كرة القدم بين الرياضة والسياسة
كرة القدم بين الرياضة والسياسة
بعد إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم عن إسناد تنظيم مونديال 2026 للملف المشترك بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا،انتابني إحساس غريب ذكرني بالحلم الذي كان يراود الشعب المغربي منذ سنة 1994، دون أن يتحقق منه شيء للمرة الخامسة، كما انتابني شعور فيه مزيج من المرارة والحزن والغبن والكراهية والشفقة على إخوان لنا في العروبة والدين اجتهدوا وناضلوا وتجيشوا لنسف حلم عربي قبل أن يكون مغربيا بدون مبرر لذلك الفعل الشنيع والفاضح لنوايا إخواننا في الخليج ، اللهم الشعور بتضخم الأنا والحسد والوقوف في وجه كل من حاول التفوق عليهم من إخوانهم في العروبة والدين ،ضاربين عرض الحائط كل التضحيات التاريخية للمملكة المغربية في علاقتها بالدول الخليجية، وعلى رأسها المشاركة ضمن التحالف العسكري ضد بعض العناصر في اليمن وللحد من المد الشيعي على المملكة السعودية وبالمناسبة فقد شكلت السعودية والإمارات بهذا الفعل سابقة في تاريخ كأس العالم لكرة القدم وذلك من خلال القيام بحملة شعواء لصالح بلد وضد بلد آخر شقيق ، فماذا يعني هذا السلوك الغريب ؟
لقد حاولت بعض الصحف الإلكترونية والورقية وكذا بعض المواقع التواصلية أن تختزل هذا السلوك الغريب في رد فعل الإخوة آل سعود تجاه المغرب الذي اختار الحياد وعدم الخوض في الصراعات الخليجية – خليجية وفي نظري المتواضع والله أعلم أن ما بدر منهم ينم عن أمور كانت تحاك في الكواليس وهي أعمق مما يتصوره الرأي العام حسب المتداول في الشارع العربي والمغربي بالخصوص ويدخل هذا الفعل ضمن مناورات السعودية ضد القضية المقدسة لدى العرب والمسلمين لرد الجميل ضمن صفقة القرن التي تمت بين الرئيس الأمريكي والسعودية أعطت بموجبها الرياض لترامب ما يريد وأخذت منه الضوء الأخضر تجاه خططها المدبرة والتي بدأت معالمها تتضح في الأيام التي تلت القمة عندما أعلن الرئيس الأمريكي عن دعمه التام للحصار الذي فرضته السعودية على قطر والاستمرار في حربها الخاسرة ضد اليمن ، فبعيد القمة أوضحت تصريحات الرئيس الأمريكي أنه لم يكن ليجعل من السعودية أول بلد أجنبي يقوم بزيارته بعد توليه الرئاسة لو لم يحصل على امتيازات اقتصادية وسياسية من الرياض من أجل تعبيد الطريق للوافد الجديد للوصول إلى الحكم ، كما تمكن من انتزاع وعد للقيام بكل ما يلزم من أجل تهيئة الرأي العام السعودي والعربي والإسلامي عموما لاعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل ، فعلى الرغم من الكلام الرسمي الصادر عن المملكة العربية السعودية، الذي أدانت فيه خطوة الرئيس الأمريكي واعتبرتها غير مسؤولة، فإن واقع الأمور ومجريات الأحداث التي وقعت في المنطقة خلال الشهور الستة الماضية أظهرت بشكل لا لبس فيه أن هناك تواطؤا مسبقا على حساب القضية الأولى للعرب والمسلمين وعلى حساب الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني [1] ،وقد اتضح مع الأيام أن المغرب لم يجانب الصواب حين امتنع عن الحضور في القمة الأمريكية الإسلامية التي مهدت للصفقة السعودية الأمريكية المريبة حول القدس مما جنب المغرب مغبة تدنيس مواقفه المشهودة مع القضية الفلسطينية ، وأن القرارات السياسية الخارجية للمغرب لا تؤخذ بناء على نزوات غير محسوبة العواقب بل بناءً على مدى توافقها مع التوجهات العامة للبلاد ومواقفها الثابتة بخصوص القضايا الوطنية والدولية، فمن خلال ما جرى من أحداث في عمليات الاقتراع على ملف المونديال يمكن للمغرب استخلاص بعض الدروس والعبر منها
أولا- تقييم مواقف الإخوة العرب المصوتين لنا أو ضدنا لأن « العلاقات الدولية تبنى على المصالح المتبادلة وليس الصادرة عن الأمزجة والضغوطات المستفزة للبلدان المسالمة
ثانيا – الكف عن التأسف والتباكي على الفرص الضائعة ،لأن عالم اليوم أصبحت تحكمه المصالح المادية والصراعات حول المكاسب واحتلال المواقع الإستراتيجية في غياب شبه تام للجوانب الأخلاقية أو العاطفية
ثالثا- على المغرب أن يتعامل بالواقعية المطلوبة مع الدول العربية وحسب ما تقتضيه المصالح المتبادلة ويكف عن التغني بشعار العروبة الجوفاء لأن هذه الدول وخصوصا الخليجية منها لم يستفد منها المغرب بقدر التضحيات التاريخية للمملكة في علاقتها بهذه الدول فمازالت دماء الطيار المغربي ياسين بحتي- رحمه الله- لم تجف على أراضيهم بعد
رابعا- محاولة تنظيف البيت الداخلي والمراهنة على الرأس المال البشري وذلك بالنهوض بالتعليم الذي يعتبر قنطرة للعبور إلى ما تسمو إليه الدول الراقية والمتحضرة وكذلك الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والصناعية وتقوية الهوية الوطنية لتساهم في خلق الثروة وتوزيعها بشكل عادل ، فالمغرب والحمد لله غني بموارده المادية والبشرية عكس ما يروج له وعلى الدولة أن تعمل على تطبيق القوانين الزجرية على كل من حاول المساس بالمال العام دون وجه حق لأنها هي المسؤولة عن أمن مواطنيها وتنمية اقتصادها لتوفير العيش الرغيد لأبنائها ،وأن تحرص كذلك على حفظ الأمن والاستقرار والسلم الداخلي للبلاد
خامسا- أخذ بعين الاعتبار كل ما صاحب ترشح المغرب لهذا الاحتضان، من إكراهات وإخفاقات ونكسات كما الإنجازات وتوظيفها مستقبلا بطرق بناءة تمكن المغرب من التنافسية من مراكز قوة
سادسا- مساءلة اللجنة المسؤولة على هذا الملف و عن الميزانية التي صرفت للترويج له والحقيقة الغائبة التي يجب أن تظهر لكل المواطنين بدون استثناء لأنهم هم من مولوا هذه الملف عن طريق استخلاص الضرائب التي كانوا يؤدونها من جيوبهم والكف عن شيطنة الآخر
سابعا- على المغرب ودول الجوار أن يفكروا في تفعيل بناء اتحاد المغرب العربي بصفته حلما ممكنا وأفقا رحبا للتنمية ومشروعا لترشح المنطقة لاحتضان الكأس في الدورة المقبلة وذلك بفتح قنوات الحوار البناء تحت شعار رابح – رابح فإذا كان المغرب قد استطاع أن يفتح أبواب كثير من الدول الإفريقية فباب الجوار أولى لأن التعايش بيننا أصبح ضرورة حتمية تفرضها الظروف العالمية وألا يظل مصيرنا رهينا بدول الخليج
كيف تفادى المغرب صفقة سعودية أمريكية حول القدس*
*مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News[1]
Aucun commentaire