Home»Débats»هنا القنيطرة، ومنها تبدأ أغادير

هنا القنيطرة، ومنها تبدأ أغادير

1
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح


توطئة:
أغادير ترتد في المخيال إلى زلزالها – فبراير1960 – وأنا بعدُ قروي يافعٌ ،أعي حجم الألم الوطني والقروي، بقدر فهمي لحشرجة المذياع الوحيد، وسط حلقة الكبار؛وبقدر ما تمثلت من رهبة ،وأنا أربط بين « المايجري » وسورة الزلزلة التي كنت أحفظ وأردد، دون تصور واضح لهوْلها على البشر والحجر.
وهي ترتد، أيضا، إلى كونها عاصمة المختار السوسي ،الذي غلبت وطنيتُه العالمة على سوسيته ،حتى غدا مِلكية روحية مشاعة للمغاربة كلهم ،عربا وأمازيغ؛بل ولكل العرب.
سما العالِم ،وارتقى نجما تحف به نجوم سوس العالمة ؛مرفرفا بأجنحة العربية الفصحى،الدارجة، وتاشلحيت ؛دون أن يختار لنفسه احداها فقط ،وتكون القسمة ضيزى.
وترتد، طبعا، إلى ما رسخ في الوجدان من مقارعة غلاة الأمازيغية دهرا « هسبريسيا » يعرفه القراء جيدا.
رسخ أن هذه الأغادير ،التي ستشد إليها الرحال ،لا تتنفس غير هواء تاشلحيت ،يتشكل حروفا، ثم يخرج إلى الورق « تيفيناغيا » طلسميا ،سُدت عليه جميع المنافذ ،حتى لا يستنشق هواء الوطن المضمخ بالفصحى ،الدارجة ،ولهجات أخرى ،منهما وفيهما.
ولدى مخالطة أهل سوس كانت المفاجأة: كبسة أذن، ورفَّة جفن ، تلغيان الكثير من الكلام،وتظهران شدة انزياحه عن الواقع اللغوي السوسي في عاصمته وسيتضح هذا لاحقا.
انهضي عزيزتي، قبل أغاديرالغابة:
هي رفيقة العمر ،وقد قررت أن أمتِّعها – والقوم في نقاش المدونة – برحلة الشتاء، هذه المرة ؛وما رحلنا قبلُ إلا صيفا. نمضي معا إلى أقاصي الجنوب المغربي الثقافي ،وليس الحدودي ،الممتد إلى « لكويرة ».
الجنوب الثقافي المدون عَسلاً، في معسولٍ لن يتبدل طعمه أبدا.
سيكون علينا أن نقتطع، راكبَين السيارة، سبع ساعات وزيادة من عُمرينا ؛ما قبل الزواج وما بعده.
وسيبلغ عدُّ الطريق السيار ،الرائع،مئاتٍ ستة من الكيلومترات،نطويها طيا .
انهضي هذا الفجر انبلج ،ونحن بعدُ في عاصمة الغرب ؛لا أريد أن أبطئ على روح المختار السوسي ؛وقد حضرتْ من عليائها منذ أيام ،وحاورتني وحاورتها،يقظا ونائما.
الشوق إلى أغادير ،نعم، لكن قبله الشوق إلى قطع غابة المعمورة ليلا؛في اتجاه الرباط حيث لا تُرى أشجار الفلين اليانعة الخضرة ،بل أشباحُها السوداء ،الموحية بأزمنتها التي خلت ؛حين كانت تعبرها قطعان الفيلة ،والأسود ،وكل الضواري ؛حسب رواية المؤرخ « غوتيي » في « تاريخ شمال إفريقيا :القرون المظلمة ».
وسبق لي أن تمنيت،في حديثٍ عن أسد الأطلس، لو تستعيد المعمورة أسودها ،لتحمي نفسها من عوادي قطاع الشجر ،ولوبيات العقار الرسمي ،التي تنتقم من تضييق البحر،على المدينة ، بقضم مساحات منها،وهي، ذات الهيبة القديمة، صامتة مستسلمة .
كأنها الإمبراطورية المغربية الشريفة ،كما تحَيَّفتْ خرائطَها ،القديمة و الشاسعة، عوادي الزمان والجيران.
كأننا لم نكن لا في الأندلس ،ولا في تلمسان ،ولا في ركاب أحمد المنصور الذهبي ،الراحل إلى مشارف إفريقيا السوداء.
كما هبَّ أسودنا اليوم إلى الصحراء فوارس ،يستعيدونها ويثبتونها ، روحا روحا ،وذرة ذرة ؛أتمنى ألا تنتهي أيامي ،وأرحل إلى البعد الآخر،قبل استعادة كل ما ضيعه التاريخ للجغرافية المغربية ؛حتى يتحقق فهمي لرمزية  » أسود الأطلس  » الكروية .
نعم لكروية الركراكي وصلعته ،لكن نريد أيضا إرادة إدريس الأول ،يوسف بن تاشفين ،أحمد المنصور ،الحسن الأول،محمد الخامس ،والحسن الثاني ..رحمهم الله جميعا.
الطريق السيار على خطى الفيلة:
هو هكذا حتى في قوانينه و ثمنه ،و الأداء قبليٌّ. اعتدت على استلام إذن الدخول ،فإذا بي أطالَبُ بثمنه.
طيب سيدي الجابي – على طريق الفيلة والأسود – خذ ؛ لكن متى أستلم إذن العبور عبر طريقكم إلى أغادير؟
في محطة برشيد سيدي ؛ودونها محطات أداء أخرى . شكرا ،عم صباحا.
انضممت إلى نهر هادر من أضواء السيارات ،القادمة من الشمال ،والمنضمة إليها في سهل الغرب الشاسع.
أضواء قوية فوتت علي الكثير من رهبة العصور المظلمة في غابة المعمورة.
لم تعد سياقتي شبابيةً كما كانت ،أيام اختراق ضباب الطريق الوطنية الخطيرة ،العابرة من القنيطرة إلى الرباط ؛ذاهبا – دوريا – إلى الملتقيات التأسيسية لأكاديميات التربية الوطنية؛غب الإعلان الحسني الشهير عن ميلادها.
من لم يمت في طريق الموت هذه، لن يموت إلا في سريره .
حتى حينما يغلبني الحنين إلى السرعة تذكرني الزوجة:تمهل لن يغضب منك المختار السوسي ،وقد صبرت الشهور لقراءة معسوله.
حينما يركب الإنسان سيارته سائقا ،يتحول إلى قطعة من محركها ؛مُبرمَجة للحفاظ على الإيقاع العام لكل القطع الأخرى .
هذا ما أفكر فيه دائما أثناء السياقة ،وأتمنى أن يكون القاعدة الأولى في دروسها ؛تلقن للمبتدئين ،حتى تترسخ لدى الجميع – في بلاد حرب الطرق – أصول القيادة السليمة .
ويتواصل الهدير ،ذات اليمين وذات الشمال ، والإسفلت الثعباني تخاله يئن تحت وطأة الثقل والسرعة.
وزادونا فِيلَةَ الدار البيضاء:
تعبر إليها من الرباط وقد تضاعف عدد السيارات مراتٍ ومرات؛وكأنك كنت في نهر ،ثم انتقلت إلى بحر.
كان الضوء قمرا فصار الآن شمسا ؛من تمازج الأضواء الكاشفة ،العابرة في الاتجاهين.
رباه ما لهذه الشاحنات تبدوا لركاب السيارات كدكتاتوريات هاربة ،قابضة على الطريق وأنفاس السيارات ؟
سيأتي التأكيد بعد أيام ،حاملا مأساة الشاحنة الهوجاء ،التي قارعت « ترامواي » البيضاء ؛ظلما وعدوانا .رحم الله الموتى وشافى الجرحى.
حبذا لو تُحل معضلة الشاحنات في المدن الكبرى ،من كل جوانبها ،بما فيها الشباب الذين يقودونها ،كفرسان في حلبة ،يصرون ألا يشق لهم غبار.
وقد جربتُ أن تحاصرني ثلاثون طنا بعجلاتها من الخلف ،وثلاجة عملاقة من أمام ..تدبَّر أمرك أنت ابن الأربعة و السبعين عاما ،الحالم بماض زاهر للمعمورة ، وببقية حوار ستجريه مع المختار السوسي في أغادير.
لاتخافي عزيزتي فلا يزال زوجك شيخا سلفيا في سياقته- فقط – رزينا في مناوراته الطرقية ؛لا نشاز بينه وبين مقود السيارة وقطع محركها.
هنا برشيد..
يتبع

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *