قراءة في : بيداغوجية ما وراء المنهجية
قراءة في »بيداغوجية ما وراء المنهجية »
A Critical Reading on Post-Method Pedagogy
Ali Hamdane
أستاذ متدرب بمركز العرفان
الرباط
Aali.hamdane@gmail.com
قد يبدو العنوان غريبا شيئا ما لفئة من القراء، لذلك أود أولا أن أشرح مضمون العنوان قبل تقديم خلاصة وقراءة نقدية لمرتكزات هذه البيداغوجيا الجديدة.
غالبية التعاريف الواردة في كتب علوم وفلسفة التربية لمفهوم « البيداغوجيا » تدل على أنها » المقاربة أو المنهجية أو الطريقة المتبعة في إنجاز درس تربوي معين، أو دراسة تحليلية لها » ومن أبرز هذه المقاربات ندكر المقاربة بالأهداف، المقاربة بالكفايات، المقاربة التواصلية، المقاربة بالفرق الفردية والذكاءات المتعددة. تستمد هذه البيداغوجيات أسسها من النظريات اللغوية من جهة ومن النظريات التعلمية من جهة أخرى، والتي يتم تجسيدها على شكل « إجراءات منهجية » “Procedures” يتبعها الأستاذ عند تخطيط وإنجاز درس معين.
أما « ما وراء المنهجية “« ”Post- Method فهو يدل على تجاوز القيود النظرية والمنهجية التي عادة ما تفرضها بيداغوجيات التدريس سواء كانت قديمة أم جديدة. يرى رواد « ما وراء المنهجية » أنه ليست هناك « منهجية “وإنما هي مجرد أسطورة كان يتسابق حولها البيداغوجيون)رواد وصناع طرق التدريس( لابتكار الأفضل. لهذا تم تقديم مجموعة من الحجج لإقبار عهد المنهجية « “Death of Method ندكر من بينها:
اللغة كإيديولوجية: لا يمكن فصل الإيديولوجيا عن البنيات والاستعمالات الوظيفية للغة، فاللغة محملة بالإيديولوجيا، والإيديولوجيا بدورها تؤثر على بنيات واستعمالات اللغة. إذا فأي نظرية لغوية لا تأخذ بعين الاعتبار المتغير الإيديولوجي تعد قابلة للنقد، وبما أن جل منهجيات التدريس تستمد أسسها من النظريات اللغوية المحدودة (اللغة كبنية أو اللغة كوظيفة أو غيرها)، فإنها قابلة للنقاش.
نظريات التعلم: تم بناء أبرز نظريات التعلم انطلاقا من نظريات مختلفة ومتناقضة أحيانا وأبحاث ميدانية أخرى أجريت في سياقات مختلفة باتباع مناهج بحث معينة ومن طرف باحثين ذي توجهات مختلفة. وبما أن النتائج العلمية التي أسست عليها النظريات التعلمية قد تتغير تماما بتغير عناصر السياق التي أنجزت فيه تلك الدراسات، فإنها غير قادرة على التبني والتطبيق في سياقات أخرى.
المدرس: عند الحديث عن ممارسات التدريس، غالبا ما يشتكي الأساتذة من الهفوة بين ما هو نظري وما هو تطبيقي. إن اتباع الإجراءات المنهجية عند تبني أو ملاءمة طريقة تدريس معينة، تحول الأستاذ من إنسان إلى الوضع الآلي المبرمج. إذا فالمنهجية مقيدة للأستاذ، وهكذا تحرمه من الانطلاق من سياقه المألوف نحو التأمل والابداع والاستقلالية والتطور الذاتي والمهني.
مرتكزات بيداغوجية ما وراء المنهجية
لتجاوز الهفوة بين ما هو نظري وما هو تطبيقي، و لجعل مبدأ « التدريس التأملي » “Reflective Teaching “ ممكن التطبيق، تقوم « بيداغوجية ما وراء المنهجية » على ثلاثة مرتكزات متداخلة ومتكاملة وهي: الخصوصية Particularity, التطبيق العملي Practicality, الامكانية Possibility
مبدأ الخصوصية يشجع المدرس لأخذ خصوصية السياق السوسيوثقافي والسياسي واللغوي بعين الاعتبار عوض اتباع الإجراءات المنهجية الآلية التي تمليها طرق التدريس. أما مبدأ التطبيق العملي فهو يشجع الممارسين للابتعاد عن النظريات والبيداغوجيا الجاهزة ويوجههم نحو التنظير الذاتي انطلاقا من الممارسة وتطبيق ما ينظرون في نفس سياق العمل. وأما مرتكز الامكانية فهو يوسع من دائرة مفهوم التربية عامة والتدريس خاصة المقتصر سابقا على تدريس مادة التخصص ليشمل أبعادا أعم كالبعد السوسيوثقافي والسياسي داخل وخارج وسط التدريس. أي أن التدريس لا يقتصر فقط على إنجاز دروس مادة التخصص بل الانطلاق من المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية الخاصة بالمدرسة والتلاميذ لبناء وصقل هوياتهم وتيسير اندماجهم في مجتمع حداثي ذي قيم أخلاقية وإنسانية كونية.
تطبيق بيداغوجية ما وراء المنهجية
يقوم تنزيل هذه البيداغوجيا على تغير جذري على محاور المدرس، والمتعلم، وتكوين أساتذة الغد.
محور المدرس: تغير دور الأستاذ من الوضع الآلي إلى وضع « التدريس التأملي » “Reflective teaching” حيت يصبح فيه المدرس « ممارس متأمل » حول سيرورات التعلم والتعليم التي تجرى في وسط سوسيوثقافي وسياسي خاص، أي ممارسة التنظير من سياق الممارسة عوض اتباع الخطوات والحلول التي تمليها المقاربات والنظريات الجاهزة في الكتب والمقررات الدراسية. وهكذا يتم الارتقاء بالأدوار التقليدية للأستاذ (مدرس، مساعد، ميسر، مراقب…) التي تفرضها المقاربة المستعملة في التدريس إلى أدوار إضافية متقدمة يمكن أداؤها داخل وخارج الفصل الدراسي (مدرس، باحث، منظر، مفكر، مستشار في اتخاد القرارات السياسة والتخطيط التربوي …)، والتي تضمن له الاستقلالية في ممارسة فعل التدريس.
محور المتعلم: ترتقي هذه البيداغوجية كذاك بأدوار التلميذ حيث لا تجعله محور المتعلمات فقط بل الاعتراف به كعنصر فاعل وفعال ومسؤول داخل المنظومة التربوية. ويمكن تفعيل هذه الأدوار المتقدمة انطلاقا من عدة جوانب متعلقة بالمتعلم كالانطلاق من المعطيات السوسيوثقافية والهوياتية الخاصة به وتشجيعه على التعلم الذاتي والتعلم الاشتراكي والاستقلالية والتفكير النقدي والبحث داخل وخارج الفصل.
محور برامج تكوين الأساتذة: يقول رواد هذه البيداغوجيا إنه حان الوقت لتجاوز النموذج التقليدي “”Transmissional Model في برامج تكوين الأساتذة الذي يرتكز على نقل المعرفة البيداغوجية بطريقة عمودية من الأستاذ المكون الى الأستاذ المتدرب الذي يلعب دور الأستاذ تارة(وضعية التدريب الميدانية) ودور التلميذ تارة أخرى(وضعية نظرية)، والتوجه نحو نموذج بديل تحويلي ”Transformative Model”. يرتكز النموذج التحويلي على تحويل دور الأستاذ المتدرب من مستهلك للمعرفة إلى محلل ومنتج لها عن طريق خلق روابط بيداغوجية أفقية بينه وبين الأستاذ المكون والفاعليين الآخرين، حيت لا يصبح صوته ورأيه وخلفياته التجريبية والصورية والثقافية أقل أهمية في البرنامج التكويني.
قرأة في البيداغوجية البديلة
قد يعتبر المهتمون بالجديد في البيداغوجيا أن فلسفة البيداغوجية البديلة هي الأمثل والأنسب للتدريس في القرن الواحد والعشرين. قد يكون متتبعو الموضة وآخر الصيحات البيداغوجية على صواب لأن ما يسمى بيداغوجية ما وراء المنهجية تعدنا بمد الجسر بين الممارسة والتنظير ورفع القيود المنهجية على الممارسين. لكن الانتقال من الوضع التربوي الذي يعتمد فيه الأستاذ على مقاربة جاهزة الي وضع مغاير حيت يستمد طرق تدريسه من متغير السياق الخاص بالتلاميذ والمدرسة، يجب أن يمر عبر مراحل تدريجية. إذا كانت طبيعة السياق متعددة الأبعاد تتداخل فيه مجموعة من العوامل المركبة، فإن أي محاولة جادة لتحليله وفهمه تقتضي التأهيل النظري والتقني للممارسين للفعل التربوي. انطلاقا من قوانين البحث العلمي، لا يمكن للممارس أن ينظر من السياق التعليمي التعلمي فقط دون العودة لنظريات السابقة التي تشكل السياق الصوري والتفسيري لأي عمل يمتثل لمعايير البحت العلمي، فالمعرفة البيانية التقريرية « Declarative Knowledge » لا تقل أهمية عن المعرفة الإجرائية النظامية “Procedural Knowledge » بل تشكل نسقا متداخلا ومتكاملا تبنى وتتطور على مراحل معقدة.
إذا كان وعي وفهم المدرس لسياق عمله ملزم في التطبيق الفعال لفلسفة ما وراء البيداغوجية، فإن درايته واستعانته بالجوانب النظرية والفلسفية والمقارباتية قد يكون ملزما كذلك. أي أننا لا يمكن أن نتحدث عن بيداغوجية مثالية تستمد أسسها من التنظير أو الممارسة فقط، فممارسة الشيء باستمرار لا يقتضي بالضرورة إتقانه، والتنظير وحده غير كفيل لإنجاح الممارسة. وهكذا لا يمكننا وضع خط فاصل بين التنظير والممارسة، فهما عنصران متكاملان ومتلازمان.
يعد هدا التلخيص جد مركز ولتجنب أي سوء فهم راجع الى الترجمة أو سوء قرأة يرجى من القراء الكرام الاطلاع على الكتب التالية:
Kumaravadivelu, B. (2006). Understanding language teaching: From method to post-method. Mahwah, N.J: Lawrence Erlbaum
Richards, J. C., & Renandya, W. A. (2002). Methodology in language teaching: An anthology of current practice. New York: Cambridge University Press.
Byram, M., & Grundy, P. (2003). Context and culture in language teaching and learning. Clevedon: Multilingual Matters
Aucun commentaire