التفكير بالألوان: (1)
التفكير بالألوان:1
ماهية التفكير:
التفكير في كلام العرب يعني « إعمال الخاطر في الشيئ…والتفكر:التأمل »([1]) .أما في الاصطلاح فمعناه: »قوة مطردة للعلم إلى المعلوم ،و جولان تلك القوة بحسب نظر العقل ،وذلك للإنسان دون الحيوان ،ولا يمكن أن يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب »([2]) . وهذا التعريف لا يخلو من تأثر بالفلسفة اليونانية الأرسطية، ذلك أنه مرتبط بتعريف « المفكر » الذي هو الإنسان، حيث دأب القدماء على ترديد حد الإنسان بقولهم: »الإنسان حيوان ناطق » .وهو إن لم يجد من يحدثه تحدث إلى نفسه، أو تحدث إلى نبات، أو حيوان ، أو جماد. وهذا الحد للإنسان، كما ذكرت يوناني أرسطي،يقف ضعيفا غير متماسك أمام « نباهة » « الهدهد »، في إقناع النبي « سليمان »عن سبب تغيبه.أو « شطارة » « النملة » في إنقاذ أمتها من أقدام وحوافر جيش سيدنا « سليمان »، مع التماس العذر له ولجنوده و »هم لا يشعرون ».
ولبيان الفرق بين الإنسان ،وغيره مما خلق الله، والحيوان من حيث اللغة، لا ينبغي أن ننطلق من السؤال الذي كانت تطرحه أغلب الدراسات: هل تتكلم الحيوانات ? ولكن نقطة انطلاق البحث يجب أن تكون : ما هي اللغة ?لأن التفكير في هذا السؤال المتعلق بماهية اللغة،هو الذي قد يحل هذه الإشكالية. على أن ما يهمنا من أمر اللغة في هذا السياق، هو الخطاب، أو اللسان، لما يكتسيه من أهمية في تكوين شخصية الإنسان. وقديما قال الإنسان العربي: »المرء بأصغريه:لسانه وجنانه ».وهذا المثل يفسره قول الشاعر الجاهلي: »لسان الفتى نصف ونصف فؤاده »([3]).لقد اختصر الإنسان العربي القديم بفطرته الإنسان في لسانه: أي لغته ، وعقله .فمن خلال اللغة نفكر، وندرك العالم، ونتواصل فيما بيننا، ونشتغل ،وننتج، ونترجم أفكارنا ومشاعرنا،حتى إن الفيلسوف الألماني « هيجل »يرى بأننا لا نفكر إلا داخل الكلمات،وأن الكلمة هي التي تصوغ الفكر وتشكله([4]).
وليس القصد من هذه المقاربة توضيح التفكير العلمي،بسماته الأساسية المتمثلة في :التراكمية والتنظيم، والبحث عن الأسباب، والشمولية، واليقين، والدقة، والتجريد([5])،وإن كان بعض من هذه السمات مطلوب ،ولكن الذي يعنينا هنا، هو تلك العلاقة الجدلية المنتظمة بين طبيعة التفكير، وبين سلامة العلاقات الإنسانية.وبعبارة أخرى: التفكير في بعده التواصلي و الاجتماعي…يتابع
………………………………………………………..
د:خالد عيادي
[1] ) معجم لسان العرب – ابن منظور- مادة (ف ك ر ).
[2] ) مفردات ألفاظ القرآن – الراغب الأصفهاني – مادة (ف ك ر ) ت- صفوان عدنان داوودي- ط – 1-1992 – دار العلم – دمشق- الدار الشامية- بيروت – ص:83.
[3] ) تمام البيت، وهو من معلقة « زهير بن أبي سلمى ».لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم.شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها.اعتنى بجمعه وتوضيحه للمرة الأولى.الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي – دار القلم – بيروت – لبنان – ص.122.
[4] ) اللغة والخطاب –عمر أوكان – أفريقيا الشرق – المغرب – 2001 – ص:12
[5] ) أنظر فصل سمات التفكير العلمي، في كتاب التفكير العلمي- فؤاد زكريا- عالم المعرفة- سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت- مارس-1978.
2 Comments
ابدعت واتحفت دكتور خالد عيادي ونعم الانسان .. هذا الاشكال هو لب لباب الاشكالات …..فليس علينا ان نطرح سؤال…. في ماذا نفكر؟؟؟ او لماذا نفكر …..؟؟؟؟؟………بل يجب ان نفكر في سؤال كيف نفكر ……؟؟؟ …فطبيعة التفكير في العقل العربي هي طبيعة احادية….نمطية …ثنائية ….كارثية….هي التي انتجت الحكم التصنيفي…. …نحن نرى فقط الشجرة التي تخفي الغابة في حين انه علينا ان ننظر الى الغابة كلها والشجرة واحدة من الشجر ……التفكير بالوان متعددة سمة العقل السديد الذي بامكانه ان يتكيف مع كل الاجناس عكس التفكير ذو البعد الواحد والإمّعي …اننا في نظري نحتاج الى المثقف النحلة التي تمتص الفكر من كل الازهار لتلد في الاخير عسلا ….وايضا هناك حاجة ماسة الى …الفلسفة …..روح الخطاب الفلسفي السليم منه لا المتطرف ……اقصد بها ذلك النشاط التفكيري ….الذي يجعلك تعرف عن شيء واحد مجموعة اشياء وعن مجموعة اشياء شيء واحد ….
مقتطف اكاديمي صرف وشيق..دكتور ….ومقاربات فلسفية نيرة …صراحة وما احوجنا لهكذا مقاربات فلسفية …فاللغة كما اشرت دكتور هي الفكر نفسه بلغة هيغل …اذ علينا ان نحسن في هذه الاداة المفكرة …..والتي بواسطتها قد يوزن الفرد……فليس لنا من هذا العالم سوى ما تتيحه لنا اللغة …وهذا اشكال فلسفي عمييييييق دكتور ….تخيل لو ازلنا اللغة من العالم …كيف سيصبح تمثلنا للاشياء ؟؟؟ تم هل اللغة حقا نجحت في وصف والباس الاشياء حقيقتها ……..؟؟؟ ………..وما الفرق بين لغة القلب ولغة العقل ..!!!