف بعده انحرافه . وكم من أب بار انصرف وبقي بعده بره وإحسانه بعد انصرافه إلى حين .
ومشكلة أسرة التعليم عندنا أن الآباء والأمهات فيها يختلط فيها البر بالفاجر والمنحرف بالبار ويحدث فيها خليط عجيب من البر والفجور والصلاح والفساد ينعكس على الأبناء. وأسرة التعليم عندنا هي التي عرفت أكبر عدد من الآباء الوزراء وقد ترك كل منهم آثاره ما صلح منها وما فسد في الأسرة بعد رحيله لأن كل واحد ممن قدر له أن يكون أبا لهذه الأسرة جلب إليها ممن يليه الفاسد والصالح وبالتالي جلب لها الفساد والصلاح فكانت النتيجة هي الهجنة في أسرة التعليم. ولو كانت الحكمة ضالتنا كما يجب في عقيدة الإسلام التي ندين بها لاخترنا الأب الوزير الأنسب لهذه الأسرة بعد أن جربنا العديد من الآباء الوزراء وعرفنا غثهم من سمينهم . وما يقال في هذا الصدد عن الآباء الوزراء يقال عن كل أنواع الآباء والأمهات ممن سبقت الإشارة إليهم. وآفة أسرة التعليم عندنا أنها تجرب أبا من نوع من الأنواع السالفة الذكر سواء كاتب دولة أو كاتبا عاما أو مفتشا عاما أو مديرا مركزيا أو مديرا جهويا أ ونائبا محليا أو مفتشا أو مدير مؤسسة أو ناظرا أو حارسا عاما أو ممونا أو مدرسا أو معيدا أو عونا فيظهر انحرافه وفساده باديا للعيان ومع ذلك يحتفظ بأبوته المغشوشة بل قد لا يقتصر فساده أو إفساده على جهة واحدة فيتسلط على غيرها كالورم الخبيث ليشيع الوباء حيثما حل وارتحل . ومن آفة أسرة التعليم أيضا انعدام الحمية والعلاج بالنسبة للعناصر الموبوءة .
فكم من أب في أسرة التعليم عاث في أسرة التعليم فسادا وأجمع غيره من الآباء على فساده ولكنه عوض أن يعالج العلاج الأنسب مهما كان حتى لو كان البتر كما هو الشأن مع الورم الخبيث الذي يخشى انتشاره مع اليأس من علاجه فإنه يصدر إلى جهة سليمة أو شبه مصابة أو حاملة للفيروس أو مستعدة للإصابة لينشط في فساده من جديد ويكون حجم الخسارة أكبر وأفدح . وأخيرا أقول ليس معيار الحكم على الآباء والأمهات في أسرة التعليم هو تغيير أماكنهم ومناصبهم بل معيار الحكم عليهم هو صدق أبوتهم وأمومتهم وثبوث نفعهم للأسرة . فكم من دم ملوث يحقن في الأجسام السليمة فيحولها إلى أجسام موبوءة . وما انتشر داء فقدان المناعة في الناس إلا عن طريق تحاقن الدم الملوث . ومع كل أسف لا أحد يتحدث أو يتنبه إلى داء فقدان المناعة في أسرة التعليم ، ولا أحد يفكر في انتقال حاملي الداء بكل حرية دون رقابة . وكل ما يوجد هو نقل وتنقيل عشوائي قوامه المحسوبية والزبونية دون إعارة أدنى انتباه إلى الذين يفسدون أسرة التعليم ولا يصلحون وهم عاشر الرهط الذين ذم القرآن الكريم منهم تسعة .
Aucun commentaire