الحق الذي لا يثار عليه غبار
الأمر البديهي كما يقول أهل الرياضيات، الذين يشتغلون على المقدمات و النتائج و البرهناتdémonstrations و البراهين و المبرهنات (التقليدية و المعاصرة،أي عندما اكتشف الإنسان العالم وليس العامل قديما، أن الأرض مسطحة، وكذلك عندما اكتشف العالم خطأ العلم القديم و أثبت أن الأرض كروية الشكل أو اهليجية الشكل).كما يعتمد الرياضيون (العلماء طبعا )على المسلمات و التعليلات و التحليلاتanalyses …
لكن لا أمر بديهي في العلوم الإنسانية، التي تصنف أنها علوم معيارية متغيرة في النتائج و المقاربات و المناهج و الفرضيات و التكهنات،بخلاف العلوم الحقة كالرياضات ((sciences exactes .وتدخل في هذه الفئة كل ما يتعلق من علوم تجريبية و علوم الحياة و الأرض…
لا أمر بديهي في العلوم الإنسانية نظرا لطبيعة الإنسان المتغيرة و التي يصعب التنبؤ بها أو التحكم فيها.ومن العلوم الإنسانية علوم السياسية بفروعها المختلفة و قضاياها المختلفة أيضا(أنواع أنظمة الحكم على سبيل المثل و الأحزاب السياسية…).
يلاحظ المراقبون أن عدد الأحزاب المعلنة المتواجدة بالمغرب يتراوح عددها بين 34 و36 حزبا معترفا به، قدم له الترخيص بالتواجد حسب قواعد اللعبة السياسية في المغرب.وهو رقم كثير و كبير أيضا.و من المنتظر أن تنشق عن الأحزاب الكبيرة أحزاب صغيرة خاصة إذا رأى بعض الأشخاص المنتمين لها، أن انتماءهم للحزب لا يحقق طموحاتهم و مآربهم في الوصول إلى الكراسي و المنافع المتعلقة بها.
و لكن يلاحظ المتتبعون للشأن الانتخابي، أن رغم هذا الزخم الكبير في عدد الأحزاب ( 34-36)، فان الكثير منها تعتبر أحزابا ميتة في الولادة و لا يكتب لها الحياة إلا في كل موسم انتخابات،يراودها أمل الحصول على كرسي في البرلمان ، ثم ترجع إلى السبات الشتوي كما تفعل بعض الحيوانات التي تعيش في المناطق القطبية.
ويلاحظ المتتبعون أيضا تشكل قطبين رئيسيين كبيرين متناقضين في الأهداف و المناهج ووسائل العمل و البناء الفكري الإيديولوجي:1) حزب العدالة و التنمية له توجه ديني و أفكار دينية و يتكون – كما يقال من أصحاب أنصاف اللحية(الإخوان المسلمون) .وهم دخلوا سنة 1996 مع الأمين العام للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية السيد عبد الكريم الخطيب.وهؤلاء يختلفون عن أصحاب اللحية الطويلة(السلفيون): الذين دخلوا مناضلين في أحزاب أخرى كالحركة الديمقراطية الاجتماعية « للكوميسير عميد الشرطة سابقا محمد عرشان).
2) القطب الآخر هو حزب الأصالة و المعاصرة الذي يتبنى مقاربة علمانية و فصل الدين عن السياسة،وهو يتكون حاليا من أصحاب المال و الأعمال و بعض اليساريين المنشقين و بعض الانتهازيين القدامى الذين لا تخلو أيديهم من الفساد عندما كانوا في مراكز السلطة و الحكم.
لهذا سيكون الصراع قويا و حادا –قد يتنبأ البعض أنه سيكون دمويا فليس من السهل التفريط في المكاسب و المناصب و حلاوة السلطة- فرغم أن كلا منهما خرج من رحم السلطة (المخزن) ليؤدي كل منهما الأدوار المناط بهما. فحزب العدالة و التنمية وجد لمعارضة أو محاربة الأحزاب اليسارية الاشتراكية…و الحال أن حزب الأصالة و المعاصرة وجد لمحاصرة الإسلاميين و تقويض بنيانهم…
بالنسبة للمغاربة يرون أن الصراع سيكون على أشده بين هذين الحزبين الكبيرين .و كل منهما يتبنى منهجا مختلفا في إدارة الشأن العام .
والمغاربة أيضا خبروا التجربة المحافظة لرجال يسيرون دواليب الدولة بمنطق ديني.إنهم جعلوا الدين شعارا في خدمة السياسة للوصول إلى الكراسي، وكانت منهجية ناجحة في ذلك الوقت الذي كان المغاربة لهم انتظارات لكن انكسرت و اندثرت ، و أمل تكسر وخاب مع مرور الزمن. و تأكد للعامة أن هؤلاء لا يختلفون عن غيرهم سوى أنهم عملوا بسبق الإصرار و الترصد، على طحن عامة الشعب و دكه دكا و سحقه سحقا.
و ينظر المغاربة أن لا هم لحزب الأصالة و المعاصرة إلا إبعاد الدين عن السياسة وجعل السياسة ميدانا للسياسيين وحدهم.
و أخيرا، للمغاربة يقين قاطع فاصل، أنهم لا يريدون حزبا اقصائيا يبين لهم ويشرح لهم كيف يكونون متدينين، و لا هم في حاجة لمن يشرح لهم العارفين كيف يدخلون الجنة؟ و لا كيف يتجنبون نواقض الوضوء؟ فكل إنسان على نفسه رقيب وحسيب، وكل إنسان يتحمل مسئولية و وزر فعله(و لا تزر وازرة وزر أخرى) صدق الله العظيم.و المغاربة أيضا ليس في رغبتهم انتظار حزب آخر لا هم له إلا الصراع على المناصب و الكراسي و حقه في الامتيازات ولو بغطاء علماني تحرري إقصائي.
فلا حزب من هذه الأحزاب المتصارعة قدم برنامجا سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا قابل للتطبيق يعالج الأمراض الاجتماعية و الاقتصادية التقليدية مثل التعليم و الصحة و العمل و السكن،و الأمراض المترتبة عن الفقر كالأجرام و الإرهاب و التطرف، و الدعارة و المخدرات . و الأمراض المترتبة عن الفقر و البؤس كالأوبئة(السل مثلا وفقدان المناعة المكتسبة الناتجة عن انتشار الدعارة و الشذوذ الجنسي ) ومشاكل التلوث (تلوث المكان و الهواء و الماء)…
نعتقد أن هذه هي الرهانات الحقيقية،وهي انتظارات المواطنين من البسطاء.أما الصراعات الإيديولوجية فمكانها الجامعة و المنابر و الصالونات و المقاهي الثقافية… أما المواطن فلا يهمه من الحروب الكلامية في اللبرالية أو الاشتراكية أو الدولة الدينية شيئا…خاصة إذا كانت هذه الأنظمة في الحكم لا تجلب إلا لأصحابها المنافع و الغنائم و الامتيازات على أشكالها و أنواعها.أما الشعب المتفرج في نظر هؤلاء القوم الانتهازيين فله، روث البقر و روث كل البهائم التي تدب على الأرض يتبرك بها …
هذا كلام المغاربة وهي الحقيقة التي يؤمنون بها ، وهذا هو الحق الذي لا يثار عليه غبار … يسمعه المغاربة للسياسيين المتصارعين الآن على الحلبة الانتخابية، و ينتظرون بشغف من سيكون المنتصر؟…
فقد قال المتنبي رحمه الله الشاعر العبقري:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي و أسمعت كلماتي من به صمم
Aucun commentaire