عندما تُطبق قواعد الشطرنج وتُنتهك شرائع الإسلام !!!
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تُطبق قواعد الشطرنج وتُنتهك شرائع الإسلام !!!
الحسن جرودي
وأنا أتصفح عددا من المواقع الإلكترونية بهدف التعرف على مستجدات الساحة الإعلامية، خاصة فيما يتعلق بموضوع مدونة الأسرة الذي أضحى حديث الساعة، وعلى ألسن مختلف فئات المجتمع المغربي، استوقفني إلى حد الاستفزاز، مقال في إحدى الجرائد الإلكترونية تحت عنوان « الجينز يدفع بطل العالم في الشطرنج السريع إلى الانسحاب » لأنني لم أدرك العلاقة بين الجينز والانسحاب في الوهلة الأولى، مما اضطُرِرْت معه إلى قراءة المقال، لأجده يتحدث عن تَسَبُّب النرويجي ماغنوس كارلسن، بطل العالم للشطرنج السريع، فيما أسماه المقال « بفضيحة بالبطولة المقامة في نيويورك بسبب ارتداء الجينز »، ذلك أنه بعد مباراته الثانية تم تَغْريمه ب 200 دولار من قِبل الاتحاد الدولي للشطرنج، وتوجيه إنذار نهائي له لتغيير ملابسه، لكنه لم يفعل، ليتم بذلك استبعاده من الجولة التاسعة، الأمر الذي أدى به إلى رفض الاستمرار في الأدوار المتبقية من البطولة. وعلى إثر هذا الحدث، أصدر الاتحاد الدولي للشطرنج مساء يوم الجمعة 27/12/2024: بيانا جاء فيه: « اليوم انتهك السيد ماغنوس كارلسن قواعد الملابس بارتداء الجينز، حيث يُحظر ارتداء هذه الملابس بموجب اللوائح المعتمدة منذ فترة طويلة لهذه البطولة ». وأن « هذه القواعد موجودة منذ سنوات ومعروفة لكل المشاركين ويتم إبلاغهم بها قبل كل حدث ».
وبعيدا عن التقليل من أهمية اللعبة في صقل عدد من المهارات الذهنية لدى ممارسيها، واستجابتها لبعض هواياتهم وميولاتهم النفسية، فلقد استغربت كل هذا التشبُّث بتطبيق قواعد هذه اللعبة، والحرص على عدم المساس بها، حتى وإن تعلق الأمر بجانب شكلي منها. وإذا علمنا أن المعني بطلا للعالم، وليس مجرد هاو أو ممارس عادي، فيبدو أنه من غير المنطقي، ولا حتى البراغماتي، أن يتشبث بارتداء الجينز لو علم أن في ذلك أدنى تأثير، إن على مستوى الجانب الوظيفي للعبة، أو على مستوى مجريات المباراة، وذلك ما يُستشف من بيان الاتحاد الدولي نفسه، إذ يبدو المبرر المعتمد واهيا، ولا يستند على حجة موضوعية، سوى أنه في لحظة من تاريخ اللعبة، تقرر أن يكون اللباس بالشكل الذي هو عليه، وبما أن القرار قديم يتعين احترامه وعدم المساس به، عملا بمقولة المشركين « بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ »، مع العلم أن الأمر لم يتجاوز دائرة اللعب، هذا في الوقت الذي يتم فيه انتهاك مجموعة من القرارات الدولية، والشرائع الدينية، يوميا وبشكل ممنهج، ليس لتغيير قواعد لعبة معينة، وإنما لاضطهاد حقوق الإنسان التي تتبجح بالدفاع عنها كل من الأمم المتحدة، وعدد كبير من الجمعيات الحقوقية، وجمعيات المجتمع المدني الدائرة في فلكها، دون أن يُتخذ أي إجراء عملي ضد منتهكيها. ولعل المثال الصارخ الذي أصبح حديث العام والخاص على المستوى العالمي، هو استهتار العدو الصهيوني بكل القوانين والقرارات الدولية، وبكل القيم والأعراف الإنسانية، دون أن تجد من يستبعده من حَلبة الإبادة الجماعية، مع العلم أن اللباس الذي يرتديه ليس سوى جينز من نوع آخر، لكن مصدرهما واحد، ألا وهو الولايات المتحدة، التي عوض إجباره للتوقف عن مواصلة هذه « اللعبة » القذرة، نجدها تعمل كل ما في وسعها لتزويده باستمرار بأحدث أنواع هذا « الجينز » المتمثل في مختلف وسائل الدمار، من قنابل وصواريخ وطائرات و…وقد يرجع السبب في ذلك، على الأقل في جزء منه، إلى كون رؤسائها، على غرار عدد كبير من رؤساء دول العالم، عبارة عن « أحجار على رقعة الشطرنج » تُحركها الصهيونية العالمية في الاتجاه الذي يخدم مخططاتها التلموذية، حسب ما جاء في كتاب William Guy Carr تحت نفس العنوان.
فإذا كان واقع الحال يشير إلى وجود جهات تحرص على تطبيق القانون بالنسبة للأمور التافهة التي يندرج اللعب ضمنها، مهما تنوع ومهما اختلفت أسماؤه، في الوقت الذي تسهر فيه جهات نافذة على المستوى العالمي على دوسه (من فعل داس) عندما يتعلق الأمر بالإنسان وكرامته، فإن إصرار هذه الجهات وعملائها المستأجرين والمغفلين على حد سواء، على استئصال قيم المجتمعات الإسلامية والمحاربة الشرسة للشريعة الإسلامية لا تقل فظاعة وشناعة عن قتل الإنسان، وإبادته في غزة وفلسطين والعراق وسوريا واليمن والسودان…
وإذا كان ما تقوم به الصهيونية العالمية من تدمير للإنسان، والعمل على إفساد فطرته التي فطره الله عليها أمرا خطيرا وسفيها، فإنه لا يمكن اعتباره أمرا طارئا أو غير متوقع، لأن ذلك هو دَيْدَنهم منذ أقدم العصور، وإنما الذي لم يكن متوقعا، وهو أخطر وأسْفهُ مما قد يتصوره البعض، هو انخراط عدد ممن يُحسبون على العلم الشرعي، وقد كانوا يمثلون إلى عهد قريب قدوة للعامة وحتى الخاصة، في سَلِّ خيوط الشريعة الإسلامية خيطا بعد خيط، ليتم بذلك تعطيلها وإخراجها من واقع الناس، حتى أصبحنا نسمع بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان في العديد من البلدان الإسلامية. ويبدو أن بعض من يُنسبون إلى المجالس العلمية عندنا أصبحوا يقتفون أثرهم، لكن بطرق ملتوية، وبأساليب مبهمة، كما هو الشأن بالنسبة لرأي المجلس الأعلى بخصوص مدونة الأسرة، كما قدمه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومما يدل على اتسامه بالإبهام، تلك القراءات التي تصل إلى حد التناقض بين عدد كبير من الدعاة، وبين عدد من العلماء غير الرسميين، إذ يجزم بعضهم بالتجاوز الصريح لبعض بنوده للمذهب المالكي المعتمد رسميا عندنا، بل هناك من يذهب إلى القول بتجاوز النصوص القانونية المعمول بها، لتتجاوز حتى النصوص الشرعية القطعية، كما هو الشأن بالنسبة لاستثناء بيت الزوجية من التركة، الذي يُرجَّح أن تستفيد منه الزوجة المتوفى عنها زوجها، دون باقي الورثة مهما كانت قرابتهم، في مخالفة صريحة للآية 7 من سورة النساء التي يقول فيها عز من قائل: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ وكما هو الشأن بالنسبة لتقييد التعديد، وحصره في حالتي العقم والمرض المؤدي لعدم المعاشرة الزوجية، وهو ما يخالف منطوق الآية الكريمة من سورة النساء: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾، في المقابل نجد من يقول بعدم التسرع، وانتظار صدور القوانين المنظمة للمدونة ككل، وهو الأمر الذي قد يبدو منطقيا، شريطة أن يسبقه الإفصاح عن كل بنود المدونة التي طالها التغيير، والتنوير الفعلي للرأي العام فيما تحقق في شأنها، كما أمر بذلك جلالة الملك، بما يسمح بتجاوز هذا الغموض الذي تُشتَمُّ منه رائحة التعمد من أجل استثارة ردود الفعل لدى المغاربة، والحقيقة أننا لا نحتاج لكل هذا المخاض إذا كان الهدف هو إعداد مدونة للأسرة على اعتبار أن المغاربة مسلمين، فيكفي الاعتداد برأي أولي الاختصاص من العلماء الربانيين، كما يُعتد بآراء أهل الاختصاص في مختلف العلوم، دون الحاجة إلى رأي الرويبضة، أما إذا كان الهدف هو إدراج العلمانيين ضمنها، فالأمر لا يستقيم إلا بأسلمة العلمانيين أو علمنة الإسلاميين، ولعل التوجه العام يذهب في منحى العلمنة، على غرار ما هو معمول به في مختلف المجالات الحياتية، ولعل استثناء معتنقي الديانات الأخرى لخير دليل على ذلك. وإلا كان من الأولى أن تُسند عملية التنوير للخطباء على غرار خطة تسديد التبليغ، علما أنهم لم يتجرؤوا لحد الآن على تناول الموضوع حتى وهو من صميم عملية التسديد.
في الأخير، وتجنبا لكل النتائج الغير محسوبة العواقب، التي يمكن أن تفضي إليها عملية استصدار قوانين أجرأة المدونة المرتقبة، اقترح العمل بالرأي الذي تتداوله بعض المنابر الإعلامية، والمتمثل في إصدار مدونة للأسرة المسلمة، وأخرى للأسرة العلمانية، وثالثة ورابعة…حسب مرجعية كل طائفة، ما دام السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يتحمل مسؤوليته في تأويل قوله تعالى « لا إكراه في الدين ».
Aucun commentaire