Home»International»للذين يعتقدون أن الأمم المتحدة عبارة عن جمعية خيرية!!!

للذين يعتقدون أن الأمم المتحدة عبارة عن جمعية خيرية!!!

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

للذين يعتقدون أن الأمم المتحدة عبارة عن جمعية خيرية!!!

وأنا أتصفح بعض المواقع الإلكترونية المعتادة، صادفت فيديو لأحد الدعاة الأردنيين يكشف فيه عن « الفضيحة الأخلاقية » التي فجَّرها مكتب « الأخلاقيات » التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين « الأونروا »، التابعة للأمم المتحدة، بإصداره مستندا بعنوان: « مدونة قواعد السلوك »، تشمل مجموعة من « قيم ومبادئ ومعايير السلوك »، من بينها « حقوق المثليين ». وعملا على تجسيده على أرض الواقع، قام مؤخرا بتوزيع نشرات على مدراء المناطق التعليمية بغزة، بهدف تعميمها على المعلمين، ليقوموا بدورهم بنقلها إلى الطلاب، وهي تعليمات وتوجيهات تَدْعَم » الشذوذ والمثلية »، باعتبارها من مبادئ المساواة، وهذا ما أكَّدَتْهُ مجموعة من المنابر الإعلامية، من بينها جريدتي « القدس العربي » و »رأي اليوم ». وفيما يلي نص « مدونة السلوك » كما نشَرتْه هذه الأخيرة:  » تنظر الأونروا إلى المساواة بين الجنسين وفقًا لآراء الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك تتصف المساواة بين الجنسين بشمول الزملاء والمستفيدين من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين وأفراد الفئات الجنسانية الأخرى(LGBT-1)، وفي حال تعارض ذلك مع الأعراف الثقافية المحلية يجب أن تسترشد سلوكياتنا معايير السلوك للخدمة المدنية الدولية وغيرها من الأنظمة والقواعد التابعة للأمم المتحدة ».

بغض النظر عن موقف المعنيين المباشرين، الذين هم اللاجئون الفلسطينيون، من هذه المدونة، والذي لا يمكن إلا أن يكون موقف رفض واستنكار، كما تمت الإشارة إلى ذلك في عدد من المواقع الإعلامية، يبقى هناك سؤال جوهري تتعين الإجابة عليه ألا وهو: هل أَصْلُ الرفض والاستنكار ناتج عن موقف مبدئي؟ يستتبع التفكير في الآليات والوسائل الاستراتيجية التي تحول دون تكرار هذه الممارسات، التي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان التي تدخُل ضمنها حرية المعتقد الذي يُعتبر المستهدف الأول من هذه المدونة؟ أم أنه ذو طابع انفعالي، مآله التلاشي مع مرور الزمن وتأثير الضغوط التي تستهدف لقمة عيشهم.

إن ما تم الإفصاح عنه بخصوص مخطط  تطبيع اللاجئين الفلسطينيين في غزة مع الشذوذ والمثلية، ليس سوى الجزء الظاهر من الجبل الجليدي، أما ما خفي منه فهو أعظم، ذلك لأن كل الشعوب العربية والإسلامية مستهدفة، وربما بحدة أكبر، بحيث إذا كانت الخطة التي أُريدَ من خلالها تسويق « مدونة قواعد السلوك » للفلسطينيين قد استهدفت مدراء المناطق التعليمية بشكل مباشر، مما سرَّع من ردة فعل المعلمين، ورفضهم تنفيذ محتوى تلك التعليمات، فإن المخطط المعتمد بالنسبة لباقي الدول العربية والإسلامية، يسعى إلى اختراق دساتيرها، من خلال تضمينها أولوية العمل بمضمون الاتفاقيات المصادق عليها، فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات الفردية، كما هي مُعرَّفة من قبل الأمم المتحدة، مع اختلافٍ طفيف في التعابير المستعملة، بحيث تتراوح بين التلميح المضمر، والتصريح الجلي. فنجد على سبيل المثال في الفصل الرابع والخمسون من دستور تونس ما يلي: » لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلاّ بمقتضى قانون … ويجب ألاّ تمس هذه القيود بجوهر الحقـــوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبررة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها »، وورد في ديباجة الدستور الجزائري ما يلي: « يعبِّر الشعب الجزائري عن تمسكه بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر »،  فيما تنص المادة 93 من دستور مصر على ما يلي:  » تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدّق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة »، أما الدستور المغربي فيبدو أنه أكثرهم جرأة عندما أقَرَّ في تصديره بما يلي: « جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة ».

وبعد هذا، هل يبقى من شك في أن الأمة العربية والإسلامية مستهدفة في قيمها وعقيدتها؟ حتى أضحى حالُها شبيها بحال الحمار الذي يأكل من بردعته *، حتى إذا انتهى منها، وجد نفسه أمام إكراهين اثنين، الأول يتمثل في البحث عن قوته اليومي، والثاني في تحمُّل الأذى الناتج عن احتكاكه المباشر مع الأغراض التي يُحَمَّلُها، مما يتسبب له في تَقرُّحات قد لا تندمل إلا إذا تمت إغاثته ببردعة أخرى. ويبدو أن هذا هو حالنا عندما آثرنا الأكل بالبردعة، لأننا ألفنا أن نُمَدَّ ببردعة جديدة كل ما انتهينا من أكل التي قبلها، ونحن نحسب أنه يُرْأَفُ بنا، في الوقت الذي تُرسَّخ فينا آفة التواكل، التي لولاها لما آثرنا الأكل من البردعة، ولما تركنا المُروج والخيرات التي تعج بها بلادنا، لينهبها غيرُنا ويستمتع بها.

لقد آن الأوان للاعتماد على النفس، والامتناع على حمل تلك الأثقال والأغراض التي يُرغمنا على حملها الآخر بكل تلويناته سواء ببردعة أو بدونها، ونعيشَ أحرارا، ولعل ما يقع في مجموعة من البلدان الأفريقية، لمن المؤشرات الدالة على إمكانية التحرر من كل من يريد أن يُغرينا ببردعة جديدة، ذلك أن ثمن هذه الأخيرة لن يكون أقل من الأولى، مع العلم أنه « ليس في القنافد أملس » كما يقال، وأن « الكفر ملة واحدة » على حد قول الجمهور، وليس ما يبدونه من اختلاف بينهم في تعاملهم معنا سوى مسرحية تجلت خيوطها عبر مجموعة من المشاهد التي تُتَبادل فيها  الأدوار، فهذه فرنسا « تعترض » على غزو أمريكا للعراق، وهذه أمريكا وروسيا تعارضان تواجد فر نسا بأفريقيا، وهذه إسبانيا تعترف بمغربية الصحراء، فيما لا زالت فر نسا في موقف المعاكس، مع العلم أنهما من اختلقتا المشكل الذي تعرفانه معرفة تامة مسنودة بالوثائق التي تثبت حقيقة الصحراء المغربية.

قبل الختام، أود أن أذكِّر ضعيفي الذاكرة، الذين يعتقدون بأن الأمم المتحدة عبارة عن جمعية خيرية، مهمتها المساعدة على النهوض بالأوضاع الاقتصادية والإنسانية للشعوب المغلوبة على أمرها، والحفاظ على عقائدها وقيمها، بأنه ليس للفقراء من انتمائهم للأمم المتحدة إلا الاسم، ذلك أن كل قراراتها مرهونة بإرادة « الفراعنة » الخمسة ومصالحهم، أما ما عدا ذلك فهو للاستهلاك والتعمية على الديموقراطية والحرية الموهومة ليس إلا، والدليل هو مساومة اللاجئين الفلسطينيين على قيمهم وأخلاقهم بشكل صريح ومباشر، وكذا إرغام مسؤولي الدول الإسلامية على تضيمن دساتير بلدانهم، كل ما له علاقة بالحريات الفردية وما يستتبعها من مثلية وشذوذ و… تحت غطاء اختيار الشعوب، علما أن ذلك يتناقض تناقضا صارخا مع التنصيص فيها على أن الإسلام دين الدولة.

وختاما أقول بأن الأمة الإسلامية ليست أقل شأنا من الدول الإفريقية، التي انتفضت ضد مستعمر الأمس، لتنتفض بدورها ضد كل من يَجِدُّ في استغلال مواردها الطبيعية والبشرية، ويجتهد في استبدال دينها وثقافتها الأصيلة، بثقافة هجينة تتنافي مع الفطرة الإنسانية، وأنه إذا عجز مسؤولوها حتى عن مساندة الشعب الفلسطيني في محنته، وتوفير احتياجاته من المأكل والملبس والتعليم والتطبيب … وتمادوا في سفههم المتجسد في تبذير أموال الأمة في التفاهات التي تؤدي بالضرورة إلى الارتماء في أحضان الغرب، ومن على شاكلته، أقول لهم إذا أخفقوا في تحقيق المعلوم بالضرورة من الأخوة الإسلامية، بأنهم لا يستحقون أكثر من الأكل بالبردعة، التي يُؤتى بها من دهاليز الأمم المتحدة، إلى أن تتبعوا ملتهم، أو يرث الله الأرض ومن عليها.

* البردعة كناية عن كل ما يُقيِّدنا باسم المساعدات الإنسانية أو القروض أو جمعيات المجتمع المدني…

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *