عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب
متابعة: إدريس الواغيش
احتضنت قاعة المحاضرات التابعة لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية سايس- فاس صباح يوم الثلاثاء 7 ماي 2024م محاضرة ألقاها الإعلامي عبد الصمد بن شريف « مدير القناة الثقافية » تمَحور موضوعها حول: « تحوّلات الإعلام السّمعي البَصري بالمغرب ». الجلسة كانت من تسيير الدكتور محمد الزوهري الأستاذ بشعبة الإعلام والتواصل، حضرها إعلاميون من المدينة، أساتذة جامعيون وطلاب وطالبات من شعبة علوم الإعلام والتواصل وشعبة اللغة الإنجليزية من نفس الكلية.
بعد الكلمة التقديمية للدكتور الزوهري، جاء دور الإعلامي عبد الصمد بن الشريف وبسط للحضور في بداية كلمته أهمية التواصل مع طلبة الشعبة، وأن « اللقاء هو تنوير الطريق لمن له طموح في امتهان مهنة المتاعب، في عالم تسوده تيارات فكرية متباينة ». وتعود بداية ظهور بن شريف الإعلامي إلى وقت كانت فيه الصحافة قوية بالمغرب، يمارسها مناضلون ومناضلات بتدافع فكري وإيديولوجي في مرحلة ستبقى علامة مسجلة في تاريخ المغرب المعاصر، تميّز بوجود ديناميكية فكرية وسياسية تبنت خطابا مُعيّنا في مجتمع تؤطره تيارات فكرية غنية بتنوع مشاربها. يقول عبد الصمد بن شريف في هذا الإطار « لم أكن أدرس لأجد لي مكانا في سوق الشغل، كما يحدث في الغالب، ولكن هذا لا يمنع من القول إن الطموح كان كبيرا، رغم أننا عاصرنا زمنا صعبًا، عُرف بسنوات الجمر والرصاص ». وللحقيقة والتاريخ، كانت كتابة مقال صحافي في تلك الفترة يُخضعك للمُساءلة أو يودعك في السّجن، وإن كان هذا الجيل يعرف أن ذلك الوضع لم يعد مُمكنا في ظل المتغيّرات الحالية، وما يعيشه المغرب من عدالة انتقالية. وتبقى تجربة الإعلاميّين البارزين دائما ما تجرّ وراءها واقعا قاسيا عاشه الكثير من الإعلاميين العالميين وحتى العرب منهم. وفي هذا الباب يقول بن شريف أن « فيصل القاسم المذيع الشهير بقناة الجزيرة القطرية عاش بدوره تجربة قاسية تحت عتبة الفقر في أرياف سوريا، وتحمّل الصعاب والإهانات، وكان كسولا في دراسته باعترافه، ليس تقصيرًا منه، ولكن لأن ظروفه الاجتماعية كانت صعبة ». والناس تقاوم وتصمد أمام الصعاب، وفي الحياة لا شيء مستحيل إذا تسلحنا بالعزيمة. ومهنة الصحافة لا يمكن اختزالها في تقديم نشرة الأخبار أو برنامج حواري ناجح. ويضيف عبد الصمد بن شريف قائلا: » قمت بعدة أنشطة إعلامية، وأيّ عمل كنت أقوم به، كان يتطلب منّي مجهودات مُضاعفة. نشرة الأخبار يجب أن تقرأ في سياقها، والحوار يتطلب معرفة كل ما يحيط بالمحاور من خلال طريقة حوارية توليدية، والاطلاع على سيرته الذاتية كاملة. كما يجب على الإعلامي أن يكون متفاعلا مع محاوره، وأن يأخذ من المحاور كل ما يتطلب البرنامج ».
ويضيف: «لا نستضيف مثقفا كبيرا مثل حنا مينا أو عابد الجابري مثلا، ونحن لا نعرف عنه شيئا ». ثم يستطرد قائلا: « برنار بيفو استضاف محمد شكري في أول مساره الأدبي، واستطاع أن يُخرج شكري سالمًا من هذه الوَعكة الفكرية، بالنظر إلى مُستواه الفكري في برنامج شهير، لا يستضيف إلا كبار الشخصيات العالمية في الفن والفكر والأدب ».
بعد ذلك انتقل المُحاضر بن شريف إلى ماضيه ونشأته الأولى، وفي هذا الصّدد يقول: » كنت في طفولتي مهووسا بالاستماع للإذاعة، ونحن في بادية بني بوفراح بتارجيست نواحي الحسيمة لم نكن نتوفر على كهرباء، وسبق لي أن سُجنت، لأنني كنت يساريا، وأكتب رغم ذلك من داخل السجن في ظروف سيئة. ومع ذلك قرأنا وانتصرنا على ذواتنا وعلى كل المُخططات. نشرت باسم مستعار، واخترت أن أكتب باسم « عبد الصمد اليمني » لأن اليمن كانت تشكل يوتوبيا بالنسبة إلينا، لأن اللبس أفادني مثل أيّ كاتب يساري في جريدة يمينية. كتبت بن شريف أيضا في مجلات عربية كانت تصدر من باريس، وكنت آمل أن أكون مراسلا في يوم ما لهذه المجلات. وآمنت إيمانا عميقا بأنه سيتحقق يوما هذا الوهم ». وعن بدايته الصحافية يقول بن شريف: «قبل التلفزيون، توجهت إلى الصحافة المكتوبة، لأنها كانت تحقق لي بعضا من توَهّماتي. كتبت في العمود الصحافي، وفيه بُحت بكل شيء كنت أريد قوله ». ويضيف عبد الصمد: « كتبت في جريدة « الميثاق الوطني »، وكان يوجد بها خليط من اليساريين المبدعين، وفيها انفتحنا على عدة مرجعيات فكرية وسياسية مغربية وعربية وعالمية ».
وعن التحاقه بقناة الدوزيم 2M يقول الأستاذ عبد الصمد: «التحقت بالقناة الثانية التي كان الحسن الثاني رحمه الله تعالى يهيئ يومها للانتقال السياسي. وتعلمنا فيها كيفية تكسير الجدار النفسي بين المغاربة والميكروفون. وفيها انتقل تقديم الأخبار من طابعه التقليدي إلى الكثير من الجرأة التي لم يكن المشاهد المغربي مُتعوّدًا عليها، وكانت « قناة دوزيم » يومها كنوع من البريستيج بالنسبة لنا في المغرب. اجتمع فيها نجوم مقدمي برامج الشاشة المغربية الصغيرة، وكانت هذه القناة تمثل ما يعادل «قناة الجزيرة » بالنسبة لكثير من المغاربة.
ويضيف المحاضر في انتشاء «التقيت رئيس ديوان رئيس نيجيريا في إحدى المناسبات، وأخبرني أنه يشاهدها، وكنت أنا فخورا بذلك ». والحقيقة أن قناة (2M كانت رائدة كمؤسسة إعلامية غير تقليدية، تعكس ما يشهده المغرب من تطور وتحول على جميع المستويات: الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. إلخ ». ويمكننا القول اليوم أن قناة « MD1TV » تلعب هذا الدور حاليا بشكل من الأشكال، لأن التلفزيون يجب أن يكون شاهدا على ما يعرفه المجتمع من تحول على جميع المستويات. ويضيف المحاضر بن شريف قائلا: «كنت أدافع على المثقفين وأشجع الصحافيين في هذا المجال على ذلك، والبرامج الحوارية تتم بناء على تصور مستقبلي وعلى رزنامة من الأهداف، لأن البرامج تحدد القضايا الكبرى في المجتمع المغربي بكل أطيافه » .
وعن حيادية الإعلام يقول بن شريف: «أغلب البرامج لها أهداف معينة وخطط محددة ». ولو أخذنا ما يقع في غزة من كوارث اليوم، سنعرف أن ليس هناك مطلق أخلاقي، وليست هناك قنوات كاملة النزاهة، الصحافة أصبحت محكومة، حتى في دول الغرب التي تدعي الديمقراطية والشفافية، لقد عرت أحداث كثيرة ومنها ما وقع في غزة الصحافة والإعلام في كبريات القنوات العالمية مثل الBBC وغيرها. الرأي المغاير لم يعد مقبولا، هناك سردية جاهزة ومخطط لها يراد تمريرها، وليس هناك قاعدة ذهبية في كل ما يحدث عبر العالم. ولذلك « يجب أن نخلق قنواتنا الخاصة، وأن ندافع عن ثقافتنا وهويتنا الوطنية، دون الاحتماء بالمقولة الشهيرة « قولو العام زين » يقول المحاضر.ويضيف » أحيانا يجب أن نتحلى بالجرأة، ونعري واقعنا بكل نقصانه، لأن الإقرار بشيء غير موجود، هو إساءة لأي مؤسسة مهما ادعت من حيادية ».
عالم اليوم مع تحرير الإعلام بكل أنواعه، ولذلك قد يخلق الصحافي صراعا بين الزوج وزوجته وبين دولة وأخرى، كل واحد يريد أن يقول ما يريد بحرية في هذا العالم، ويصور ما يشاء، ولذلك أصبح من الضروري أن نتحرى المصداقية، وأن نتأكد من مصدر الخبر ومصداقيته تفاديا لاي متابعة قضائية. الخبر الكاذب يسيء إلى الأشخاص كما المجتمعات والدول، وهناك مؤسسات تريد أن تقول ما تريد لخدمة أجندات دول معينة. ولكن لا يجب أن تسقطنا حرية التعبير في الغباء السياسي والأخلاقي. وحينها نكون قد ذبحنا الإعلام وخلقنا الفتنة، وهو ما تعمل عليه بعض المؤسسات الإعلامية في بعض الدول، وهو ما تريده جارتنا في الشرق من خلال نشر أخبار كاذبة. هذه مؤسسات فما بالك بالأفراد، زعزعة الاستقرار أمر سهل، ولذلك يجب تمرير الخطاب بنوع من الذكاء، وليس بكامل الغباء. وعن « السبق الصحافي » يقول المحاضر بن شريف: «السبق الإخباري، هو أن تأتي بأخبار بناء على مصادر موثوقة ومؤكدة ومعلومات متطابقة. وأن نحافظ على الحد الأدنى من أخلاقيات الصحافة، لأن هذه الأخلاقيات لا تنبني على « البوز »، وإنما على مصداقية الخبر ».
ويؤكد عبد الصمد بن شريف، بما يجره وراءه من تجربة إعلامية وخبرة في المجال، أنه » يجب أن يكون لدينا إعلام قوي على المستوى الخاص ومستوى الدولة، وإعادة النظر في كثير من اليقينيات ». التحديث الإعلامي يتم في المغرب بالتدريج، وهذا ما يجب العمل على تسريعه في إطار مؤسسات إعلامية جادة وهادفة، خصوصا ونحن مقبلون على أحداث مهمة « كأس إفريقيا » و »كأس العالم »، ولكن هذا التحديث يتم ببطء شديد في المغرب. ولكي تكون لنا قنوات قوية، يجب أن تسند بنوع من الدعم السياسي. ونحن في المغرب، يقول المحاضر: « مجبرون على الانخراط الإعلامي في عالم يسيطر عليه الذكاء الاصطناعي، وهو أمر ضروري للحفاظ على الإعلامي، بنفس الإصرار الذي نعمل فيه على الحفاظ على أمننا الثقافي والغذائي والروحي والهوياتي »، إن نحن أردنا البقاء في عالم يعيش اليوم نوعا من الانزياح الاستراتيجي، تقوم به القوى الكبرى في جميع أنحاء المعمور، لأن العالم يعرف حالة من الفوضى واللاستقرار.
وعن الإعلام البديل متمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي بكل أطيافها، وهو ما يقابله الإعلام التقليدي الذي أصبح متجاوزا، ولكنه « مثل السلاح النووي يصلح للبناء، كما يصلح للتدمير » يوضح بن شريف. وهو إعلام يمكن أن نوظفه ونوجهه في الاتجاه الصحيح أو العكس. في الإعلام البديل يصبح الزمن السائد كله داخل (Smartphone) السمارت فون أو ما يسمى الهواتف الذكية، ويصبح الكائن البشري منعزلا عن وسطه الاجتماعي. وبالتالي فإن الإعلام البديل داخل هذه المنظومة الدولية تديره شركات عالمية مثل: آبل، غوغل، فيسبوك، واتساب، تيك توك وغيرها. أرباحها أكبر من شركات النفط والسلاح، ويبقى المستعمل فيه مجرد وسيلة. الإعلام الوسيط أصبح مع مرور الوقت يسيطر على اقتصادات الدول ويوجهها، وهنا قد تواجه الإنسانية برمتها تحديات كبرى، قد يسرح الصحافيون من مناصبهم ويبقى الروبوتات وحدهم في المؤسسات الإعلامية، ولذلك فقد أصبحنا مُعَولمون ورهائن عند العولمة. التطرف والغلو في استعمال هذه الثورة التكنولوجية والمعلوماتية يساهم في زعزعة القيم والأخلاق، والشركات العالمية لا يهمها الأخلاق، ولهذا يجب أن نكون وسطيين في استخدام الذكاء الاصطناعي وسط هذه الفوضى الإعلامية العارمة. الذكاء الاصطناعي يعلم الكسل والاسترخاء، وإن كان له من منافع فإنها تقتصر على الطب مثلا وغيره من المهن.
وعن تجربته في الكتابة، يقول الإعلامي عبد الصمد بن شريف «رافقتني الكتابة منذ صغري، كنت أعتبرها شكلا من أشكال الوجود. كنت أكتب محاولا تغيير المجتمع، ولا يمكن أن تكتب دون أن تقرا. كتبت انطلاقا من قناعاتي والتزامي الأخلاقي، وكنت أبحث عن نقل همومي، وهي مرتبطة غالبا بالمآسي في مناطق بذاتها مثل فلسطين وأمريكا اللاتينية. بدأت بالخاطرة، ولكنها كانت مؤثرة برُؤية فكرية. ويضيف بن شريف » حاولت أن أركب عالمي الخاص من خيالي، أشكله من المتناقضات المحيطة بي في الحياة. بدأت بنصوص تأملية. ولكن تطورت هذه التجربة حينما اتسعت الآفاق، وحاولت أن أدبر التحول الذي عشته مع جيلي، وأزاوج بسلاسة وعقلانية بين السياسة والإعلام والإبداع في نفس الوقت ».
Aucun commentaire