حديث نتنياهو عن أبدية الاحتلال الصهيوني لفلسطين دليل على اليأس من البقاء فيها
ليس نتنياهو الفاني الوحيد الذي مر في هذه الدنيا الفانية ، و تبجح بأبدية واقع سره وأعجبه في زمن محدود تحكمه ظروف معينة . والمتحدث عن أبدية الأحوال البشرية أحمق يروم توقيف عجلة التاريخ التي لا يوقفها إلا خالقها سبحانه . لقد كان النازي هتلر أكثر قوة وبطشا من نتنياهو الذي لا يقوى على شيء إلا من وراء ظهر الولايات المتحدة الأمريكية ، وتحدث قبله عن أبدية النازية في غمرة نشوة كاذبة عليه ، ولكن حلم أبدية النازية سرعان ما تبخر بسرعة فناء النازي نفسه الذي صار إلى مزبلة التاريخ . فإذا كان النازي هتلر المعتمد على قوته وبطشه لم يستطع أن يحقق حلم أبدية نازيته ، فهل يستطيع نتنياهو المعتمد على حماية الولايات المتحدة والغرب أن يحلم بأبدية عنصريته الصهيونية في فلسطين . إن نتنياهو يعلم علم اليقين أن مصيره في فلسطين كمصير مسافر في الجو عبر طائرة ، وليس له حظ فيها إلا بقدر حظ عبور المسافر جوا فوق بقعة أرضية .
إن خطاب نتنياهو هو خطاب يتعمد تيئيس الفلسطينيين والعرب ،ويدخل ضمن مناورة من أجل الحصول على القليل من الكثير الذي لا يمكن أن يدرك . وصاحب خطاب التيئيس يكون بالضرورة يائسا لأنه يعتقد أن ما يشعر به هو من يأس ينسحب على غيره لهذا يحاول إقناع غيره بيأسه من أجل تيئيسه . والشعور باليأس هو بالضرورة إقرار واعتراف بالهزيمة. إن نتنياهو يدرك جيدا أن ما حصل عليه بالقوة يمكن أن يضيع منه بنفس الأسلوب ، وإلا فهو أحمق وبليد إذ يراهن على قوته ، ويتنكر لقوة غيره . والقوة العسكرية لا ولاء لها ولا عهد فهي تنتقل من جانب إلى آخر غير آسفة على أحد ، أو على تغيير مواقعها هنا أوهناك. ولا يثق في دوام ولاء القوة العسكرية إلا بليد أو مغفل ، وصدق شاعر العرب الحكيم القائل : لكل شيء إذا ما تم نقصان // فلا يغر بطيب العيش إنسان . فقوة إسرائيل العسكرية إذا ما بلغت تمامها ، فهي إلى نقصان ، والنقصان إيذان بالزوال ، ولا أبدية مع زوال كما يحلم بذلك نتنياهو اليائس . ولو كانت القوة العسكرية تجدي نفعا لنفعت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل في فيتنام إذ لا زالت عقدة الهزيمة تلاحق أكبر قوة عسكرية عالمية ، ولنفعتها اليوم في العراق وفي أفغانستان إذ تنقل جثث جنودها يوميا عبر الجسور الجوية لتوارى الثرى في مقابر رهيبة تدل على أن القوة العسكرية غرارة. لقد نسي نتنياهو أن أباه أوجده لم يكن يحلم مجرد الحلم بأن يرى ابنه يحتل أرضا ليست أرضه ، وكذلك لا يمكن لنتنياهو أن يحلم مجرد الحلم أن ابنه أو حفيده سيستطيع البقاء فوق الأرض التي احتلها ، لهذا فحديثه عن أبدية احتلاله مجرد حلم لا يدوم أكثر من وقت النطق به. على نتنياهو أن يفكر في الطريقة التي سيخرج بها أبناؤه وأحفاده من الأرض التي احتلها ، وأن ينصحهم بالبحث عن بدائل من الآن لأن العيش بسلام وأمن مع وجود أصحاب الأرض الشرعيين المطالبين بها والمقاتلين من أجلها أمر مستحيل . والمؤكد أبديا أن الدخيل مصيره الزوال ، وإن غره الزمن في بعد الفترات بالبقاء في حيز اغتصبه بالقوة .
فإذا كان الزمن يغدر بصاحب الحق الأصيل فهو أغدر بالدخيل ، ولكن نتنياهو شأنه كشأن حمار الطحان المعروف في حكاية الخليفة العباسي هارون الرشيد حين تفقد الرعية ليلا فوجد طحانا يغط في نومه وحماره يدور وقد علق في عنقه جرس ينبه الطحان إذا توقف الحمار عن الدوران ، وتوقف الطحن ، ولما قال الخليفة للطحان : ماذا لو وقف الحمار مكانه وحرك رأسه ليقرع الجرس ؟، أجابه الطحان : من لي للحمار برأس كرأسك يا أمير المؤمنين . فمن أين لنتنياهو صاحب الرأس الشبيه برأس الحمار بذكاء وفطنة تنبهه إلى أن حديثه عن أبدية احتلاله لفلسطين محض هراء صادر عن يائس لتيئيس من لا إيمان لهم بأنه لا يضيع حق وراءه طالب مهما طال الزمن . والمؤمن بالأبدية يتحتم عليه أن يقبل بها لصالحه وضده إذ يقضي منطق الأبدية أن يقال لنتنياهو أيضا لن تبقى إسرائيل في فلسطين إلى الأبد .
Aucun commentaire