Home»Débats»الكَلَخً

الكَلَخً

5
Shares
PinterestGoogle+

الكَلَخً

من الموروث الشعبي عبارات شعبية يتداولها المغاربة في أحاديثهم اليومية عن وعي أو عن غير وعي أحاول عبر سلسلة من المقالات المتواضعة أن أسلط الضوء عليها وقد تحدثت في مقال سابق عن العبارة السحرية –اسمح لي – واليوم أتحدث لكم عن- الكلخ      – وبالله أستعين-

الكلخ  من النباتات السامة التي لا تصلح للرعي لأنها تضر بالماشية وتتسبب في نفوقها ، تكثر في مناطق البحر الأبيض المتوسط ،تتسم بضعف البنية  وسهولة الانكسار لأنها تحتوي  على جذع هش و خاو من الداخل ، لا تصمد أمام الرياح القوية  يضرب بها المثل في الهشاشة وقريب من هذا المعنى قوله تعالى -–كأنهم أعجاز نخل خاوية – كناية عن وهن وضعف قوم عاد أمام الرياح العاتية

انتقل التعبير من فصيلة النباتات ليصبح مضرب الأمثال بالعامية ويدل على غياب الفطنة كأن يقال كلّخه أي احتال واعتدى عليه  وكَلَّخْتَها أي جانبت الصواب  وتَكَلَّخ أي احْتيلَ عليه ،كما أصبح مضرب الأمثال في الوعود الكاذبة كأن يقال لمن علق آماله  على شخص لا يعتد به في المواقف الحازمة -راه امسقف بالكلخة ، وامحزم بالخلا  -كما يدل كذلك على كل شيء منحط من السلع وغيرها

والكَلَخ ُالفكري منزلة بين الغفلة والغباوة وهو يصيب الفرد كما يصيب الأمة  بكاملها إذ كثيرا ما يتردد عند بعض الأشخاص عبارة –)هاذ الأمة أمكلخة(- وهو على نوعين منه الدائم ومنه العارض أو الطارئ ،فالدائم يستدعي الكشف الطبي للبحث عن مواطن الخلل وإخضاع – لمكلخ – للمراقبة الطبية والعلاج الإكلينيكي ،والعارض حالة عابرة قد تفرض نفسها  ضمن  التفاعلات اليومية بين أفراد المجتمع ،تجتاح عقل الإنسان -أي إنسان – في الأماكن العامة والخاصة فتصدر عنه سلوكيات غير طبيعية لا يجد لها تبريرا أو حتى تفسيرا فتجده يعبر بالقول المبهم عن الحالة التي ألمت به  ما عرفت مالي(؟ أي لست أدري ما أصابني ) كيفا ش اتشمت-؟

والحقيقة أن الكَلَخَ وَهَنٌ يعتري العقل البشري لفترة زمنية قد تطول أو تقصر جراء عياء يصيب الإنسان   بسبب جهد بذل فيه طاقته القصوى كالسفر الطويل أو لأمر ما شغله فحجب عنه كل ما سواه أو فتور وخمول يعتريه  في مرحلة من مراحل العمر متقدمة   فتراه يبذل أقل جهد فكري في تصرفاته مع الغير،وحينما يتكلخ المخ فكأنه يتكلس بعوامل رسوبية تطفو على سطحه فتُغَلِّفُه بحجاب يمنعه من الرؤيا الواضحة والتبصر الجلي، والحقيقة أن دعاة الدارجة لم يجانبوا الصواب حينما أرادوا صناعة التكلاخ عن طريق إقحام الدارجة في البرامج الدراسية،

 وقد يصيب الكلخ الفئة النخبوية في المجتمع وعلى أعلى المستويات الاجتماعية حينما تنتقل عدواه  إلى بعض المسؤولين عن الشأن العام فتحدث الكوارث عبر تصرفات بعضهم مع المواطنين والتي تعبر عن تَكَلُّخِهِمْ الأخلاقي والوطني والديني وقد يخترق قبة البرلمان على شرف قدرها وعلو شأوها فيصبح من يشرع للبلاد والعباد مكلخا هو بدوره  وما مهزلة التكالب –واللهطة- على ما لذ وطاب من الحلوى إلا شجرة صغيرة تخفي غابة الجشع والطمع والانتهازية وخدمة المصالح الخاصة وهذا كله أمام أعين الكاميرات المحلية والعالمية

والكَلَخُ لا يختص بفئة عمرية معينة ولا بأشخاص محددين  فقد يكون الإنسان السوي  نشيط الحركة متوقد الفكر ولأسباب ما ،تطرأ عليه حالات تخفت فيها حيويته فيتكلخ فيصبح عرضة وفريسة سهلة للنصب والاحتيال وللأساليب الخبيثة في استدراجه والنصب عليه وابتزازه ماديا وجنسيا، فالنصاب يطارد فرائسه من المكلخين دون ملل ولا كلل حتى يعثر على ضالته فيبدأ في ألاعيبه وإغراءاته حتى يتمكن منه ثم يبدأ في لف أحباله كما يلف الثعبان الأقرع فريسته مستعملا في ذلك كثيرا من الحيل والإيحاءات تجعله يستسلم له طواعية ،وكثيرا ما يستغل النصاب الجانب الديني ذريعة للنصب والاحتيال والإرهاب المادي والفكري ومازالت أروقة المحاكم تنظر سنويا في عدد من القضايا التي ذهب ضحيتها أشخاص في لحظة كلخ وعدم إدراك ،والنماذج التي كنا و ما زلنا نعاينها من خلال وسائل التواصل الاجتماعية  أو عبر القنوات والجرائد الوطنية تظهر لنا العدد الهائل و المخيف من ضحايا النصب و الاحتيال طمعا في المكاسب السريعة بالطرق الميسرة ، وقد تتفاوت الأضرار التي يلحقها المحتالون بضحاياهم قد تبلغ حد الإفلاس في بعض الأحيان إلا أنهم يعانون في صمت خوفا من الفضيحة أو  تهمة المشاركة والغريب أن من بين هؤلاء المكلخين من حاز تعليما عاليا وتربى على الفضيلة .ومن أشهر نماذج النصب والاحتيال ما يعرف بغسيل الأوراق النقدية من العملة الصعبة و الملطخة بمادة سوداء ،أبطالها أبناء و أحفاد شخصيات  وهميين من دول جنوب الصحراء يبحثون عن مساعدين ذوي الجاه من اجل الاستثمار بالمغرب وبحوزتهم حقائب الثراء و الصناديق المملوءة بالأوراق السوداء لا ينقصها إلا مادة كيميائية للغسل و تصبح قابلة للتداول، وغيرها كثير من الحيل التي أصبح الناس يتندرون بها  في سمرهم  كصاحب النعجة العجفاء الذي ذهب إلى السوق  عند حلول عيد الأضحى المبارك ليقتني كبشا أقرن فاشترى في فترة الكلخ نعجة هرمة نبتت قرونها وتساقطت أسنانها وجف ضرعها وبح صوتها   حتى أصبحت تحاكي الأكباش في الذات والصفات  فاعتقد صاحبنا  أنه عثر على ضالته بأبخس الأثمان فجاء به أو بها  إلى البيت منتشيا ومزهوا بالصفقة التي غفل عنها كثير من المشترين ،وحينما دخل على زوجته بهذا الأقرن الأملح صرخت في وجهه بأعلى صوت وهي العارفة بأحوال البهائم لأنها  تربت في البادية ،ما هذه النعجة العجفاء ؟ أين كانت عيناك ؟- ما لك  مكلخ-  ولهول الصدمة  انقشع ذهنه وتجلت فطتنته  فردد العبارة المخلصة من الورطة – ما عرفت مالي- كيفاش اتشمت –ولحسن حظه أنه وجد البائع مازال يعرض بضاعته على المكلخين أمثاله  ، وبعد أخذ ورد ومشاداة كلامية  وبعد تدخل بعض المحسنين استرد نقوده التي دفعها ثمنا للنعجة -الله يحفظنا من الكلخ –

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *