لولا الفقراء لضاع البرلمان، ولولا أبناء الفقراء لضاع العلم هل هذه المقولات صحيحة ؟
1)في الماضي
« لولا أبناء الفقراء لضاع العلم » كان شعارا لطالبي العلم في الماضي، إذ كان أغلبهم من الفقراء.أما الأغنياء فيتوجهون إلى البيع و الشراء أي إلى التجارة و المال و الأعمال.وهمهم مراكمة الثروة و المال. المال يصاحب الجاه يعتبر عنصرا من عناصر القوة و السلطة..
كان الحكام العرب و الملوك بصفة عامة في الماضي يجلسون العلماء و الشعراء و الأدباء، و يزينون مجالسهم بهم و يكرمونهم. و كانوا يخصصون وقتا للاستماع إلى مناقشاتهم و أشعارهم ومدحهم ومناظراتهم. فكان العلم في خدمة طلبة العلم و المؤرخين و السلاطين، وكذلك المال و الدين.أهل الدين هم أهل الحل و العقد كان وجودهم ضروري لتبرير سلوك الملوك و الحكام في الماضي.
2)في المضارع(الحاضر):
اتسعت المسافة بين الفقر و العلم.و أصبح العلم سلعة تباع و تشترى. فمن يملك المال يستطيع أن يكسب العلم و يتعلم في أرقى الجامعات و في البلدان الأكثر تطورا، و العكس غير صحيح.مع الفقر لا يستطيع الفقير متابعة الدراسة لكلفتها المرتفعة. وغالبا ما ينتهي به المطاف في وسط الطريق، فيبحث عن عمل يتقي به شر الفقر و العوز أن وجده .و لهذا كان المفكر المغربي محمد عابد الجابري يقول أن معظم المنتسبين إلى مهنة التعليم هم من الأسر الفقيرة و في أحسن الأحوال هم من الأسر المتوسطة.
الفقراء لا مكان لهم في المجتمعات التي تطبق اللبرالية المتوحشة ،فسياسيتها و التي يطلق عليها اللبرالية الجديدة، و التي تطبق قانون الغابة وهو قانون طبيعي بامتياز: مبدأه البقاء للأصلح وهو الأقوى أما الضعيف فمصيره الموت والانقراض. هذا الاتجاه الفكري كان سائدا في القرن التاسع عشر، وانتشر في كل البحوث الفكرية و العلمية و الثقافية و الأدبية و الاقتصادية و السياسية والاجتماعية و الدراسات الأانثربولوجية أيضا. و ما الماركسية إلا تعبير عن هذا الفكر،ومثلها في الدراسات الوراثية و التنوع و الانتخاب العالم الانجليزي تشارلز داروين، و توسعت إلى باقي العلوم و الدراسات و الأبحاث في مجال الحيوان و الإنسان و العلوم الاجتماعية بما فيها علوم التربية. انه تيار فكري عام وشامل لكل حقول المعرفة وموضة فكرية كموضة البنيوية مثلا.
الفقراء لا مكان لهم في العلم و الاقتصاد و السياسة و ممارسة الحكم. و في البلدان البرلمانية في العالم الثالث، يشكل الفقراء رصيدا مهما في فوز فلان أوعلان في الانتخابات البرلمانية و الجهوية. بحيث يتم ارتشاؤهم بالمواد الغذائية أو قطع مالية أو بوعد بعض الامتيازات الإدارية. و يكون الفقراء في البلدان المتخلفة التي تتبع النظام البرلماني خزانا مهما تعتمد عليه جل الأحزاب لدفع الفقراء من أجل المشاركة في و التصويت. تصويت الفقراء على الأغنياء هو الطريق لوصول هؤلاء إلى البرلمان أما الفئات المثقفة و المتنورة و المتعلمة فيصعب استدراجها للمشاركة في الانتخابات إذا أحست أنها ستكون مزورة، أو أنها لن تحل المشاكل المستعصية، أو أنها تزيد الأمور تعقيدا أو في أحسن الأحوال سيبقى الوضع كما هو عليه بدون تغيير و لا إصلاح. و يبقى اللجوء إلى الفقراء كورقة رابحة(الجوكر) لحفظ ماء وجه السياسيين كما يقولون، فلا وجود للبرلمان بدون برلمانيين (و يقال لا وجود لديمقراطية بدون ديمقراطيين).المحافظة و الحفاظ و استمرار المؤسسة البرلمانية يبنى على مرشحين يخوضون معارك انتخابية، هدفهم الوصول إلى قبة البرلمان ثم التفرغ للمكاسب و المنافع. لهذا عبرنا بالعنوان أن ذهاب و زوال الفقراء من المشهد الاجتماعي يعني زوال البرلمان. فلولا الفقراء لضاع البرلمان ، كما كان في السابق يقال « لولا أبناء الفقراء لضاع العلم ».
الخلاصة و الاستنتاج:ضاع العلم بزوال طلبته من الفقراء: كانت مقولة صحيحة في الماضي و لا اعتبار لها في الحاضر… فالعلم تحول إلى سلعة يباع و يشترى بالمال بل أصبح مادة تجارية. و يضيع البرلمان عندما يزول صغار المرتشين من الفقراء. و الكراسي بالبرلمان تخضع للمنطق التجاري (البيع و الشراء و من يدفع أكثر؟ الفقراء يقبضون الفتات و الأغنياء يستحوذون على الفرات ).هي أيضا مقولة صحيحة في البلدان المتخلفة التي تطبق ديمقراطية فيها هجاء و نقد و ثقب كبير و عيوب كثيرة؟
Aucun commentaire