إحياء لذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 1966 والمتعلقة بأوضاع المعلمين، يتم الاحتفال كل خامس أكتوبر من كل سنة منذ 1994 باليوم العالمي للمدرس ، ودعوة الناس بمختلف فئاتهم إلى الاعتراف بوظيفته النبيلة التي لا غنى عنها، والعسيرة في الغالب والمتسمة بالتضحية الذاتية، التي يؤديها من أجل توفير التعليم الجيد.إن الكثير من المدرسين في العالم والذين يتجاوز عددهم 60 مليون مدرس ومدرسة، وفي عهدتهم أكثر من ملياري طفل، يمارسون وظيفة التدريس في ظروف صعبة للغاية، فأغلبهم يعملون في بلدان نامية وفي بيئات فقيرة في أمس الحاجة إلى تحسين ظروف التدريس والتعلم، كما أنهم يواجهون صعوبات من أجل تقديم مطالبهم وإسماع صوتهم للتأثير في القرارات المتعلقة بالعمليات التعليمية المطالبين بتطبيقها ومآرب أخرى.
ففي إطار النقد والنقد الذاتي، اسمحوا لي أيها الرفاق  ونحن نحتفل بهذا اليوم العالمي بطعم العلقم ، أن أجلد نفسي وأجلد الجميع، ولن أستثني أحدا، فأنتم تشاهدون بأم أعينكم نكبتنا وهزيمتنا وتشرذمنا، أإلاه مع الله، ها أنتم ترون ماذا يفعل القوم فينا وبنا، أإلاه مع الله، فكل فئات المجتمع ترى فينا جيشا من العاطلين الذين يتمتعون بكثرة العطل والراحة دون بقية الموظفين ، ويأكلون السحت ولا يحللون أجورهم ، ويكثرون من الإضرابات والمطالبة الدائمة بالزيادة دون خلق الله كأن على رؤوسهم ريشة، وها هي حكومتنا تجهز على مكتسباتنا التاريخية ونحن نتفرج،  ومنا من يبارك ذلك تشيعا وتنقبا وتحزبا ، وها هي وزارتنا تتهمنا وتحملنا  مسؤولية فشل الإصلاحات وتدني جودة التعليم في المدرسة العمومية وضعف مخارجها، انظروا كيف بلقنوا المدرسة العمومية، وفرخوا أنواعا جديدة من الباكلوريات واصبح « كلها يلغى بلغاه »، انظروا كيف قسموا رجال التعليم إلى سلاليم ودرجات، وساد شعار  » نصف ماندة ربع خدمة »، ركبوا الوطنية وفرضوا التطوع الاجباري على المتقاعدات والمتقاعدين من رجال التعليم فقط وبدون تعويض، وإمعانا في التنكيل بالمعلم حرموه من أجرة شهر شتنبر وبالتالي من تأدية عيد الأضحى كبقية المغاربة، مما أدى بالبعض إلى الاستدانة لحفظ ماء الوجه، ألم تكن سنة إضافية كافية لتسوية أوضاعهم…على أي وطنية تتحدثون، وها هم الاباء ذوي السلطة والنفوذ يتهمون المعلم بانه دائما مصدر المشاكل وتبرئة ابنائهم باعتبارهم اسر يسودها القيم والأخلاق، ونحن رعاع وأوباش،  وهاهم التلاميذ والتلميذات يهشمون أطرافنا ويهدرون دماءنا تشجيعا من مذكرات الذل والهوان الصادرة من وزارتنا، وها هم التلاميذ يغشون في الامتحانات على عينيك يا بنعدي ولا أحد ينهرهم أو ينهاهم خوفا على سلامته، وها هم الاوباش يغتصبون أستاذاتنا في البوادي والقرى وتقيد نوازلهم ضد مجهول، ها هم يفرقون بين المرء وزوجه بواسطة حركاتهم الانتقالية، ويتركون الأزواج يمارسون حياتهم الزوجية عن طريق المراسلة أو الفاسبوك إن وجد، لمثل هذا يذوب القلـب من كمــد….

إن كان في القلب إسلام وإيمان. لقد أصبحت الأقسام مزدحمة ووصل عدد التلاميذ أحينا إلى 70 تلميذا في القسم، مما يسبب تشتيت وبعثرة جهود المدرس بين هذه الاعداد الضخمة ، في ظل القفز واللعب بالنظريات البيداغوجية المتحركة و الفجوة  الكبيرة بين النظرية والتطبيق ونقصد بذلك التفاوت الكبير بين ما يسمعه المعلم عند دراسته في مراكز التكوين أو في الدورات التدريبية من مبادئ ونظريات تربوية مثالية، وبين ما يجده مطبقا في بعض المدارس من أساليب تقليدية تعود للعصور الوسطى، مع وجود تلاميذ غير مبالين بالدراسة والتحصيل حيث يرون بأن الدراسة ليست ضرورية لهم ولا تعدل من وضعهم الاجتماعي خاصة عندما يشاهدون حاملي الشهادات العليا يتعرضون للرفس والضرب والسحل وما شابههما أمام البرلمان، وهذا إحباط للمدرس وتبديد لجهوده ،وانظروا كيف مأسس المخزن السيبة التربوية وتعمد تبخيس التعليم العمومي عن طريق ما سمي ب  » أساتذة سد الخصاص »، فتواطأ وسكت الجميع أحزابا ونقابات ومجتمع مدني على أكل الثور الأبيض ، وبالتالي تحولت مهنة التعليم  إلى حرفة ، اتجه إليها من هب ودب من خارج المهنة دون اعداد تربوي وأساؤوا للمهنة وأهلها مما ادى الي تدني مكانتها العلمية والثقافية .

لقد لعبت المدرسة والمدرس المغربي دورا محوريا في تخريج النخب السياسية والاطر الادارية والمثقفين، ونجح في تجسيد المغربة وسد الخصاص المهول الذي عقب الاستقلال. كان المدرس رمزا وقدوة ومحرك للإصلاح واصبح  اليوم ينتج ويسوق الامية النظامية ، ونتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تراجعت المكانة الاقتصادية والاجتماعية لمهنة التعليم وكانت النتيجة الطبيعية عزوف كثير من الشباب عن الالتحاق بالمهنة، وتفضيل المهن التي تدر دخلا ماديا شرعيا أو غير شرعي يساعده على مواجه متطلبات الحياة وشظف العيش من خلال الشطط في استغلال حق الاضراب أو ممارسة الدعارة التربوية( الساعات الإضافية)، مما أدى إلى انحداره من منزلة التوقير الى التحقير ، وبالتالي أفقد المدرسة العمومية ثقة الداني قبل القاصي إذ أصبح رجل التعليم أول من ينئ بأبنائه عن المدرسة العمومية ويلجأ الى التعليم الخصوصي ، لقد ربى المخزن في بعضنا من خلال مواقفه تجاهنا عدم الاقتناع  بالعمل في التدريس فترى المدرسين يلقون اللوم دائماً على أنفسهم ويندبون حظهم السيئ الذي أختار لهم هذه المهنة، فتلقاهم دائماً يتضجرون من العمل ويسبون مهنة التدريس ويحاولون أن يقللوا من شأنها، فذلك الوهم لا يدع لهم مجالاً للبذل والعطاء…اعلموا حفظكم الله إن رسالة التدريس ليست بالمهمة السهلة كما يظن البعض فهي رسالة الأنبياء، وأن يكون عندكم اعتقاد وإيمان بأنكم مثابين عليها من الله سبحانه وتعالى وأن أي مكافأة يأخذها المدرس لا تعادل ما يقدمه من عطاء وما يكابده من متاعب إذا أخلص في عمله مهما بلغت تلك المكافأة ، فمهنة التدريس تحتاج إلى الضمير الحي وروح التضحية والبذل والعطاء دون توقف أو فتور…

أيها الرفاق أنا أعلم بأنكم لستم في حاجة إلى دروس الوعظ والإرشاد، أو محاضرات في الضمير المهني أو شهادات في الوطنية، لكن أريد فقط كزميل سابق أرى الصورة من الخارج أن ألفت أنظاركم إلى المخطط الجهنمي الذي يدبر في الدهاليز لبيع المدرسين ومدرستهم العمومية للخواص كما تباع أكباش العيد، ولقد كلفت هذه الحكومة بالضبط لتنفيذ  مجموعة من المهام التي لم تستطيع أي حكومة في تاريخ المغرب القيام بها في عفلة من الجميع( التقاعد، المقاصة، تحرير الأسعار، خوصصة القطاعات الاجتماعية…)، وها هم يصرحون بذلك علانية من حين إلى لآخر ليقنعوا الناس ان التعليم والصحة ورجالها ونساءها هم مصيبة المغرب، احذروا حفظكم الله، لقد أكلوا الثور الأبيض تم الأحمر، وأتمنى ان لا يعرف الثور الباقي نفس المصير بفضل مواقفكم، وأذكر « صدرنا الأعظم » بأقوال رئيس وزراء سنغافورة ورائد نهضتها الحديثة « لي كوان يو » حيث يقول  » اصنعوا الانسان قبل اي شيء، امنوا المرافق والخدمات ثم اجعلوه يستخدمها بطريقة حضارية ونظيفة، واعيروا التفاصيل الحياتية اليومية كل الاهتمام. الدول تبدأ بالتعليم، وهذا ما بدأت فـيه عندما استلمت الحكم فـي دولة فقيرة جدا، اهتممت بالتعليم أكثر من نظام الحكم، فبنيت المدارس، والجامعات، وارسلت الشباب الى الخارج للتعلم، ومن ثم الاستفادة من دراساتهم لتطوير الداخل السنغافوري »…يا وزيرنا الأول اعلم هداك الله،  ان وصفات  » صندوق الشر الدولي » لست الوصفة الوحيدة لحل مشاكل المغرب ، بل هناك حلول أخرى، فأين العبقرية المغربية، واعلم كذلك أن البلد يحتاج إلى الحكامة الجيدة والمحاسبة والكفاءة و النظام ، فها أنت ترى يا معالي الوزير أن القوم يهربون من عالم اللانظام إلى عالم النظام، وعيد مبارك سعيد لكل المعلمين في العالم وخاصة رفاقي في ربوع الوطن، وليكن شعار هذا العيد » من أجل الدفاع على المدرسة العمومية والحفاظ مكتسباتنا التاريخية ».
محمد حومين ـ باريس